البيولوجيا وعلوم الحياة

خاصية التجدّد لدى الكائنات الحية

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

قدّم التجدّد نوعاً من التجربة الطبيعية. أي أن بعض الكائنات الحية قادرة على إصلاح أجسامها أو إعادة تنميتها بعد أن تُقطع أو تفقد أجزاء من جسمها.

شكّلت ديدان الأرض والمُستَورقات (Planarians)، وكلاهما متوافر بيسر وتسهل دراسته، كائنات الأبحاث المفضّلة.

في كانون الثاني/ يناير 1900، بدأ توماس هانت مورغان (Thomas Hunt Morgan) ، اشتُهر لاحقاً ببحثه الذي فاز بجائزة نوبل عن وراثيات ذبابة الفاكهة (Drosophila)، سلسلة من خمس محاضرات عن التجدّد في جامعة كولومبيا.

وفي سنة 1901 أوجز مورغان الأدبيات القائمة عن التجدّد في كتابه الدراسي حول هذا الموضوع. وفيه رفض بصورة قاطعة تفسير رو الفسيفسائي للتطوّر. في هذه المرحلة المهنية، كان مورغان من دعاة التخلّق المتوالي الملتزمين، وتفسيرات رو تحمل مسحة غير مبرّرة من التشكّل المسبق.

كانت دراسة أوغست وايزمان (August Weismann) المهمة عن "الجبلة الإنتاشية" (Germ Plasm) تتوافق مع تفسيرات رو. وقد بدأ ما أصبح يعرف باسم نظرية وايزمان رو (أو نظرية رو وايزمان وفقاً لرو) بالجبلة الإنتاشية الموروثة. توجد الجبلة الإنتاشية في نواة خلية البيضة وتكبر بنواة النطفة، وهي تتكوّن من الصبغيات.

وقد اتفق وايزمان ورو على أن الصبغيات تحمل المحدّدات الموروثة، وتسهم كل منها في تحديد خاصية في الكائن النامي. من السهل جداً استنتاج الكثير من هذه النظرية وتفسير هذه المحدّدات باعتبارها ما نعرفه باسم الجينات. لكنها ليست جينات.

 

فقد اشتملت نظرية وايزمان المعقّدة على هرمية من الجسيمات المادية الموروثة المختلفة التي تتنافس فيما بينها مدفوعة بالانتقاء الطبيعي بين الأجزاء، أو "معركة على الأجزاء". ووفقاً لهذا الرأي تتنافس هذه الجسيمات الموروثة في الجبلة الإنتاشية فيما بينها ثم توجّه عبر عملية التطوّر والتمايز لتحديد التفاصيل التي سيحصل عليها الكائن الحيّ: ما الأنماط على جناح فراشة على سبيل المثال، أو ما لون شيء ما.

خصّص وايزمان قسماً من كتابه للتجدّد، ورأى أن العملية تحدث في بعض الكائنات الحية، مثل ديدان الأرض أو السرطانات، بسبب التكيّفات التطوّرية للصراع على الوجود. وغالباً تشهد هذه الكائنات الحيّة ضرراً يمكن أن يكون كارثياً إذا لم يتم إصلاحه.

ونتيجة لذلك، طوّرت مع الوقت القدرة على تجديد الأجزاء المهمة التي هي معرّضة لفقدها. ورأى وايزمان، ووافقه رو، أن ذلك يحدث بسبب الأيديوبلازما (idioplasm) الاحتياطية أو مجموعة من المحدّدات الاحتياطية لهذه الأجزاء. كل شيء يمكن تفسيره من خلال الجسيمات الموروثة في الجبلة الإنتاشية. غير أن مورغان رأى أن نظريتهما فرضية لا سند لها وأنها تتوافق مع التشكّل المسبق. ووجد أن التفسير غير مبرّر في الحالتين.

كتب مورغان عن الممارسة العلمية الملائمة أن "التقدم يتوقّف عندما نترك الأسلوب التحليلي ونحاول وضع نظريات رعناء تتذرّع بتفسير عملية معقّدة من دون محاولة تحليل العملية نفسها إلى عوامل.

وفي اعتقادي أن هذه هي الحال في محاولة تفسير عملية التجدّد بنظرية عن بذور وهمية مسبقة التشكّل. وكل نظرية من هذا النوع ما هي إلا ذريعة؛ وهم يحل محل فرضية يمكن إثباتها، والعملية التي شرعنا بدراستها تفسّر بالقول إن هناك ‘بذوراً’ موجودة وضعت جانباً للتوصّل إلى النتيجة".

بدلاً من مثل هذا التخمين الذي لا مبرّر، دعا مورغان إلى التفسير من خلال تفاعلات فيزيائية أو كيميائية بسيطة. تعمل "العلاقات الداخلية" للأجزاء داخل الكائن الحي بأكمله على تنظيم الأجزاء وإعادة توجيهها كما يلزم.

 

وكان تفسير مورغان قريباً جداً من تفسير صديقه دريتش، في أنه يتيح المجال لكثير من التنظيم استجابة للظروف البيئية المتغيّرة ويرفض احتمال الوراثة الحتمية المتعنتة. ورأى مورغان أن التطوّر لا يوجّه بجسيمات موروثة مرتبّة إلى جانب الصبغيات وإنما يحدث من خلال تفاعلات فيزيائية وكيميائية. فالوراثة ليست مجرّد نقل وحدات مادية تحدّد ما يتبع بعد ذلك، وإنما سلسلة من ردود الأفعال والتفاعلات الخاصة بالكائن بأكمله.

من المهم إدراك أن هذا التفسير منطقي، وكان علماً صالحاً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. بل إن رؤية مؤسس علم الوراثة الحديث لأهمية دور التنظيم والتمايز بالتخلّق المتوالي التدريجي بدلاً من التطوّر الموروث المسبق التشكّل والمسبق البرمجة تخبرنا الكثير عن ذلك الوقت. وتفيد أيضاً بمثابة تنبيه لنا كي لا نقنع اليوم بالاعتقاد بأن لدينا جميع الإجابات عن التطوّر أو أي مشكلة علمية أخرى.

التقدّم يحدث، والأشياء تتغيّر، ونتعلّم أكثر، وأحياناً يتحدّى ما نتعلّمه آراءنا القديمة التي نعتزّ بها. وغالباً ما تبقى الأسئلة المألوفة مع أنها تأخذ معاني جديدة أو تفسيرات جديدة. إن المناقشات بشأن الخلايا الجذعية اليوم تقودنا إلى الأسئلة الأساسية نفسها التي طرحها مورغان، إذ لا بد من حدوث نوع من العملية التجديدية لكي تصبح الخلايا الجذعية كائنات حيّة كاملة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى