البيولوجيا وعلوم الحياة

تطور علم الوِرَاثَةٌ عبر الزمن

2004 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الوِرَاثَةٌ البيولوجيا وعلوم الحياة

منذُ القدم والإنسانُ مشغولٌ بكيفيةِ توريثِ الصِّفاتِ من جيلٍ إلى جيلٍ في الكائناتِ الحَيَّةِ.

فقدْ أوضحتْ نقوشُ البابليينَ على الأحْجارِ، والَّتي ترجِعُ إلى نحوِ 4000 عامٍ قبلَ الميلادِ، توريثَ بعضِ صفاتِ الحِصانِ عبرَ خَمْسةِ أجيالٍ.

كما أوْضَحتْ بعضُ الآثارِ في الصِّينِ في الفَتْرةِ نفسِها نجاح الصِّينيينَ في الحصولِ على مَحْصولِ أرزٍّ ذِيْ صِفاتٍ أَفْضَلَ من خِلال التَّهجينِ.

 

وتُعْتَبَرُ نتائجُ التَجارِبِ الّتي أَجْراها القسُّ النّمساويُّ جريجورُ مندل (1822-1894) على نباتِ البازّلاءِ بِمَثابَةِ الأساسِ لعلمِ الوراثةِ الحَديثةِ.

فقدْ تناولَ سبعةَ أزواجٍ من الصِّفَاتِ في هذا النّباتِ ودَرَسَ كلِّ زَوْجٍ مُتباينٍ منها على حِدَةٍ (مِثْل طولِ السّاقِ أو قِصَرِها، موقعِ الزَّهرةِ إبطيّ أو قمّي، لونِ الزَّهرةِ قرمزيّ أو أبيض، إلخ).

وقد أدركَ مَنْدلُ أهميَّةَ إجراءِ تجاربِهِ على أعدادٍ كبيرةٍ من النَّباتاتِ حتَّى تُلغي أخطاءُ الصدفة بعضُها بعضاً، وكانَ يُشيرُ إلى الأسَاسِ الماديّ للصِّفَةِ بلفظِ «عامِلٍ».

وقدْ صَاغَ مَنْدلُ نتائجَ تجاربِهِ فيما يُعرَفُ الآنَ بقانونيْ مندلَ الأوَّلِ والثَّاني.

 

ويَنصُّ القانونُ الأَوَّلُ علَى أَنَّهُ: «إذا اختلفَ فردان نَقيَّانِ في زَوْجٍ من صِفاتِهما المُتبادَلَةِ فإِنَّهما يُنتجانِ بتزاوجِهِما جِيلاً به صِفةُ أحدِ الفَرْدينِ فقطْ، وهي الصِّفةُ السائدةُ، بَيْنَما تَخْتفي الصِّفَةُ الأُخْرى الّتي تُوصَفُ بِأنَّها مُتَنَحّيَةٌ، وتُوَرَّثُ الصفتان مَعَاً في الجيلِ الثَّاني بنسبةِ 3 للسَّائدةِ: 1 للمُتنحّيَةِ».

وينصُّ القانونُ الثَّاني على أنَّه: «إذا تزاوجَ فردانِ يَختلفانِ فيما بَيْنَهما بالنسبةِ لزَوْجينِ من الصِّفاتِ المُتَقابلة، فإنَّ صِفَتيْ كلِّ زَوْجٍ تُوَرَّثانِ مُسْتقلتينِ عن صِفَتيْ الزَّوجِ الآخرِ».

 

وقَدْ حفلتْ ثَمانينيَّاتُ القرنِ التاسعَ عشرَ بدراساتٍ عديدةٍ حَوْل كلٍّ من الانْقسامِ الخلويِّ غيرِ المُباشَرِ والانْقسامِ الاخْتزاليِّ لتكوينِ الجاميطاتِ وسلوكِ الكرُومُوسُوماتِ في كلٍّ مِنْهما.

وقد قامَ العالمُ «ساتون» عامَ 1903 بالرَّبطِ بينَ الوراثَةِ المَنْدليَّةِ والكروموسوماتِ عِنْدما أَوْضَحَ أَنَّ العَواملَ الوراثيَّةَ تقعُ عليْها.

ثمَّ جاءَ عالِمُ النَّباتِ الهولنديُّ «جوهانسنُ» فابْتدعَ لَفْظةَ «جين» للدّلالةِ على العامِل الوراثِّي، كما ميَّزَ بينَ البناءِ الوراثيِّ للفردِ ومَظْهرِهِ. كما أشَارَ «جالتونُ» إلى تَأثيرِ البيئةِ في صِفاتِ الفَردِ، وذلكَ من خلالِ ملاحظاتِهِ لصِفاتِ التَّوائمِ المُتماثلةِ الّتي تَربَّتْ في بيئاتٍ مُخْتلفةٍ.

 

وفي عام 1900 اكتشف لاندستينر ثلاثاً من فصائل الدَّم (A, B, O)، ثُمَّ اكْتُشِفَتِ الفَصيلةُ الرابعةُ عامَ 1902، ونالَ على هذا الكشفِ جائزةَ نُوبلَ في الطبِّ والفسْيُولوجْيا عامَ 1930.

وقد أَوْضحتْ دِراساتُ لاندستينَر كثيراً من النَّواحي المُتَعلِّقَةِ بالوراثةِ في الإنسانِ عن طريقِ فَصائلِ الدّمِ تلكَ.

وفي عام 1908 وُضِعَتْ أسسُ الآليَّةِ الَّتي تحكمُ مَدَى شيوعِ صِفاتٍ وراثيّةٍ مُعَيَّنة في مُجْتمعٍ مُعَيَّنٍ فيما يُعْرَفُ بـ «الوراثةِ في المُجْتمعاتِ».

 

على يدِ كُلٍّ مِنْ «هاردي» عالِمِ الرِّياضياتِ في كَمْبردجَ وواينبرجَ عالمِ الفِيزياءِ في شتوتجارت، كلٌّ على حِدةٍ، حيثُ أَوْضحا أَنَّهُ: «في المُجْتمعاتِ الطَّبيعيَّةِ يكونُ تَكرارُ الجيناتِ المُتناظرةِ في حَالِة تَزايُدٍ طَالَما أَنَّ التَّكاثُرِ يتمُّ عَشْوائيًّاً، ويظلُّ هذا الاتزانُ قائماً جيلاً بعدَ جيلٍ ما لَمْ تَتَدخّلُ عواملُ تَخلُّ بِهِ».

وقد ظلَّتِ الدِّراساتُ الوراثيَّةُ تُجرى على النَّباتِ فقطْ حتّى عامِ 1905، ومن بعدِهِ أصبحتْ تُجرى على الحَيَوانِ مثل حَشرةِ ذُبابةِ الفاكهةِ «الدّروسوفيلا«، ومنْ أهمِّ التجارِبِ الّتي أُجْريَتْ عَليْها تلكَ الَّتي قامَ بِها «مورجانُ» في جامعةِ كُولُومْبيا وحصلَ بِها على جائزةِ نُوبلَ في الطبِّ والفِسيْولُوجْيا عامَ 1933 لكشفِهِ الدَّوْرَ الّذي يلعبُهُ الكروموسومُ في الوِراثَةِ.

ومن جهودِ مورجانَ ونتائج دراساتِ «بردجس» بعد ذلك، ظهرَ فرعٌ جديدٌ من فروعِ العِلْمِ يُسَمَّى «الوراثةَ الخلويَّةَ».

 

وفي عامِ 1927 أوضحَ «مولرُ» أنَّ أشعةَ X تُغَيِّرُ في بعضِ الصِّفاتِ الوراثيَّةِ لحَشَرةِ الدّروسوفيلا مُسبِّبةً حدوثَ طَفراتٍ، وحصلَ بذلكَ على جائزةِ نوبلَ في الطبِّ والفِسْيُولُوجيا عامَ 1946. وفيما بَعْدُ اكتُشِفَتْ عواملُ أُخْرى تعملُ على حدوثِ تلكَ الطفراتِ مثلِ بعضِ المَوادِّ الكيميائيَّةِ والحرارةِ والأشعةِ فوقَ البَنَفْسجيَّةِ.

وفي عامِ 1941 صاغَ العالمانِ الأمريكيانِ «بيدل» و«تاتوم» مبدأً وراثياً مُهِمًّا وهو: «كل جِينٍ مسؤولٌ عن إِنْزيمٍ»، وحَصَلا بذلكَ على جائزةِ نوبلَ في الطُّبِّ والفِسيُولوجيا عام 1958.

وفي عامِ 1953 اكتَشَفَ كلٌّ من العالِم الأمريكيِّ «واطسونَ» والبريطانيِّ  «كريكَ» طبيعةً بُنْيَةِ الحِمْض الرّيبيّ النَّوويِّ منقوصِ الأُكسجينِ (DNA) الّذي يُمثِّلُ المَّادةَ الوراثيَّةَ، وحَصَلا بذلكَ على جائزةِ نُوبلَ في الطبِّ والفِسْيولوجيا عام 1962.

 

وقَدْ فتحَ هذا الكشفُ آفاقاً جديدةً فِي علمِ الوراثَةِ بصِفةٍ خاصَّةٍ والعلومِ البيولوجيَّةِ بصِفَةٍ عامَّةٍ مثلِ الهَنْدَسَةِ الوراثيَّةِ والعلاجِ بالجِيناتِ والبيولوجيا الجُزَيْئيّةِ.

وَوَاصلَ علمُ الوِراثةِ تَقَدُّمهُ وإنْجازاتِهِ حتَّى أُعلنَ في 26 يُونيه عامَ 2000 عن التَّوصُلِ إلى البُنيَةِ الدَّقيقةِ للمادةِ الوِراثيَّةِ البشريَّةِ فيما يُعْرَفُ بِـ «الجينومِ البشريِّ»، أو ما يُسَمَّى «كتابَ الحياة».

ويُعتقَدُ أنَّ هذا الكَشْفَ سوفَ يُسهمُ كثيراً في التَّعرُّفِ إلى دقائقِ أسبابِ الكثيرِ من الأمراضِ الَّتي تُصيبُ الإنسانَ وكيفيةِ علاجِها، وكذلكَ في تَجنُّب كثيرٍ من الصِّفاتِ الوراثيَّةِ غيرِ المَرْغوبِ فيها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى