تكنولوجيا

تشييد ناطحة سحاب عملاقة

يمتد برج خليفة في دبي نحو السماء، وهو بلا شك أطول هيكل صنعه الإنسان على الإطلاق، ويُتيح تصميمه إمكانية بناء هياكل أعلى في المستقبل

بقلم: أليكس ديل

يجب تصميم ناطحات السحاب لتحمُّل قوتين رئيسيتين: القوة العمودية للجاذبية، والقوة الأفقية للرياح. وعندما تحاول بناءَ أطول مبنى في العالم في منطقة تضربها رياح صحراوية عاتية، فإن الأمر يتطلب قدرًا من البراعة الهندسية. وقد واجه هذه التحديات المهندس المعماري أدريان سميث Adrian Smith والمهندس الإنشائي بيل بيكر Bill Baker من شركة التخطيط الحضري الأمريكية سكيدمور، أوينغز وميريلSkidmore, Owings & Merrill، عندما كُلّفا بتصميم «برج دبي» Burj Dubai في دولة الإمارات العربية المتحدة – والذي أعيدت تسميته لاحقًا إلى «برج خليفة» Burj Khalifa. وقد استلهموا تصميمهم من مصدر غير متوقع: نبتة صحراوية منخفضة تُسمى زنبقة العنكبوت Spider lily.

يتخذ أساس البرج شكل حرف «Y»، وهو تجريد مستوحى من نبتة زنبقة العنكبوت. ويتكوَّن من 3 أجنحة شُيِّدت حول نواة خرسانية. يعمل كل من هذه الأجنحة كدعامة، تُساعد في دعم النواة الداخلية السداسية الشكل. ويُعرف هذا النظام باسم «النواة المدعَّمة» Buttressed core، وهو ما يُمكِّن المبنى من دعم نفسه ومنع الحركة الجانبية. تمتد جدران خرسانية قوية من النواة إلى طرف كل جناح، مما يُعزِّز الهيكل بدرجة أكبر. وبفضل هذا التصميم، يتمتع المبنى بمقاومة إنشائية هائلة ضد الرياح، على الرغم من ارتفاعه الشاهق.

سمحت هذه البنية المستقرة على شكل الحامل الثلاثي ببناء برج خليفة باستخدام كمية أقل من الفولاذ والخرسانة مقارنةً بالمباني التقليدية. ففي الواقع، يحتوي البرج على نصف كمية الفولاذ الموجودة في مبنى إمباير ستيت Empire State Building، على الرغم من أن ارتفاعه يناهز ضعف ذلك المبنى. ولكن، كما هي الحال مع جميع الهياكل العملاقة، فإن كمية الفولاذ اللازمة للحفاظ على استقرار الطوابق العليا تظل كبيرة، مما يستدعي أن يصبح المبنى أكثر نحافة كلما ارتفع. وقد منح هذا الشكل المهندسين فرصة إضافية لحماية الهيكل من تأثير الرياح. وإضافةً إلى ذلك، فإن هذا الشكل المعماري سيُمكِّننا من بناء هياكل أكثر ارتفاعًا في المستقبل.

في الواقع، بدأ سميث بالفعل العملَ على برج سيجعل برج خليفة يبدو صغيرًا بالمقارنة. ويدَّعي بيكر أن التصميم يمكنه – من الناحية النظرية – دعم برج يبلغ ارتفاعه نحو 8,850م. إن عامل العملية Practicality، وليس السماء، هو ما يحدد الحد الأقصى لارتفاع المباني التي يمكِننا تشييدُها. إضافةً إلى التكلفة، فإن المصاعد ستستغرق وقتًا طويلًا للوصول إلى الطابق الأعلى بالسرعة التي نجدها مريحة. كما أن المباني ستحتاج أيضًا إلى التكيُّف مع انخفاض الضغط الجوي ونقص مستويات الأكسجين في الطوابق العليا.

هل كنتَ تعلم؟ عند اكتماله، سجل برج خليفة 8 أرقام قياسية عالمية

البقاءُ منتصبًا في ظل الارتفاع الشاهق

صُمِّم النمط اللولبي المبتكرُ للبرج بطريقة تشبه آلية الساعة، وذلك بهدف إرباك حركة الرياح. ويُفيد الشكلُ الثلاثي الأجنحة لبرج خليفة الأشخاصَ الذين يعيشون أو يعملون في داخله – حيث يعني ذلك وجودَ مساحةٍ أكبر من الجدران الخارجية، ومن ثم عددٍ أكبر من النوافذ التي تُطل على الخليج العربي. لكن الأهم من ذلك، أن هذا الشكل أتاح للمصمِّمين ابتكار طريقة ذكية لحماية الهيكل الشاهق من قوى الرياح.

1 أعلى نقطة Highest Point

يتمايل برج خليفة حتى مسافة 1.5م عند أعلى نقطة فيه. ويُعتبَر البرج الزخرفي عند قمّته مجرد عنصر تجميلي إلى حدٍّ كبير – إذ إن أعلى طابق مأهول يقع عند علامة 585م. وعند هذه الارتفاعات، يجب أن تقلّ حركة البرج.

2 برج مدبب شاهق Tall Spire

يبلغ ارتفاع الجزء العلوي ذي البرج الزخرفي للمبنى 244م، وهو مصنوع من 4,000 طن من الفولاذ الإنشائي. ويزن الأنبوب المركزي في القمّة 350 طنًّا، وقد رُفع إلى ارتفاعه باستخدام تقنية الرفع الهيدروليكي.

3 نمط حلزوني Spiral Pattern

لا تتراجع أجنحة برج خليفة بطريقة موحّدة، بل تتوزع بشكل متدرّج لتشكيل نمط حلزوني باتجاه عقارب الساعة. يؤدي اختلاف الشكل بين كل جناح وآخر إلى منع الرياح من تكوين دوّامة منظمة حول البرج. وكما يقول المهندس الإنشائي للبرج، بيل بيكر، فإن هذا التصميم «يُربك الرياح».

4 الطبقة الخارجية Outer Layer

صُمِّم الزجاج العاكس والألواح المصنوعة من الألومنيوم والفولاذ المقاوم للصدأ على السطح الخارجي لتحمُّل الحر القائظ لصيف دبي. يوجد على السطح الخارجي للمبنى 26,000 لوح زجاجي.

5 قلب صلب Tough Core

في جوف المبنى – مُخفًى عن الأنظار – يوجد قلبٌ خرساني، تدعمه الأجنحة الثلاثة الخارجية.

هل كنت تعلم؟ استغرق البناء 6 سنوات: بدأت أعمال الحفر في يناير 2004، وأُقيم حفل الافتتاح في 4 يناير 2010.

تشييد بناء أعلى من برج خليفة

بدأ العمل في برج جديد سيتجاوز حامل الرقم القياسي الحالي. يعمل كبير معماريي برج خليفة، أدريان سميث، على ناطحة سحاب فائقة ستتفوق على عمله السابق. بدأت أعمال البناء في برج جدة بالمملكة العربية السعودية في 1 أبريل 2013، وبعد أن توقفت في العام 2018، استؤنفت الإنشاءات في يناير 2025. وعند اكتماله بحلول العام 2028، سيتجاوز ارتفاعه 1,000م. وعلى الرغم من أن هذا أقل من الميل الذي كان مقترحًا في الأصل، إلا أنه سيظل إنجازًا هندسيًا رائعًا. ومع أنه يستخدم تصميم قاعدة ثلاثية الأرجل مشابهة لبرج خليفة، إلا أنه لا يتِّبع النمط المتدرج نفسه. وبدلًا من ذلك، فإن كل جناح سيتألف من برج مائل يتناقص تدريجيًا نحو الأعلى، وينتهي عند ارتفاعات مختلفة. تتميز هذه الأجنحة المائلة بشكل انسيابي، وتشير اختبارات نفق الرياح إلى أن هذا التصميم فعّال جدًا في تقليل تأثيرات الرياح. وستمتد أساسات البرج على عمق 200م.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى