إسلاميات

تعريف”الحجر الأسود” وأهميته الدينية

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الحجر الأسود إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

في رُكْنٍ مِن أركانِ الكَعبةِ الأربعةِ، وعلى ارتفاع 150 سنتيمتراً من الأرض، يستقرُّ حجرُ يميلُ لونُهُ للسوادِ، يُحيطُ بهِ طوقٌ من الفضةِ السميكة.. هذا الحجرُ هوَ «الحجرُ الأسودُ»، ويُسمّى أيضاً «الرُكْن».

والحَجَرُ الأسودُ اليوم ثماني قِطع صَغيرةٍ منَ الحجارةِ، مجموعة وممسوكة بإطارٍ من الفضةِ، وعُمقها في البناءِ حوالي ذراعٍ، أيّ 46 سنتيمتراً تقريباً.

وزُوّارُ الكعبةِ من حُجّاجٍ ومعتمرينَ، يُحيّون المسجد الحرام بالطّوافِ حَوْلَ الكَعبةِ سَبْعَ مرّاتٍ، ونُقطةُ البدايةِ دائماً هيَ الحَجَرُ الأسْودُ، بمعُنى أنّ الطّائَفَ حوْلَ الكَعْبةِ إذا بدأ من نُقطةٍ غيْرَ الحَجَر لا تُحتَسَبُ دورَتَهُ هذِه.

 

ومنَ الّسنةِ استلام الحجرِ الأسودِ، ومعنى  استِلامِهِ مَسْحَهُ باليدِ، وتقبيلَهُ قُبلةً لا يَظَهرُ لها صوتُ، ومَنْ لمْ يَستطِعْ تقبيلَهُ بسببِ الزحامِ يكفيهِ مسحهُ بيدهِ، ثم يُقبُّلُ يدَهُ بعدَ مسحِهِ، ومَنْ لمْ يستطعْ يكفيهِ الإشارةُ إليهِ.

ولِلحجرِ الأسودِ تاريخٌ عريقٌ، ومقدّسٌ، وينسبُهُ المسلونَ للعالَم العُلويّ الغيْبيّ؛ فهُوَ عندَهُم منْ أحجارِ الجنةِ، وصحّ الحديثُ النبويُّ أنهُ ياقوتةُ مين يواقِيتِها.

ويُروى أنّ أبا البَشريّةِ آدمَ عليهِ السلام، لمّا هَبَط منَ الجَنّنةِ إلى الأرضِ، شَعَرَ بوحشةٍ، واعتْراهُ شَوْقُ شَديدُ إلى الجنّةِ، فشَكا إلى الله عزَّ وجلّ، فأنزَلَ اللهُ لهُ هذا الحجَرَ ، كأثرٍ من آثارِ الجنَةِ يُذكّرُهُ بها.

 

ولمّا عمّ الطوفانُ الأرضَ في زَمن سَيّدِنا نُوح عَليْهِ السلامُ، حفِظَ اللهُ سُبحانهُ وتعالى هذا الحَجَرَ ، واستودعهُ أحدَ جبالِ مكّةَ المشهورةِ، وهو جبلُ «أبي قُبَيْسٍ.

وعندما رَفَع سيّدُنا إبراهيم، ومعهُ ولدُهُ سيّدنا اسماعيلً عليهما السّلامُ قواعِدَ الكعْبةِ، ووصَل البناءُ إلى موضعِ الحَجرِ، أمر إبراهيمُ ولَدَهُ إسماعيلَ أن يأتيَهُ بحَجَرٍ ليَضَعَهُ علامةً للناس على بدْءِ الطّواف، فأحضرَ جبريلُ الحَجَرَ الأسودَ منْ موْطِنِهِ أبي قُبيْس، فوضعهُ إبراهيمُ في مكانِهِ.

ومنْ أشهرِ أحاديثِ الحجَر الأسودَ، أن قُريشاً أعادتْ بناءَ الكعبةِ قبل بعثَةِ النَبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم بخمسِ سنينَ، فلمّا ارتفع َ البناءً إلى مَوضعِ الحجرِ اخْتَصَمتْ قبائِلُ قُريْش؛ كُلها تريدُ أن تنالَ شَرفَ رفْعَ الحَجَرِ إلى موْضِعِهِ، حتى كادُوا يقتَتَلون.

 

فقالَ أبو أميّة ابنُ المغيرةِ المّخزومي: يا معشرَ قُريْش، إجعلوا بينكُم فيما تَختَلفونَ فيهِ أولَ منْ يدخُل من بابِ المسجدِ( وهو البابُ الذي يُسمّى الآنّ بابَ السّلام)، فارتضوا هذهِ المشورةَ؛ فكان أولَ داخِلٍ عليْهم رسولُ اللهِ ، صلّى اللّهُ عليه وسلّم فلمّا رأوْهُ قالوا : هذا الأمينُ، رَضينا، هذا مُحمّدٌ.

فلما انتهى إليهم وأخبْروهْ الخَبَر طَلَب ثَوْباً، فأخَذَ الحَجَر وَوضعهُ في الثّوبِ بيّدِهِ الشّريفةِ، ثم قال: لتأخذْ كلُّ قبيلةٍ بناحيةٍ منَ الثوْبِ، ثم ارفعوهُ جميعاً، ومثّلَ كلَّ قبيلةٍ رجلٌ منْ رجالِها، فرفعوهُ حتى بَلَغَ مَوضعهُ، فتناوله عليه الصلاة والسلام بيده الشّريفة، ثم وَضَعَهُ في مكانِهِ.

وفي سنة 64 هــ أعاد عبدالله بن الزُبيْر بناء ِ الكَعبةِ، وظهرَ التنافُسُ بين الناسِ أيضاً في وضْعِ الحجرَ الأسودَ موضعهُ، وخافَ حمزةُ بن عبد اللهِ ابن الزّبير أن يقعَ الخلافُ بين قبائلِ قريشٍ، فدخل المسجد الحرام والناسُ في صلاةِ جماعةِ يؤمّهم والدُه، واغتنمَ فرصةَ انشغالهمْ بالصًلاةِ، فرفع الحجرَ ووضعهُ في مكانِهِ الذي هوَ فيهِ الآن.

 

وفي سنة 189 ه، أحكم هارون الرشيدُ تثبيتَ الحجَرَ في مكانِهِ . ومن الحوادثِ الحَزينةِ التي مرّتْ بتاريخ الحَجَر الأسود، ما فَعَلَهُ القرامطةُ بهِ؛ فقدْ اقتلَعوهُ من مَكانِهِ سنة 317 ه، ونقلوهُ إلى «هَجَر» وبقيَ في حَوْزَتهم 22 عاماً، حتّى أعادوهُ يومَ النَّحرِ (عيد الأضحى) سنة 339ه.

وتعظيمُ الحَجَرِ الأسودِ، ليسِ لذاتِهِ، إنّما نُعّظمُّهُ طاعةَ لأمرِ اللهِ عزَّ وجل. فإذا كنا نُعظمُ هذا الحجر بالاستلام، ففي الحَج أحجارٌ أخرى نرجُمُها تُسمّى «الجَمَرات» وهذا وذاك خُضوعٌ وتسليمٌ وعبادةُ لله وحدَه.

 

ولذلكَ فإنّ عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه، بعد ما قبّل الحجر الأسود قال: «إني أعلمُ أنكَ حجرٌ لا تضرُّ ولا تنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقبّلُكَ ما قبّلتُكَ» ثم قال. «رأيتُ رسولَ الله صلّى اللّهُ عليهِ وسلّم فَعلَ مثلَ ذلك».

وتنبيهُ آخرَ لا بُدّ منه، هو عَدَمُ التّزاحُم المؤذي لاستلام الحجرِ إذا كانَ أحدُنا يطوفُ تطوعاً أو لحجٍ أو لعمرةٍ، فقد قرّرَ الفُقَهاءُ أن الاستلام سُنّةٌ، وتَرْكُ الإيذاءِ واجبٌ، فالإتيانُ بالواجبِ أولى.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى