الطب

جهود علمية واسعة لابتكار طرق عديدة لعلاج مرضى السل

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

مرضى السل الطب

غير أن قضية السل سجلت منعطفاً حاسماً حين طلع "روبرت كوخ" الألماني عام 1882م باكتشاف سر السل، وهي عصيات صغيرة عنيدة، وقد كان هذا بالتحديد في يوم الرابع والشعرين من شهر مارس من عام 1882م.

كان عمر "كوخ" في ذلك الوقت تسعة وثلاثين عاماً حين طلع على الناس بعد مائتين وسبعين مرة من التجارب والفشل مدة ثمانية أشهر، فإذا به يلتقي بأخطر ميكروب عنيد في محاولته مائتان وإحدى وسبعين في مستشفى الخيري ببرلين، مؤكداً أنه قد عثر على سبب داء الدرن مما استحق عليه جائزة نوبل عام 1905م.

ثم توالت الضربات القاضية والتي بدأها "كوخ" بمحاولة ابتكار خلاصة الميكروب الذي سماه "تيوبيركيولين" عام 1890م قناعة منه بأنه اكتشف العلاج، لكنه لم يكن بعلاج ولم يحالفه النجاح في هذه الخطوة، ولكنها كانت على أي حال خطوة سار على هديها الأطباء من بعده في استحداث اختبار للكشف عن الإصابة بالسل.

فجاء طبيب أطفال نمساوي عام 1907م يدعونه "بيركويه" باختبار "التيوبيركيولين" عن طريق وضعه على خدوش يفتعلها في الجلد، ويضع عليها هذه المادة المستخلصة، لهذا عرف هذا الاختبار باسم اختبار "بيركيه". 

ثم جاء من بعده بعام واحد طبيب فرنسي، ليطور هذا الاختبار على صورة حقنة صغيرة في الجلد سميت باختبار مانتو نسبة إلى اسم الطبيب "مانتو" الذي استحدثها.

طبعاً لن نغفل "لويس باستور" العالم الفرنسي ولا ابتكاره لطريقة بسترة الحليب التي كان الهدف الأساسي منها هو قتل ميكروبات السل وتعقيم الحليب وتطهيره منها.

 

كما لن نهضم فضل "رونتجن" الألماني مكتشف الأشعة السينية، الذي فتح الطريق واسعاً أمام الأطباء بفضل ابتكاره هذا في الكشف على الإصابات السلية في الصدر، وهي التي تشكل 85 بالمائة من نسبة الإصابات في الجسم.

 

غير أن منعطفاً آخر في طريق القضاء على السل يتوجب تسجيله هنا، هو منعطف الوقاية من الداء بفضل ابتكار التطعيم ضد السل مما أطلقوا عليه اسم "بي سي جي B.C.G" نسبة إلى العالمين الفرنسيين "كالميت وجيرين" Calmette and Guerin، فقد اقتبسوا الحرف الأول من الأسمين وهما سي وجي وأضافوهاإلى الحرف الأول من كلمة باسيل فصارت "بي سي جي.  B.C.G

لقد تم هذا في معهد باستير بفرنسا عام 1921، عندما زرعا الميكروب الضاري على قطعة من البطاطس، مشبعة بمحلول الصفراء الممزوج بالجليسرين عدة مرات وصل تعدادها إلى ثلاث وعشرين مرة فإذا به قد فقد ضراوته وأصبح ميكروباً مسالماً لا خطر منه، ولكنه لا زال مكتسباً لقدرته على إثارة المناعة في الجسم.

 

ومناعة الأجسام ضد السل مناعة متميزة، حيث إن الجسم يبقى منيعا ضد أي عدوى خارجية طالما كان فيه بؤرة مرضية سابقة، مما يعرف عند الأطباء بالإنجليزية باسم Premunition مما أعلنه عام 1912م طبيب نمساوي اسمه "أنطوان غون Ghon"، فسميت البؤرة المرضية الأولى المانعة للعدوى باسمه بؤرة "غون" Ghonfoas وهي بؤرة مرضية حقاً ولكنها مفيدة.

 

لهذا كانت حقنة "B.C.G البي سي جي" هي محاكاة لبؤرة غون، وقد استبدل بالميكروب الضاري الميكروب المروض غير أن "البي سي جي" هذا لم يكن طريقة ممهداً في بداية الأمر؛ بل أصابته نكسات كادت تقضي عليه منها التي عرفته بمأساة "لوبيك".

فيما بين نهاية عام 1929 وحتى إبريل من العام التالي حيث طعموا مائتين واثنين وخمسين طفلاً بلقاح "البي سي جي" فإذا بالموت العاصف يجتاح واحد وسبعين منهم فيما وقع سبعة وعشرون في براثن المرض غير أن التحقيق قد أثبت إهمالاً في مختبر "لوبيك" نفسه حيث اختلطت الميكروبات الضاربة بميكروبات "البي سي جي" المروضة، ولم يكن السبب في هذا هو التطعيم ذاته، ثم تسلسلت الأحداث من ابتكار العلاج للمرض الذي نأمل له أن يموت كما مات الجدري.

وحديث السل لن يكتمل إذا لم نعرض لمعركة الأسماء فيما بين السل والدرن، إذ إن الإغريق الذين كانوا على قناعة تامة بأن السل هو جفاف وتيبس، يصيب أعضاء الجسم، سموه لهذا فثيسز (Phithesis) وكانوا يعتقدون في السل أنه أنواع ثلاثة ليس غير فإما أن يصيب البنكرياس أو إنه يصيب الكبد أو يصيب الرئتين.

 

وقد ثبت فيما بعد أن ما ظنوه سل البنكرياس ما هو إلا مرض الملاريا، فيما ثبت إن ما اعتقدوه سل الكبد ما هو إلا إصابة بالدسنتاريا الأميبية، أما سل الرئة فقد جاء طبيب يدعونه سيلفيس من مدينة "ليدن" Leyden الهولندية في القرن السابع عشر.

وقام على تشريح الرئات المريضة، فوجد فيها بؤرة المرض على هيئة درنات البطاطس، لهذا سمى البؤرة منها درنة مما دفع بالدكتور "شوفلين" Johar Scho Lein عام 1839 إلى تسميته بمرض الدرن من بعد نسبته إلى هذه الدرنات ولكن أحدهم في مطلع هذا القرن أعطاه اسماً بديلاً لهذا كله، مستوحياً الاسم من واقع حال المريض وهو اسم الداء المهلك Consumption  غير أن هذا الاسم لم يلق رواجاً، وعاد الناس يتبادلون اسم الدرن واسم السل، وما هي إلا أسماء لواقع واحد.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى