علوم الأرض والجيولوجيا

الهندسة الجيولوجية وعيوبها

2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري

تشارلزس . بيرسون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الهندسة الجيولوجية عيوب الهندسة الجيولوجية علوم الأرض والجيولوجيا

يمكن تعريف الهندسة الجيولوجية بأنها التدخل الإنساني المتعمد في نظام المناخ العالمي بهدف جعله مناخاً معتدلاً أو لمنع تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري.

وحتى إلى وقت قريب فقد كان يولى هذا المجال اهتماماً قليلاً إلى حد كبير، لكن مقترحات الهندسة الجيولوجية اكتسبت بعض المصداقية والاحترام مؤخراً.

وهذا الوضع الجديد ليس لديه الكثير ليفعله مع نتائج البحوث الجديدة الراهنة.

والأكثر من ذلك، مع النمو في التشاؤم حول ما سينتج من استجابة التخفيف الفاعل والتخفيف المضاف للتكيف. فنبرة النقاش في الهندسة الجيولوجية غالباً ما يكون لها أصداء يتراجع فيها أو يهزم بها العديد من أنصارها.

 

إن مقترحات الهندسة الجيولوجية مختلفة بحد ذاتها ، وتعرض ابتكارات مهمة.

وهي على وجه  العموم، تنقسم إلى قسمين:الأول معني بزيادة الاستيعاب الأرضي، وامتصاص الدفيئة من قبل المحيطات، والثاني يركز على تعديل التوازن الإشعاعي للأرض من خلال تخفيض الإشعاعات القادمة أو زيادة انعاكساتها (Albedo).

ومثالٌ على القسم الأول، هو "التسميد" (Fertilizing) لسطح المحيطات بالفوسفات أو الحديد لتحفيز نمو "الاشنات" (Algae) وامتصاص كربون الغلاف الجوي.

 

أما المثال الثاني على القسم الثاني، فهو "عاكسات الشمس الفضائية" (Space-Based Sunlight Deflectors) ونشر جزيئات الكبريت في طبقات الغلاف الجوي القريبة من الأرض لزيادة الانعكاسية. وأخيراً اكتسبت هذه التكنولوجيا قدرٍ أكبر من الاهتمام.

مازالت مقترحات العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة هذه في بداياتها. وفي هذه المرحلة، قد يكون ببساطة من المفيد جداً سرد بعض المزايا والعيوب المحتملة.

وإحدى الميزات المفترضة هي أن بعض التكنولوجياتذات العلاقة، خاصة تلك التي تعمل على تشتيت جزيئات الكبريت في طبقات الغلاف الجوي القريبة من الأرض، تبدو أنها أقل كلفة بشكل كبير قياساً بكلفة التخفيف(29).

 

فالفوائد الصافية – تكاليف تجنب التخفيف والتكيف منقوصاً منها تكاليف الهندسة الجيولوجية – ينبغي أن تكون بيترليونات الدولارات. الميزة المفيدة الثانية مقارنة بالتخفيف هي القدرة على تجنب مشكلة تمويل السلع العالمية العامة.

وإذا كانت التكاليف منخفضة حقيقةً كما توصف، فإن العوائد الوطنية لفعلٍ أُحادي الجانب يمكنه بسهولة أن يُغطي التكاليف، وتتحايل معضلة المنافع العلمية العامة بتعيلق جهود التخفيف. فالبلد الذي يتصرف وفقاً لمنافعه الخاصة بمقدوره تسويغ الإنفاقات.

والميزة المفيدة المفترضة الثالثة مقارنة بالتخفيف هي أنه إذا الانتهاء من البحث التمهيدي وأُنجزت الاختبارات اللازمة، فإنه بالإمكان وضع بعض التكنولوجيا موضع التطبيق بسرعة وبمفعول يكاد يكون فوري تقريباً.

 

كثيراً ما يُشار إلى الانفجار البركاني في عام 1991م لجبل بيناتوبو (Pinatubo) بصفته تجربة شبه طبيعية لجزيئات الكبريت في الغلاف الجوي، الذي كان له آثار لقياس التبريد العالمي في غضون ستة أشهر (Crutzen 2006).

ويوحي التأثير السريع للهندسة الجيولوجية من خلال جزيئات الكبريت، بأنها قد تمتلك جاذبية خاصة باعتبارها خيار احتياطي في حال الإخفاق في التخفيف أو كانت الزيادات في درجات الحرارة وشيكة الحصول.

تمثل فيما تقدم المزايا المفترضة القوية. ولكن يمكن للمرء أن يسرد جملة من العيوب المفترضة كذلك. أولاً، قد توجد  آثارٌ جانبيةٌ خطرةٌ وضارةٌ.

 

فعلى سبيل المثال، إن تشتت جزيئات الكبريت في الغلاف الجوي قد تتحكم في درجات الحرارة، لكنها في الوقت ذاته غير قادرة على فعل أي شي للحد من الزيادة في حموضة المحيطات والمشاكل المرتبطة بذلك.

وقد ينتج عن ذلك أيضاً نضوبٌ في طبقة الأوزون في الغلاف الجوي واختلال في المناخات المحلية. ناهيك عن المخاطر المعروفة وغير المعروفة المترتبة على ذلك.

 

ثانياً، إذا كان بالإمكان حلول الهندسة الجيولوجية وإزاحة التخفيف بصفتها استراتيجية مهيمنة، فإن خيار التخفيف سيتلاشى.

وسيكون في هذه الأثناء ثاني أكسيد الكربون متراكماً، وسيُستعان بحلول الهندسة الجيولوجية بصورة مستمرة لتجنب الكوارث، والارتفاع السريع  في درجات الحرارة عالمياً. فالهندسة الجيولوجية قد تكون قادرة على أن تحل محل إخفاقنا في التخفيف، ولكن إذا ما أخفقت الهندسة الجيولوجية فإن التخفيف لم يعد خياراً.

وهذه ليست بالمسألة التي لا يمكن التوقف عندها. لأن الهندسة الجيولوجية تمثل احتياط جدير بالاهتمام، إن بمجرد الانتهاء من إجراءات البحث والاختبار في الهندسة الجيولوجية قد تُغري لتعزيزها مقارنة بتكاليف التخفيف ذات الكلفة الساحقة.

 

ولبيان تلك النقطة بصورة مختلفة، فإن التخفيف بكلفته العالية وضعفه إزاء العائد المجاني، ومنافع المستقبل البعيد سيكون أمراً صعباً.

إن آفاق الهندسة الجيولوجية البديلة قد تجعل منها خياراً مستحيلاً. ولكن فيما بعد، سيكون الحل باستخدام الهندسة الجيولوجية مفاجئة مقرفة، قد تؤدي إلى جعل صندوق السياسات المتصدرة فارغاً تماماً.

وحتى إذا لم يكن هناك قرارٌ رسميٌ عامٌ للتغيير من التخفيف إلى الهندسة الجيولوجية، فإن آفاق الهندسة الجيولوجية ستقوض مصداقية زيادة أسعار الكربون في استراتيجية التخفيف. وهذا بدوره يمكن أن يكون له آثارٌ وخيمةٌ محتملةٌ في قرارات الاستثمار والبحث والتطوير المطلوبة لإنجاح التخفيف.

 

هناك اعتبارٌ ثالث هو احتمال حدوث الصراعات السياسية الدولية التي تستخدم أدوات الهندسة الجيولوجية. فكل من البيئة المتباينة، والاقتصاد، والمصالح السياسية، تشكل بالتأكيد اساب تعرقل خيار التخفيف اليوم.

لكنها لن تتلاشى بصورة تلقائية، عندما يمتلك البعض أو العديد من البلدان التكنولوجيا والموارد الكافية للتعامل مع المناخ العالمي.

بل على العكس من ذلك، قد تدعو الهندسة الجيولوجية للعمل على المستوى الوطني الذي سيكون له آثار سلبية في الآخرين، التي من ضمنها الجفاف، وأنماط هطول الأمطار الموسمية.

 

فاستبدال مؤثرات العوامل الخارجية لمناخ الهندسة الجيولوجية، بالعوامل الخارجية للانبعاثات الغازات دولياً سيكون خطوة إلى الأمام. فالدراسة الجادة لتكنولوجيات الهندسة الجيولوجية بحاجة أن تكون مصحوبة  بدراسة جادة لموضوعات الحكومة العالمية (Victor 2008).

رابعاً، الاعتماد على الهندسة الجيولوجية مقارنة بالتخفيف، سيمثل تحولاً أخلاقياً مثيراً للتساؤل ومحفوفاً بالمخاطر لأجيال المستقبل.

 

الاستنتاجات

ركزت الفصول من 2 إلى 4 على اقتصاديات التخفيف، ضمن إطار منهج الكلفة-العائد. وفي هذا الفصل توسعنا في هذا المنظور من خلال إلقاء نظرة في غيرها من الاتجاهات لظاهرة الاحتباس الحراري: تعجيل التنمية الاقتصادية، والتكيف، والسيطرة على إمدادات الكربون، فضلاً عن الحاجة لتكنولوجيا الهندسة الجيولوجية.

فهذه الاستراتيجيات لا تستبعد إحداهما الأخرى، ويتمثل التحدي في إيجاد التوازن المناسب بين تلك الاستراتيجيات.

والاستنتاج الرئيسي هو الحاجة الماسة لأن يكون التخفيف الجزء المركزي في الاستراتيجيات، على الرغم من أن كلها من الممكن أن تُسهم في تقلقل الانبعاثات.

 

إن التعجيل في عملية النمو الاقتصادي في البلدان الفقيرة هو أمرٌ مرغوبٌ فيه  في حد ذاته.

ولكن بصرف النظر عن قيمته في تحسين القدرة على التكيف، فإنه لا يُسهم إسهاماً مباشراً في حل جذور مشكلة ظاهرة الاحتباس الحراري، التي هي تكاليف العوامل الخارجية عبر الفترات الزمنية لانبعاثات غازات الدفيئة غير المنضبطة.

وعلى عكس ذلك، فإن التنمية الاقتصادية السريعة هي المحرك الرئيسي للنمو في مستويات الانبعاثات. وعليه، فالمهمة الأساسية تتمثل في السيطرة على الانبعاثات من دون إعاقة النمو في البلدان الفقيرة.

 

يمكن للتكيف أن يضيف إضافة قيّمة للتخفيف، ولكنهما تبادليان ناقصان في أحسن الأحوال. التكيف الكفوء بإمكانهإخفاء تكاليف التخفيف الأمثل، تماماً كما أن التخفيف الكفوء يمكن أن يساعد في تخفيض تكاليف التكيف.

ومازال التكيف لا يفعل شيئاً لحل مشكلة العوامل الخارجية للانبعاثات. وهو أمرٌ مغاير للتخفيف، الذي لم يفعل شيئاً للحد من مخاطر الكوارث، رغم أنه بإمكانه أن يقلل الأضرار. وسيكون من دواعي الأسف، إذا كان التمويل الدولي للتكيف على حساب تمويل التخفيف.

إن أدبيات سياسة التخفيف هي المهيمنة، وذلك من خلال تدابير السيطرة على الانبعاثات بواسطة التحكم بالطلب. ويذكرنا التناقض الأخضر بأنه قد تكون هناك استجابة عرض ضارة لمصادر الطاقة غير المتجددة مثل الوقود الأحفوري.

 

وهذه الرؤية لا تؤدي إلى منهج جديد تماماً لظاهرة الاحتباس الحراري، لكن هذا المنهج الجديد قد يسلط الضوء على مزيج من السياسات الملائمة.

فهو على وجه التحديد يميل إلى الدعم الكمي لتدابير المتعلقة بالسعر، وتكنولوجيات حجز الكربون وخزنه، وعملية حبس الكربون من خلال التشجير، ومن حيث المبدأ، الإعانات المقدمة للحفاظ على الوقود الأحفوري في باطن الأرض.

هناك روابط وثيقة ما بين التخفيف والتكنولوجيا. فتكاليف التخفيف ستعتمد على التقدم التكنولوجي. والتقدم التكنولوجي يعتمد في جزء كبير منع على إشارات السعرية الناجمة عن سياسة التخفيف.

 

ويمكن حث التكنولوجيا أيضاً من خلال نشاطات البحث والتطوير المباشر، ودعم انتشارها، والسعي إلى توفير التكاليف من خلال التعلم بالممارسة. ولكن لا توجد سياسة تكنولوجية قائمة بذاتها وقابلة للتطبيق للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري في ظل غياب جهود التخفيف، التي تقدم إشارات السعر الصحيح.

في المستقبل، من المتوقع أن تحتل الهندسة الجيولوجية حيزاً واسعاً في المناقشات الدائرة حول مجموعة الاستجابات لظاهرة الاحتباس الحراري.

وفي الوقت الراهن، مع بقاء نافذة التخفيف مفتوحة، والعمل الجاد النادر جداً لإنجازات الهندسة الجيولوجية، فلا يوجد لحد الآن أي منهج يفضل استخدام الهندسة الجيولوجية لاستبدال التخفيف.

 

والسؤال الحاسم هو، ما مقدار الجهد الذي ينبغي أن يبذل لفهمٍ أفضلٍ للحلول التي تقدمها الهندسة الجيولوجية؟. فقد يؤدي القيام بذلك إلى إيجاد إغراءات قوية لتعزيز دور الهندسة الجيولوجية، لتكن استراتيجية احتياطية للاستجابة الرئيسية لظاهرة الاحتباس الحراري.

والحلم صعب المنال هو كيف يمكن أن نستغني عن جميع هذه المشاكل غير المفرحة والمكلفة المرتبطة بالتخفيف؟ ، وتحديداً كيف يمكن إيجاد التعاون الدولي الذي يعتبر ضرورياً في هذه الحالة.

ولكن إذا لم نفعل ذلك، وأُغلقت نافذة التخفيف الجدية للحد من الانبعاثات الغازية، وبقينا مع استجابة واحدة محفوفة بالمخاطر وغير مثبتة وفق النماذج التي تمت مناقشتها مسبقاً. 

وإذا كنا لا نبحث في الهندسة الجيولوجية بعمق، وربما قد نتردد في سياسة التكيف وممكن أن نقع في جو كارثي جامح دون أي ملاذ. وفي الحقيقة انه خيار "هوبسيني (Hobbesian Choice).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى