إسلاميات

حُكم وقواعد تطبيق مبدأ الشورى وأسباب إقامة مجالسه

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مبدأ الشورى قواعد تطبيق مبدأ الشورى حُكم مبدأ الشورى أسباب إقامة مجالس الشورى إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

إنَّ مَبْدَأَ الشُّورَى من المَبادِئِ الّتي اهْتَمَّتْ بها الشَّريعَةُ الإسْلامِيَّةُ، وحَرَصَتْ عَلَى تَاْكيدِها والدَّعْوَةِ إليها، وإلزامِ المُسْلِمينَ بِها، فَلا يَعْمَلونَ عَمَلاً، ولا يَهُمُّونَ بِأَمْرٍ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَشاوَروا فيما بَيْنَهم.

فَفي ذَلِكَ قُوَّةُ الجَمَاعَةِ، وتَرَابُطُ أَفْرادِ الأُمَّةِ الإسْلاميَّةِ. والشُّورَى أَساسُ الحُكْمِ السَّليمِ ودَعامَةٌ من دَعَائِمِ الحُكْمِ الإسْلامِيِّ.

والشُّورَى تُؤَدِّي إلى اسْتِخْراجِ الصَّوابِ بَعْدَ التَّعَرُّفِ علَى آراءِ الآخرين.

وهي تُعَدُّ سبيلاً إلى مَعْرِفَةِ الرَّأْيِ الرَّاجِحِ والّذي يَجِبُ اتِّباعُهُ. والشُّورَى أَصْلٌ من أُصولِ التَّشْريعِ الإسْلامِيِّ، إذْ بها يَنْعَقِدُ الإِجْمَاعُ، فلا إِجْماعَ بِغَيْرِ شُورَى.

 

وقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعالَى بالشُّورَى في آيتيْن كريمَتَيْن، هما قوله تعالى(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159).

وقوله جل شأنه (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشورى:38).

وتَأْكيدًا لِمَبْدَأِ الشُّورَى وترْسيخًا لدَعائِمه، كانَ رَسولُ اللهِ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، لا يَتَرَدَّدُ في مُشَاوَرَةِ أَصْحابِهِ فِي مُخْتَلِفِ شُؤونِ الحَياةِ، وسَارَ علَى هَذا النَّهْجِ كَذَلِكَ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ.

 

والشُّورَى لا تُنَقِّصُ منْ قَدْرِ المُسْتَشِيرِ، مَهْمَا كان عظيمًا وحكيمًا. قال الشَّاعِرُ:

إذا بَلَغَ الرأيُ المَشورَةَ فاستَعِن

                                                            بِعَزْمِ نَصيحٍ أو مَشورَةِ حازِمِ

ولا تَحْسَبِ الشُّورَى عَليكَ غَضاضَةً 

                                                              فإنَّ الخَوافي قوَّةٌ للقَوادِمِ

فالشَّاعِرُ يُنَبِّهُنا إلى أنَّ ريشاتِ جَنَاحِ الطائرِ الضِّعَافض القِصارَ تزيدُ الريشاتِ الطِّوالَ الّتي في مُقَدِّمَتِه قُوَّةً، وتُعينُها على دَفْع الطائرِ في الهواءِ.

 

حُكْمُ الشُّورَى: ذَهَبَ العُلَماءُ في حُكْمِ عَرْضِ الحاكِمِ للمَسائِلِ الاجْتِهادِيَّةِ علَى أَهْلِ الشُّورَى مَذْهَبَيْن:

1-النَّدْبُ (أيْ الاسْتِحسانُ): ذهبَ بعضُ العُلماءِ إلَى أنَّ عَرْضَ الحَاكِمِ المَسائِلَ الاجتِهَادِيَّةَ علَى أَهْلِ الشُّورَى مَنْدُوبٌ، وذَلِكَ للأسبابِ الآتية:

 

أ‌- لأنَّ هذَا الأَمْرَ مِنْ قَبيلِ تَطْيِيبِ النُّفوسِ وإرضائِها.

 

ب‌- لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ المُسْتَشِيرَ مُعَانٌ، والمُسْتَشارَ مُؤْتَمَنٌ». فلو كانَتْ الشُّورَى واجِبَةً لجاءَ الحديثُ بأُسْلوبِ الإلْزامِ.

 

ج- لأنَّ النبيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ غَنِيًّا عن المُشَاوَرَةِ، ولكنَّه أَرَادَ أنْ يَسْتَنَّ   الحُكَّامُ بذلك بَعْدَه، وأنْ يُظْهِرَ احتِرامَهُ لآراءِ صحابَتَهِ.

 

2- الوجوب: ذَهَبَ جُمْهورُ العُلَماءِ إلَى أنَّ عَرْضَ الحاكِمِ للمَسائِلِ الاجْتِهَادِيَّةِ علَى أَهْلِ الشُّورَى وَاجِبٌ.

ويَسْتَدِلُّ أَصْحَابُ المَذْهَبِ عَلَى ذَلِكَ بالأَدِلَّةِ الآتيةِ:

 

أ- لأنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى أَمَرَ رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأَنْ يُشَاوِرَ أصْحابَه في شُؤونِ الحياةِ. والأَمْرُ يَقْتَضِي الوُجوبَ، فالشُّورَى وَاجِبَةٌ علَى النَّبِيِّ وعَلَى الحُكَّامِ مِنْ بَعْدِهِ.

 

ب-  لأنَّ اللهَ مَدَحَ المُؤمِنينَ لأنَّهُمْ يَجْعلون أَمْرَهُم شُورَى بَيْنَهُم، فإنَّ تَرْكَ الشُّورَى يَقْتَضِي الذَّمَّ والعِقابَ.

 

ج- لأنَّ اللهَ سُبْحانَهُ وتَعالَى قَرَنَ الشُّورَى بإقامَةِ الصَّلاَةِ.

 

د- لأنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ تُؤَكِّدُ هَذا الوُجوبَ وتُثَبِّتُهُ.

 

سَبَبُ الشُّورَى: شُرِعَتْ الشُّورَى في الشَّريعَةِ الإسْلامِيَّةِ لأنَّ المُسْتَشَارَ قَدْ يُنَبِّهُ المُسْتَشيرَ لِمَا يَغْفَلُ عَنْه، ويَدُلُّهُ مِنْ الأخْبارِ عَلَى مالَعَلَّهُ يَجْهَلُهُ، وقَدْ يُذَكِّرُهُ بِما نَسِيَهُ لأنَّ الإحاطَةَ بجَميعِ العُلومِ مُتَعَذِّرَةٌ.

 

مَبدأُ الشُّورَى: قَرَّرَتْ الشَّريعَةُ الإسْلامِيَّةُ مَبْدَأُ الشُّورَى وجَعَلَتْها دَعَامَةً من دَعائِمِ الحُكْمِ السِّياسِيَّةِ، وأَمَرَتْ المُسْلِمينَ أَنْ يَعْمَلُوا بِها في شُؤونِهِمْ وشُؤونِ دَوْلَتِهم. وكذلك لأَّن تَقْريرَ مَبْدَأِ الشُّورَى يُؤَدِّي إلى رَفْعِ مُسْتَوَى الجَماعَةِ وحَمْلِهِمْ علَى التَّفْكيرِ في المَسائِلِ العامَّةِ بِطَريقٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ. فَمَبْدَأُ الشُّورَى مُقَرَّرٌ لِتَكْميلِ الشَّريعَةِ، ولِتَوجِيهِ الجَماعَةِ، ورَفْعِ مُسْتَواهَا.

وقَدْ تَرَكَتْ الشَّريعَةُ تَفْصيلَ الشُّورَى وتَحدِيدَهَا وتَنْظيمَها لِلْمُسْلِمينَ لتَغْدُوَ مَبْدَأً مَرِنًا يَتَّفِقُ مَعَ ظُروفِ كُلِّ مُجْتَمَعٍ، وتُصْبِحُ نِظامًا مُلْزِمًا واضِحًا يُناسِبُ مَصْلَحَةَ جَميعِ الأُمَمِ والشُّعوبِ.

 

فَمَبْدَأُ الشُّورَى ثَابِتٌ دائِمٌ، ولا رَأْيَ لأَحَدٍ فيهِ، ولا تَمْلِكُ الأُمَّةُ تَغْييرَهُ لأنَّهُ تَشْريعٌ دَائِمٌ، ولَكِنَّ الشَّكْلَ مُتَغَيِّرٌ مُتَطَوِّرٌ.

وتَسْتَطيعُ الأُمَّةُ أَنْ تُغَيِّرَهُ وتُطَوِّرَهُ بِرَأْي ذَوِي العِلْمِ والخِبْرَةِ. ومِنْ ثَمَّ يَجوزُ للمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْشِئُوا مَجَالِسَ نِيَابِيَّةً أَوْ اسْتِشارِيَّةً، بِجانِبِ وَلِيِّ الأَمْرِ، تَشُدُّ مِنْ أَزْرِهِ وتَدْعَمُ أَرْكَانَ الحُكْمِ.

 

قَواعِدُ تَطبيقِ الشُّورَى: إذَا كانَتْ الشَّريعَةُ الإسْلامِيَّةُ تَرَكَتْ تَفْصِيلَ الشُّورَى لِيَتَّفِقَ مَعَ ظُروفِ كُلِّ دَوْلَةٍ، فإنَّها بَيَّنَتْ القَواعِدَ الأسَاسِيَّةَ الخَاصَّةَ بِتَطْبيقِ مَبْدَأِ الشُّورَى وتَنْفيذِه.

وهذه القواعِدُ هي:

1-إلزَامُ الكُلِّ بِرَأْي الأَغْلَبِيَّةِ.

2- لا مُناقَشَةَ بَعْدَ الانْتِهاءِ مِن الشُّورَى.

 

مَجالِسُ الشُّورَى: قَدْ تَكونُ الشُّورَى مِنْ أَحَدِ الأَفْرادِ، وقَدْ تَكُونُ مِنْ رَئِيسِ الدَّوْلَةِ. ويَرَى بَعْضُ الباحِثينَ أَنَّهُ وُجِدَ مَجْلِسُ الشُّورَى في عَصْرِ الرَّسولِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعَصْرِ الخُلفاءِ الرَّشِدينَ. والأَسْبَابُ الّتي دَعَتْ إلى وُجودِ المَجْلِسِ هي:

 

1-أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَخْتَصُّ بِسِياسَةِ الدَّوْلَةِ والتَّشْريعِ لا يُمْكِنُ أَنْ يُطْرَحَ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً.

2-لأنَّ الأمَّةَ لا تَسْتَطيعُ بِمَجْموعِها مُمَارَسَةَ اخْتِصاصَاتِ مَجْلِسِ الشُّورَى.

 

3-لأنَّ الأَمْرَ لا يكونُ شُورَى إلاَّ بِهذِهِ الجَمَاعَةِ المَعْنِيَّةِ.

4-لأنَّ وُجوبَ الأَمْرِ بالمَعْروفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ يُحَتِّمُ علَى الأُمَّةِ انتِخَابَ هَذِه المَجالِسِ.

 

5-لأنَّ وُجوبَ طَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ يُلْزِمُ المُجْتَمَعَ بالإِشْرافِ عَلَى الحُكومَةِ عَنْ طريقِ مَجْلِسِ الشُّورَى.

6-أنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ أَكَّدَتْ الحاجَةَ إلَى هذَا المَجْلِسِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى