البيولوجيا وعلوم الحياة

تفسير سبب الإبتعاد عن تطبيق سياسة تحسين النسل

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

من المفيد أن نلحظ أن الولايات المتحدة ابتعدت عن القوة القانونية لتحسين النسل لأسباب سياسية أكثر مما ابتعدت عنها لأسباب علمية. لا شك أن الوعي تزايد بشأن صعوبة إثبات ما يعدّ "قصوراً عقلياً" أو "عيباً"، وتلك حجة علمية. وكان هناك أيضاً وعي متزايد، مع مجيء الحرب العالمية الثانية، بأن النازيين يحاولون تبرير أعمالهم السياسية بتعليل تحسين النسل الخاص "بالصحة العرقية" وأن على الأميركيين ألا يتغاضوا عن ذلك. وهذه حجة سياسية، وثمة تحوّلات اجتماعية وأخلاقية أيضاً.

في حين أن الأميركيين في أوائل القرن العشرين اعتمدوا اللوائح وتدابير الصحة العامة، فإنهم بدؤوا في أعقاب الحرب العالمية الثانية يهتمّون اهتماماً أكبر بالحريات الفردية والحقوق المدنية.

لقد حاججنا في أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية أن حماية حقوق الفرد و"جعل العالم آمناً من أجل الديمقراطية" هما السبب الذي دفعنا للقتال، كما أن الازدهار المتزايد في السنين التي تلت الحربين حوّل الاهتمام نحو ما يمكن أن يكسبه الأفراد.

ظلّت الصحة العامة مجالاً للاهتمام بطبيعة الحال. واستمر النظر إلى برامج التلقيح والفحص الطبي للمقبلين على الزواج باعتبارها سياسة سليمة. لكن البلد على العموم كان ينتقل نحو ليبرالية كلاسيكية تتركّز على الحقوق والأفراد. وتم التشديد على جهود الصحة العامة لحماية الأفراد، في حين أن السياسات العامة مثل الحجر الصحي والقوانين التي تحظر البصق على الطرقات فقدت حظوتها.

 

بدلاً من تصميم برامج تحسين للنسل من أجل تحسين السكان، بدأنا نسأل كيف نحسّن صحة ووراثة الفرد الوليد– أطفالنا نحن. وهكذا فإن دليل الدكتور سبوك (Spock) للوالدين لتربية الأطفال، بالإضافة إلى حملات الترويج لموازنة الفئات الغذائية، والتدابير السابقة للولادة للأمهات، والتعامل مع مزيد من الإجراءات باعتبارها معالجة طبية، بما في ذلك الولادة، أخذت تعزّز ولادة أطفال أصحّاء والأسر السعيدة.

قبل الحرب العالمية الثانية، كان مزيد من الأمهات، حتى في الولايات المتحدة، يلدن في البيت بدلاً من المستشفيات. وذلك يرجع إلى التكلفة من جهة، وإلى أنه كان يبدو من الطبيعي القيام بذلك من جهة أخرى.

لكن الازدهار والتقدّم بعد الحرب نقلا الولادة بسرعة إلى المستشفيات. وضَمِن الإصحاح والتعقيم [التطهير من الجراثيم] والتقنيات الأكثر تقدّماً صحة المواليد الجدد – لمزيد من الطبقات العاملة والمتوسطة والعليا على الأقل.

كانت الحياة صالحة، وفي وسعنا إنتاج حياة صالحة لأسرنا ولأنفسنا. وأحدث "إضفاء العلاج الطبي" و"إضفاء المهنية" اللذان جعلا التقدّم ممكناً في الظاهر تحوّلاً مهماً نحو الاعتماد على الخبرة، ونحو المقولات التي تؤيّد حق الوصول إلى الخبرة، حتى على نفقة الحكومة.

في أوائل القرن العشرين، تأمّل الطبيب والشاعر والقاصّ وليام كارلوس وليامز (William Carlos Williams) في الاتجاه نحو الاعتماد على الخبراء لحل مشاكلنا، وبخاصة في الطبّ. وقد أبدى قلقاً بشأن ذلك، لكنه لم يحاول منعه.

وكتب عن "فتاة" صغيرة فقيرة في المستشفى في أثناء الكساد، مفكّراً في ما يستطيع الطبّ أن يفعله ويجب أن يفعله لهذه الطفلة الصغيرة. كان في وسعه أن يشفيها ويرسلها إلى الفقر وسوء التغذية، إلى أم لا تريد أن ترعى ابنتها ولا تملك القدرة على ذلك.

 

في النهاية لم تتعاف الصغيرة جان بيك (Jean Beicke) جيداً، مع أن الأطبّاء بذلوا ما في وسعهم. كشف تشريح الجثّة الأسباب الباثولوجية لفشلهم، بدا من الواضح أن وليامز كان يريد شفاءها حقاً في النهاية. أراد على الأقل شفاءها، لكنه عرف أنه لا يستطيع علاج المشاكل الاجتماعية الكامنة مثلما يستطيع علاج المشاكل الطبية.

في قصّة "ليلة في يونيو"، نظر وليامز في مقدار صحّة الطبّ. كانت إحدى مريضاته تضع طفلها التاسع، في البيت، ونام وليامز في أثناء الانتظار. بدأ يناقش نفسه. ما مقدار صحة العلم، وكم يجب أن يدع الطبيب الطبيعة تأخذ مجراها – في هذه الحالة ترك الأم تقوم بعملها.

أوضح وليامز أنه يمكننا أن نعرف الكثير عن العلم والطبّ، لكن يجب أن نعمل بجهد أكبر لنكتشف كيف ومتى نستخدمه. اشتكى من أننا – قبل الستينات بكثير عندما نشر قصصه التي كتبها في العقود السابقة – أصبحنا نعتمد كثيراً على العلم، وغالباً ما نترك الإنسانية خلفنا. "حلمت أن العلم احتشد في المسرح أكثر من اللزوم".

 

الحياة الجيدة لا يمكن أن تأتي من العلم وحده. مع ذلك من دون العلم يمكن أن تقع أخطاء، كما يعرف الطبيب جيداً. كان الطفل الأول للمرأة "ولادة صعبة بالملقط وفقدتُ الطفل، ما أثار اشمئزازي، مع أنه يجب ألا ألوم نفسي كثيراً إذ لم يكن هناك ممرّضة، أو طبيب تخدير، أو حتى ما يكفي من الماء الساخن في المكان".

لا شك في أن التوتّر قائم بين ما يسمى نقاوة العلم وموضوعيته والدور السياسي والاجتماعي للخبرة في تسليم "السلع" إلى الأناس الحقيقيين. وقد جاء ذلك التوتّر مع ضغوط لتوليد معرفة جديدة وتطبيقها لحل مزيد من المشاكل الطبية.

ولا تزال الشروط التي يمكن بموجبها الوصول إلى المنافع الناتجة، ومن يجب أن يكون لديه الحقّ في ذلك، مسائل خاضعة لكثير من النقاش. وتمارس ضغوط مختلفة عندما تموّل البحوث بأموال عامة أو خاصة، أو بائتلاف من الاثنين، كما هي الحال الأكثر شيوعاً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى