العلوم الإنسانية والإجتماعية

تخبطات في الآراء حول قضية المزارع “شمايزير “

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة

في الرأي المخالف، الذي جادل فيه القضاة الأربعة قرار الحكم الصادر بحق شمايزير، اعتبروا هذا القرار ما هو إلا تمديد لحقوق مالكي براءات الاختراع بصورة غير صحيحة، خارج نطاقها المعروف.

فقد أصرّوا على أنه لا يوجد أي ادعاءٍ «على مقاومة الغليفوسات» (Glyphosate- Resistant) (روندأب المقاومة للمبيدات) وفي كل نسل النباتات. فلذلك، يكون توفير وحفظُ أو زرع أو بيع البذور الخاصة بالنباتات المقاومة للغليفوسات لا يشكّل انتهاكاً في استخدامه» (Monsato v. Schmeiser 2004, Par. 162).

واقعاً، كما لاحظنا أعلاه، فإن كندا لا تعترف ببراءات الاختراع لأنماط الحياة العليا، [التي من مثل النباتات بصورة كاملة]. فزملاؤهم القضاة الذين شكّلوا الأغلبية في الحكم الصادر بحق شمايزير، بدلاً [من النظر في هذا الموضوع] استخدموا جين مونسانتو لبراءة الاختراع، واعتبروه انتهاكاً لحقوق براءات الاختراع الشركة.

ففي جزء من هذه القضية كان الخلاف متجذّراً في المقارنات التي تمكن القضاء من اختيار أي قرار يمكن أن يطبق حول استخدام اختراع براءات الاختراع المسجّلة باسم شركة مونسانتو (حتى وإن كان شمايزير على الرغم من ذلك، لم يستفد منه).

لقد أشار قرار المحكمة العليا، إلى أنه بمجرّد القيام بالزراعة، والحصاد والبيع لبذور الكانولا المحتوية على جين المبيدات، يمثل استخداماً للاختراع المسجّلةِ براءةُ اختراعه لشركة مونسانتو، حتى وإن كان شمايزير لم يستفد من النباتات المقاومة للأعشاب الضارة، روندآب، والسيطرة عليها.

 

فقد استند تقيم القضاة هذا إلى العديد من المقارنات المستمدة من سوابق قضائية تناولت العلاقة ما بين الابتكارات ذات براءات الاختراع وغيرها من العناصر غير المشمولة بوضوح في براءة الاختراع. فعلى سبيل المثال، وعلى النحو المشار إليه في قرار الحكم، ينتهك المتهم/ المتهمة براءة الاختراع إذا كان هو/ هي «قد استخدم جزءاً  مما فيه براءة اختراع ضمن شيء ليس له براءة اختراع، لأن براءة الاختراع الجزئية [في هذا الشيء] قد وفّرت جزءاً له دلالة أو كان مهماً».

فلذا نظر القضاة في هذه الدعوى، إلى الجين المبيد على أساس أنه جزء مهم لتركيبة النبات الكلية، وبنفس المنهجية تكون براءة الاختراع للعبة مكعبات اللوغو التي تكون فيها الأشياء مهمة في التركيب عندما تُبنى معها، وهم قارنوا أيضاً براءة اختراع الجين مع الماكنة التي تنتج سحابات الملابس، إذ بموجب القانون إذا كانت هناك براءة اختراع على جهاز ما، فإن براءة الاختراع تُمدّ لتشمل سحّبات الثياب المصنّعة بتلك الماكنة، ومن طريق قياس هذه [الأمثلة] بالجينات المنتجة بواسطة البذور التي تحتوي جين مبيد الأعشاب المقاوم تكون نباتات شمايزير قد استخدمت ذلك الجين (المصدر السابق، الفقرة 41-42).

قضاة المحكمة الاتحادية الأربعة الذين عارضو بشدة استخدام القياس من قِبل قضاة الأغلبية، كتبوا رأيهم المخالف:

ليس هناك قياس حقيقي مفيد بين النباتات النامية، التي كل خلية فيها وكل خلية من كل النسل يمكن عزوها عن بُعد إلى الخلايا المهندسة وراثياً وأنها تحتوي على جين وهمي، مع وضع سحاب في الثوب أو إطارات في سيارة أو بناء مكعبات لعبة اللوغو. فالقياس هذا ضعيف، وخصوصاً عندما يعتبر أن النباتات يمكن أن تنمو في ما بعد، وتتناسل ومن ثم تنتشر من دون أي تدخّل بشري (مصدر سابق، الفقرة 156).

 

لقد قدّم أحد أبرز المنتقدين لنظام براءة الاختراع، بريوستر كنين (Brewster Kneen)، حجةً ممثالة ضد الحكم الصادر؛ نبّه فيها إلى أن استخدام هكذا قياسات قد تكشف عن «جهل غايةً في السوء بدلاً من علم الأحياء».

فقد أوضح كنين، أن الجينات لا تصنع النباتات بنفس المعنى [التصوّر] الذي تصنع به الماكنة سحّاب الثوب. ولا جين براءة الاختراع ضروري لتكاثر نبات الكانولا. «إن رأي الغالبية لم يلحظ طبيعة التكاثر في الأشكال الحية كما أنه على ما يبدو لا يعترف بأن نباتات الكانولا ستنمو بالضرورة وتتكاثر سواء كانت مهندسة وراثياً أم لا، وسواء كانت أولاً تحتوي على بناءات وراثية لمقاومة المبيد»، الحياة» (Kneen 2004).

هذه القضايا ليست هي المسألة الوحيدة المقلقة المتعلقة بالاستخدام. فقرار الحكم نظر أيضاً في ما يُدعى بـ «الأداة الاحتياطية» (Standby Utility) لابتكار ذي براءة الاختراع. فقد ربطت المحكمة العليا سلسة براءات الاختراع الجينية ببراءة اختراع لمطفأة الحريق التي تعتبر مستخدمة حتى ولو لم تستخدم فعلياً لإطفاء نار.

وهنا، قد قارنت المحكمة العليا حيازة شمايزير للجين ذي براءة الاختراع بحالة امتلاك ربّان السفينة لمضخّات براءة الاختراع على سطح السفينة، والتي لم يكن يستخدمها قط.

 

وفي هذه الحالة، قرّرت المحكمة أنه على الرغم من أن المضخّات لم تستخدم، إلا أن ربان السفينة كان يعتزم استخدامها إذا دعت الحاجة، وعليه تشكّل [حالة شمايزير] انتهاكاً (Monsanto v. Schmeiser 2004, Par. 51). وحيث إن شمايزير لم يثبت أنه لم يعتزم قط استخدام جين المبيدات في المستقبل، ونظراً لذلك، فإن مجرّد وجود الجين في أرضه شكّل استخداماً لها.

جادل القضاة المعارضون بشدة ضد هذا الاستنتاج، قائلين: إن تأثير تطبيق مفهوم الأداة الاحتياطية في هذه القضية، يضفي حماية لبراءة الاختراع على كامل النباتات، والتي لم يسمح بها  [القانون] في كندا. وادعوا أن شمايزير كان:

يحق له أن يعتمد على توقع معقول بأن النبات غير الخاضع لبراءة الاختراع يقع خارج نطاق الحماية لبراءة الاختراع. ووفقاً لذلك، لا تشكّل زراعة النباتات المحتوية على جين وخلية براءة الاختراع انتهاكاً.

فالنباتات المحتوية على جين براءة الاختراع يمكن أن لا يكون لها أية قيمة كأداة احتياطية أو فائدة بحسب زعم زملائي، ولو استنتجنا خلاف ذلك، فإن ذلك يعني في الواقع منح الحماية لبراءة الاختراع على [كامل] النبات (مصدر سابق، الفقرة 160).

 

خلاصة القول، كانت المحكمة العليا منقسمة على أمرها حول ما إذا كان فعل شمايزير بادخار وزراعة وحصاد الكانولا التي تحتوي في مكوناتها على جين براءة الاختراع، يعدُّ انتهاكاً وفق القانون الكندي أم لا.

وهذا الخلاف لم يكن مجرّد اختلاف حول مسألة تفسير قانون براءة الاختراع فحسب، بل يتطلّب أيضاً تفسيراً بيولوجياً. حيث يعتقد القضاة الأغلبية، أن المقارنة بنماذج ميكانيكية (آلات سحابات الملابس، أو المضخات في السفن) كانت ملائِمة لتحديد نطاق براءة اختراع مونسانتو. في حين يعتقد القضاة المعارضون للقرار أن هذه المقارنات خلقت توصيفاً غير دقيق للعلاقة ما بين الجينات والنباتات.

ويمكن أن نتصوّر أنه لو كان هناك مجرد قاضٍ واحد إضافي مع رأي الأقلية، لكانت نتيجة الدعوى مختلفة، لا لشمايزير فحسب، بل حتى بالنسبة للنقاش الشعبي العام في كندا حول التكنولوجيا الحيوية.

 

القضاة المعارضون جعلوا من موضوع الدعوى تلك مسألة تستحق النقاش الواسع، وخاصة مسألة «الموجودين الأبرياء في الحدث» (Innocent Bystanders) الذين يمكن أن يتعرّضوا لحوادث التلوث، إذ «ينبغي النظر صراحة في هذا الأمر من قِبل البرلمان لكون هذا الموضوع لا يمكن استيعابه بشكل كافٍ من خلال القوانين القائمة المستخدمة» (مصدر سابق، الفقرة 159).

وبالتالي فقرار حكم لصالح شمايزير لربما كان يدفع لمناقشة برلمانية، ودعوة أوسع لمشاركة الجمهور في رسم ملامح نظام حقوق الملكية الفكرية للمواد النباتية، وخلق وضع قانوني جديد للجينات الناشزة. فأحد المحلّلين الذين هم بجانب الأقلية وضع النقطة الآتية:

 من خلال التساؤل عن الردود المحتملة من قِبل البرلمان بخصوص براءة الاختراع لأنماط الحياة العالية، أو النظر في التصوّرات البديلة للملكيات، مثل التي تحت طائلة حقوق مربّي النباتات، فإن الأقلية في شركة مونسانتو ستنتج خطاباً بديلاً للدولة في عصر العولمة. كندا تطرح كعنصر له الحق في أن يُطوّر المشروع السياسي السيادي الخاص به، في ما يتعّلق بالملكية الفكرية والابتكار (Robertson 2005, 247).

الأغلبية بطبيعة الحال، رأت الأشياء من منظور مختلف تماماً. فبدلاً من تصوّر وسيلة بديلة لحوكمة موارد النبات الجينية، أصدرت حكمها ضد شمايزير من خلال استخدامها مقارنات بقضايا سابقة، كتكنولوجيا الميكانيك، من أجل تنسيب وضع قانوني جديد للجينات الناشزة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى