البيولوجيا وعلوم الحياة

دور الجينوم في بناء البروتين

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

دور الجينوم في بناء البروتين الجينوم البروتين البيولوجيا وعلوم الحياة

إلا أن الأمر الأكثر أهمية ، هو أنك تستطيع بناء بروتينات وجزيئات "رنا" جديدة تماماً وببساطة وذلك عن طريق تعديل المعلومات الموجودة في الجينوم.

حيث لا تحتاج في هذه الحالة إلى صناعة مجموعة جديدة تماماً من الأنزيمات لبناء بروتين جديد – ولكن كل ما عليك فعله هو تغيير المعلومات وستقوم آلات بناء البروتين بصناعته من أجلك.

وتوضح لنا الدراسات التي تم فيها مقارنة جينوم الكائنات المختلفة أن كل أنواع الطفرات، والقطع، والوصل، والتصحيح قد حدثت في المعلومات المخزنة على الجينوم على مسار تطور الحياة.

 

ولكن بعض البروتينات الأساسية، والتي تقوم بأداء وظائف محورية ، ظلت بدون تغيير عبر بلايين السنين.

على سبيل المثال، فإن هناك تطابقاً بين إنزيم الجلسر ألدهيد 3 فوسفات ديهيدروجينيز (والذي سبق الحديث عنه في الفصل الأول) في خلية الإنسان والبكتيريا.

إلا أن هناك بروتينات أخرى يتم إعادة تشكيلها كل يوم، فعلى سبيل المثال، فإن الجينات المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة (Antibodies) بخلايانا يتم تعديلها وتصحيحها بشكل مستمر لإنتاج أنواع جديدة من الأجسام المضادة يكون تركيبها مناسباً وبشكل دقيق لمهاجمة ميكروبات جديدة مسببة للأمراض.

 

يحتوي الجينوم على وصفات لبناء كل ما تحتاجه الخلية من بروتينات، بالإضافة إلى توجيهات حول الكيفية، والوقت المناسب، والحدث المناسب الذي يجب أن يتم عنده إستخدام هذه المعلومات.

ولقد تم التعرف على تتابع النيوكليوتيدات في جينوم العديد من الكائنات الحية، بما في ذلك بكتيريا الإيشريشياكولاي (Escherichia Coli) والإنسان، وذلك كما سيتم توضيحه في الفصول القادمة.

 

ويتفاوت حجم ومستوى تعقيد الجينوم بدرجة كبيرة فيما بين الكائنات الحية.

ويبدو أن أصغر جينوم هو ذلك الذي يحتوي على جينات تشفر لحوالي 500 بروتين – حيث يحتوي جينوم البكتيريا الطفيلية ميكوبلازما جنيتاليم (Mycoplasma genitalium) على 580,000 نيوكليوتيدة والتي تحمل شفرات 517 جينا

 

وتشير دراسة أكثر تفصيلاً لهذا الكائن البكتيري إلى ان حوالي 300 جين من هذه الجينات يعد أساسياً وبشكل مطلق لإستمراره حيّاً.

إلا أن جينوم الإيشريشيا كولاي أكبر من ذلك وبدرجة واضحة، حيث يحتوي على حوالي 4.7 ملايين نيوكليوتيدة وأكثر من 4500 جين، أما الجينوم الخاص بنا فيحتوي على أكثر من 3 بلايين نيوكليوتيدة يُقدر لها أن تكون حاملة لشفرات لإنتاج 30,000 بروتين.

 

يوجد الجينوم البكتيري في صورة منتظمة نسبياً. حيث تترتب الجينات إلى جوار بعضها البعض، وغالباً ما تكون منظمة في صورة مجموعات ذات وظائف محددة تسمى أوبرونات (Operons)، بحيث توجد معلومات منظمة لعمل الجينات فيما بين هذه

المجموعات. ولكن الجينوم الخاص بنا معقد جداً وغير منظم. فكل جين يحمل شفرة لإنتاج بروتين يحتوي في داخله على قطعة طويلة من الـ"دنا" ليس لها علاقة بشفرات البروتين، ولذلك فإنه عادةً ما يكون الجين أطول بمقدار 10 إلى 20 مرة من الطول اللازم لإنتاج البروتين (شكل 5.3).

 

شكل 5.3 جين إنتاج الانسولين في الإنسان: يوضح الشكل جزءً صغيراً من جينوم الإنسان، متضمناً الجين الحامل لشفرة إنتاج الإنسولين، هناك العديد من العمليات التي تحدث بغرض إنتاج بروتين الإنسولين في صورته الناضجة أو النهائية.

يوضح الشكل تتابعات النيوكليوتيدات في جزىء الـ "دنا" الحاملة لشفرة إنتاج البروتين وهي مقسمة إلى جزئين تظهر فيهما النيوكليوتيدات بالأحرف الكبيرة.

لاحظ أن الشفرة تبدأ بالنيوكليوتيدات "ج-ت-أ" (A-T-G) (التي تمثل شفرة البدء المعتادة) وتنتهي بشفرة التوقف "ج-أ-ت" (T-A-G) ، فبعد نسخ جزيئين من الـ "رنا" المرسال من هذين الجزئين من تتابعات النيوكليوتيدات فإنه يتم ربطهما معاً واستخدامهما لبناء بروتين طويل يحتوي على 98 حمضاً أمينياً.

ثم يتم بعد ذلك تقليم هذا البروتين لإزالة الجزء المكون للإشارة عند بداية الجزىء (يظهر باللون الأخضر) والحلقة الموجودة في وسط الجزىء (تظهر باللون البرتقالي" ، بحيث تعمل القطعتان المتبقيتان من البروتين (تظهران باللون الأصفر والأحمر) على تكوين الصورة الناضجة أو النهائية له (قوة التكبير:10 ملايين مرة).

 

إلا أن هذا يعد أمراً مفيداً. وذلك عند ترجمة الجين، حيث أنه لا بد في هذه الحالة من تصحيح نسخة الـ "رنا" الناتجة لغزالة قطع الـ "دنا " الطويلة هذه، وهذا يسمح بإجراء عمليات تعديل تكون خاضعة لمستوى عال من التحكم والتنظيم.

ويحتوي أكثر من نصف الجينوم على قطع من الـ "دنا" غير حاملة لأي شفرة لإنتاج أية بروتينات، وتشتمل هذه القطع على سلاسل طويلة من تتابعات مكررة من النيوكليوتيدات بالإضافة إلى العديد من أجزاء الـ "دنا" القابلة للحركة والتي يمكنها القفز من مكان لآخر على الجنيوم.

 

وإذا نظرنا في جينومات الكائنات المختلفة، فإننا سنجد أن هناك قوتين متعارضتين تتحكمان في تشكيل المعلومات الوراثية.

فمن ناحية، لا بد أن يقوم الجينوم بنقل المعلومات الوراثية الثمينة بكل أمانة من جيل لآخر. ومن ناحية أخرى ، فإن طفرات الجينوم تلعب دوراً جوهرياً في تطور الكائن.

 

ويعمل التوازن بين هذين الجانبين على تشكيل الكائنات الحية وتنوعها، بحيث يتم التأكد من أن الكائنات يتم تكوينها بشكل سليم، مع وجود قدر كافٍ من التنوع الذي يسمح بتأقلم الكائن مع الظروف البيئية المتغيرة. ولو قارننا الجينوم الخاص بنا بجينوم الإيشريشيا كولاي فسنجد أنهما مختلفان بشكل كبير.

فعلى الرغم من وجود عدد محدود من البروتينات تم الاحتفاظ بالمعلومات الخاصة بها في جينوم الكائنين، وذلك مثل الإنزيمات المشتركة في تكسير السكريّات، إلا أن أغلب الأشياء الأخرى مختلفة بشكل جوهري وذلك نذ أن سلك أجدادنا طرقاً تطوريةً خاصةً بهم.

 

ولكننا لو نظرنا إلى أقرب الأقارب لنا من الكائنات الأخرى، فإننا سنجد أن الجينوم الخاص بنا شبيه بدرجة غريبة لجينومات هذه الكائنات. على سبيل المثال، يختلف جينوم الإنسان فقط بنسبة 1% تقريباً عن جينوم أقرب الأقارب لنا، وهو الشمبانزي.

ولكن لو نظرنا إلى عدد النسخ الموجودة من كل جين (وهو ما سوف يحدد عدد المرات التي يمكن من خلالها أن تعبر هذه الجينات عن نفسها بإنتاج البروتينات)، وكذلك إلى الطرق التي يتم من خلالها إدخال أو إزالة الجينات من الجينوم. 

بالإضافة إلى الوظائف الغامضة لعدد ضخم من قطع الـ "دنا" الغير حاملة للشفرة، فإننا سنجد أن الاختلافات بين جينوم الإنسان وجينوم الشمبانزي كبيرة.

 

ولهذه الإختلافات تاثيرات خفية ولكنها جوهرية في تطور وتشكيل أجسامنا بحيث تكون مختلفة عن أجسام الشمبانزي.

إن المعرفة بالجينوم ليست فقط كل ما هو مطلوب لفهم الخلية الحية. فالجينوم هو جزء واحد فقط من الصورة، وتفيدنا معرفته في حالة الخلايا الحية.

ولكن لو أردنا تكوين وصف شامل للخلية الحية، فإن علينا فهم كل أنواع البروتينات التي يتم بناؤها اعتماداً على المعلومات الموجودة بالجينوم – والتي يُطلق عليها عادةً "بروتيوم" (Proteome). لا بد لنا أن نفهم كيفية تركيب هذه البروتينات وكيفية تفاعلها مع بعضها البعض –

 

وهذا ما يُطلق عليه "إنتراكتوم (Interactome). كذلك فإن علينا فهم كل الجزيئات الأخرى بالخلية – ومن ضمنها الأغشية الدهنية المتجمعة ذاتياً، والعديد من جزيئات الـ "رنا" المختلفة، والسكريّات العديدة المتنوعة، بالإضافة إلى مخزون من الجزيئات الصغيرة والتي تتسابق فيما بين هذه الجزيئات الأكبر.

ومن خلال الدراسة العلمية المتأنية، فإنه من الممكن وضع كل هذه الأجزاء المتعددة من اللغز مع بعضها البعض، بما يمكننا من الحصول على وصفة كاملة لبناء خليّة حيّة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى