البيئة

تأثير الأفعال البشرية والطبيعية في تدمير البيئة

1998 تقرير1996 عن العلم في العالم

KFAS

تأثير الأفعال البشرية تدمير البيئة البيئة علوم الأرض والجيولوجيا

ألحق الإنسان أضراراً كبيرة بالطبيعة، لدرجة أنه أصبح ينافس الظواهر الجيولوجية التي تتمثل بالبراكين والزلازل وعمليات التعرية.

ووفقا لبعض التقديرات، يتم سنوياً نقل ما معدله 20 طناً من التراب لكل فرد وذلك جراء الأعمال التي يقوم بها الإنسان، التي تشمل استخراج المعادن وإقامة السدود المائية وتنفيذ مشروعات الطاقة وأعمال البناء، وكذلك عمليات التعرية الناشئة عن الأنشطة البشرية الأخرى.

ويعادل هذا الرقم حجم الترسبات التي تنقلها الأنهار في جميع أنحاء العالم، كما تعادل تدمير أرضية المحيطات وخلقها من جديد من خلال عمليات تحرك الصفائح التكتونية.

وحالياً، هناك توجه لإلقاء اللوم والمسؤولية على الإنسان في كل ما يحدث من التغيرات البيئية، لكن عمليات الطبيعة لا تتوقف، ولا نعرف بالضبط طبيعة ما جرى من تغيرات بيئية رئيسية ومتى وقعت تلك التغيرات.

 

وعلى سبيل المثال، بينت دراسات حديثة، بصورة قاطعة، وجود آثار لأنهار كانت تجري ومناطق رعي كبيرة وحياة برية ومجتمعات سكانية فيما يعرف بالصحراء الكبرى (Petit-Maire, 1993).

كما بينت أحافير (حثيات) وسجلات رسوبية تتابع عدة دورات للبيئة الجافة الرطبة قبل ما بين 4000 و8000 عام في المناطق التي تشكل الآن مركز الصحراء الغربية شمال مالي. وتشير هذه الأدلة أيضا إلى تغير البيئة الجافة الرطبة إلى جافة قبل 4500 عام، وإلى أن البحيرات في المنطقة بدأت تنحسر قبل 400 عام.

ومع زحف الصحراء بعد 1000 عام، هجر الإنسان هذه المناطق وتحرك نحو الداخل غير المأهول، حيث توجد جبال العامر والهجار التي تحد الصحراء. كما تحرك الإنسان غربا نحو الساحل حيث ظل هناك حتى قبل ألفي عام تقريبا.

 

وثمة أمثلة أخرى عديدة لمجتمعات تأثرت بصورة جذرية أو حتى انقرضت جراء الكوارث الطبيعية (Issar, 1990).

وكشفت دراسات كثيرة وجود تغيرات بيئية كبيرة متتابعة بعدما انحسر الغطاء الجليدي من النصف الشمالي للكرة الأرضية، فقد تعرضت المناطق الجديدة إلى تغيرات سريعة عندما تشكلت مجاري المياه الذائبة وانهارت الكتل الجليدية وانتشرت الرواسب المحمولة بالجليد الذائب في البحيرات ومجاري الأنهار والسهول العارية التي كانت تحد الجليد.

ولا يوجد لدينا أي دليل على أن الإنسان أو أياً من الكائنات الأخرى قد أدى جوهرياً في هذه التغيرات.

وعلى الرغم من وجود ثغرات في فهمنا للعمليات الطبيعية فإنه من الموكد أنها تفاعلت مع أنشطة البشر فتأثرت بدرجات متباينة من حيث المكان والزمان مثلما تأثرت بدورها بتلك الأنشطة.

فعلى سبيل المثال، يهتم الجزء الأكبر من البحوث الجارية في مجال التغيرات المناخية الكونية، بدرجة تبادل ثنائي أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) الأخرى بين المحيط الجوي والمحيطات والتربة والبيئة الحياتية.

 

ومن الواضح لنا الآن إسهام البراكين في تغيير التركيب الكيميائي والفيزيائي للجو المحيط بها، وبخاصة بعد الأحجام الهائلة من المواد التي قذفها بركان جبل بيناتوبو (AGU, 1992).

وقد تبين أن ثوران البركان أدى الى نفث ما بين 25 و30 مليون طن من ثنائي أكسيد الكبريت شكلت سحابة محملة برذاذ حامض الكبريتيك في طبقات الجو العليا، وأدت – ولو لفترة قصيرة – إلى خفض درجة حرارة كوكب الأرض إلى نحو نصف درجة مئوية، إضافة إلى أنها مكنت حدوث بعض التفاعلات الكيميائية التي تسمح بتدمير طبقة الأوزون.

إذ استطعنا أن نتعرف بصورة أدق ماهية التغيرات في البيئة المحلية والإقليمية والكونية في الماضي القريب، فإن ذلك يحسن من قدرتنا على التمييز بين آثار العمليات الطبيعية من جهة والأنشطة البشرية من جهة أخرى (سواء كانت سيئة أو مرغوباً فيها)، وبالتالي يساعدنا على رسم سياسات بيئية تمكننا من تحمل ضغوطات الحاضر وتغيرات المستقبل.

يتوافر لدينا حالياً الكثير من المعلومات عن المناخ وعن التغيرات في استعمالات الأراضي، ولكن لدينا القليل من المعلومات فيما يتعلق، على سبيل المثال، بالتنوع الحياتي والغطاء النباتي وكيمياء المياه وعمليات التعرية ومدى ثبات الانحدارات أو تراكم المواد العضوية النباتية.

وقد زادت معرفتنا عن هذه القضايا من خلال ما يتكشف لنا من معلومات نحصل عليها من مراكز الوسط الجليدي والترسبات في قاع البحيرات والمحيطات ودوائر النمو في سوق الأشجار ودرجات حرارة التربة والنظائر المشعة في المياه الجوفية.

 

وسيمتلك صانعو القرار والإداريون بعد ما بين 50 و100 سنة قدرة أكبر على فهم التغيرات البيئية والاتجاهات المحتملة من خلال قراءة صور متسلسلة تكشف خواص البيئة الطبيعية في مرحلة زمنية محددة.

تتوالى الأدلة، من خلال دراسة بيئة المستحاثات من "الرابع" بالنسبة لأحقاب الزمن الجيولوجي – التي تثبت حدوث تذبذب في حرارة المناخ الطبيعي قدره درجتان مئويتان – على حدوث مثل هذا التذبذب أكثر من مرة خلال العشرة آلاف سنة الماضية، وأحيانا بوتيرة أسرع من ذلك.

وهنا يبرز السؤال حول مدى تأثير المناخ فيما إذا كان اتجاه التبريد الطبيعي يتنافس مع الزيادة في نسبة غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة)، أو أن اتجاه احترار (ارتفاع حرارة) الكرة الأرضية الطبيعي يتفوق على عمليات الاحترار الناتجة من الأنشطة البشرية.

ومن المحتمل أن يؤدي احترار المناخ في الأطراف القطبية إلى ذوبان أطراف الجليد على نطاق واسع، وقد ينتج من ذلك انطلاق غازات الميثان المجمد الآن في مناطق "التندرا" وما حولها، الأمر الذي سيسارع في عمليات الاحترار، وكذلك في التغيرات البيئية الكبيرة المتصلة بزوال انجماد الأرض.

ويجري الآن تنفيذ برامج كبيرة في البلدان المحيطة بالقطبين تهدف إلى مراقبة وتفهم ما يجري في البيئة والبحث عن مؤشرات التغيير المبكرة في أنماط النظم المائية وانسياب الحرارة في التندرا والجليد الذائب وتأثيرات المناخ في الكائنات الحية.

 

في كندا، كان تأثير المناخ في الإنسان على أشده في السهول الغربية، حيث سبب الجفافُ بين عامي 1917 و1938 أضرارا بالغة للإنتاجية الزراعية وحياة الإنسان بصورة عامة. وتشير بعض الأنماط المناخية في كوكب الأرض إلى أن هذه المنطقة ستتعرض إلى احترار قدره ما بين 3 و4 درجات مئوية الأمر الذي سيسبب مزيدا من الجفاف.

ويسود اعتقاد بأن نحو 30% من الأراضي الزراعية ستتحول إلى أراض قاحلة غير منتجة إذا استمرت طرق استغلال هذه الموارد على حالها في ظل المناخ السائد حاليا وبمعزل عن الآثار الناتجة من احترار المياه. ويستمر العمل في حصر القضايا الجيولوجية في كندا لمعرفة مصير المياه في البحيرات الضحلة المقفلة (يبلغ عمق المياه في بعضها متراً واحداً فقط).

وقد دلت الدراسات على تكون طبقة كثيفة ملحية قريبة من قاع البحيرات خلال فترات الجفاف. وتعمل هذه الطبقة على حماية الترسبات في القعر من تأثير الكائنات الحية والرياح. وتسبب فترات الجفاف هذه تكوين طبقات رسوبية رقيقة ومميزة من معادن الكبريتات والكربونات يفصل بعضها عن بعض طبقة من الطين المتجانس التي تتكون أثناء فترة الأمطار.

وتدل دراسة المقاطع العمودية للطبقات الرسوبية في هذه البحيرات الضحلة على حدوث عدة موجات من الجفاف خلال عدة آلاف من السنين الماضية، امتدت كل واحدة منها 100 عام.

ولا ينسجم هذا الدليل مع الأنماط السائدة لمثل هذه الظواهر التي تستخدم للتنبؤ بمناخات الكون بل يشير إلى أن فترات الجفاف التي سادت في العشرينات والثلاثينات والثمانينات من هذا القرن، ربما لم تكن خروجا عن المعهود.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى