علم الفلك

النوى المجرية النشطة: النجوم الزائفة

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

النوى المجرية النشطة: النجوم الزائفة

إن مجرتنا درب التبانة تعتبر هادئة وفقا للمعايير الكونية ولا تخضع لانفجارات عنيفة، في حين أن المنظومات الأخرى أكثر نشاطا، ومنها على سبيل المثال التي يطلق عليها المجرات الراديوية التي ينبعث منها بشدة عند طول الموجات الراديوية. وبعض هذه المنظومات لها نوى متغيرة غاية في السطوع وتسمى بمجرات سيفيرت )سميت باسم كارل سيفيرت Carl Seyfert الذي لفت الانتباه لها عام 1942(. وبعض المجرات النجمية هي أيضا قوية جدا في المجال الراديوي. وبالطبع ليست المجرات هي المصادر الراديوية الوحيدة، وتبرز هنا بقايا المستعرات العظمى التي تضم بلا شك سديم السرطان. في كامبردج، تم وضع فهارس لهذه المصادر الراديوية، وكان من ضمن الأجسام في الفهرس الثالث No 273 )3C273) الذي أدى إلى اكتشاف مذهل.

لم تطابق دائما المصادر الراديوية أجساما بارزة ومرئية، إذ يُصِر النجمان الساطعان الشعرى اليمانية وسهيل على البقاء صامتين عند طول الموجات الراديوية، وكانت هناك أيضا مشكلة أن في تلك الأيام لم تكن المقاريب الراديوية قادرة على تحديد المصادر بدقة. وأخيرا ولمرة واحدة كانت الطبيعة مفيدة، حيث وقع المصدر الراديوي 3C273 في منطقة من السماء من الممكن احتجابها من قبل القمر، الأمر الذي حدث في 5 أغسطس 1962. وباستخدام المقاريب الراديوية في باركز، أستراليا، استطاع الفلكيون الوصول إلى التوقيت المحدد للحظة التي انقطعت فيها الانبعاثات الراديوية. وبما أن موقع القمر معروفا، كان من الممكن تحديد موقع 3C273 أيضا، والذي اتضح أنه لنجم عادي لونه يميل إلى الأزرق.

تم إرسال هذه النتائج إلى مرصد بالومار في كاليفورنيا، حيث قام مارتن شميدت )Maarten Schmidt( باستخدام مقراب هابل لدراسة الطيف البصري للمصدر الراديوي، وكانت النتائج مذهلة، إذ اتضح أن 3C273 ليس نجما على الإطلاق وأن حقيقته أكثر إثارة بكثير من ذلك. وقد أظهر الانزياح نحو الأحمر أن الجسم يبعد على مسافة نحو 2000 مليون سنة ضوئية، بالإضافة إلى أن التألق كان يفوق تألق المجرة المتوسطة بكثير مع أن الجسم كان يبدو وكأنه نجمي. جاءت بعد ذلك اكتشافات أخرى، واتضح أننا نتعامل مع أجسام من نوع جديد كليا، سميت في البداية QSO (مصادر راديوية شبه-نجمية) ثم ظهر لاحقا أنها ليست جميعها مصادر راديوية قوية، وتم اختصار الاسم ل””quasar أو النجم الزائف.

هناك أكثر من 100,000 نجما زائفا معروفا اليوم، وجميعها نائية جدا إذ يقع أقرب واحد على حسب علمنا الحالي (في 2007) على بعد نحو 700 مليون سنة ضوئية، في حين أن أبعدها يبعد نحو 13,000 مليون سنة ضوئية عنا، وهذه المسافة ليست ببعيدة عما نعتقد أنها الحدود المرئية للكون. ونحن نراها اليوم كما كانت عليه عندما كان الكون يافعا، وبما أننا لم نعثر على أي منها في منطقتنا من الكون فهذا يعني أنه بالفعل لم تتكون أي نجوم زائفة منذ زمن طويل مضى.

ما هو أصل النجوم الزائفة بالضبط؟ ظل الفلكيون لفترة من الوقت بدون إجابة لهذا السؤال، وتم اقتراح عدة نظريات. أصر بعض الفلكيين ومنهم السير فريد هويل أن الانزياحات نحو الأحمر كانت مضللة وأن النجوم الزائفة هي أجسام ثانوية مقذوفة من مجرات قريبة نوعا ما، وما زال هناك البعض من علماء الكون الذين يعتقدون بهذا مع أن الأدلة الحديثة تثبت ضد ذلك.

تُشكِّل النجوم الزائفة قلب المجرات الشديدة النشاط التي تتغذى الثقوب السوداء الفائقة الكتلة فيها على المواد الواردة إليها. وفي عدة حالات تمكنَّا من تصوير المجرات المضيفة في الضوء المرئي. قد يكون الواقع أن النجوم الزائفة تبقى نشطة فقط لمدة محدودة، ومن المحتمل أيضا أن جميع المجرات تمر في مرحلة النجم الزائف التي لا تستمر طويلا.

أول نجم زائف تم التعرف عليه في سمائنا كان الأشد سطوعا، وهو 3C273 في العذراء. يبلغ قدره الظاهري 12.8 ولذلك فإنه يظهر بسهولة باستخدام المقراب، ولو كان بالإمكان مشاهدته من ’المسافة القياسية’ وهي 10 بارسك (32.6 سنة ضوئية) لبدا سطوعه كسطوع الشمس.

إن بُعد النجوم الزائفة يعني أنه من الممكن استخدامها لدراسة المادة البينجمية والبينمجرية، حيث أن ضوء النجم الزائف يجب عليه أن يعبر من خلال هذه المادة قبل أن يصل إلينا، وتترك المادة بصمتها على طيف النجم الزائف. بإمكاننا تحديد أي الخطوط تابعة للنجم الزائف وأيها ليست له لأن الخطوط غير التابعة للنجم الزائف لن تشترك في الانزياح العام نحو الأحمر. وهناك أيضا تأثير ’عدسة الجاذبية’، بما معناه أنه لو عبر الضوء القادم من مصدر ناء بالقرب من جسم عالي الكتلة في طريقه لانحنت الأشعة الضوئية والنتيجة تكون تكوين عدة صور للجسم ذاته في خلفيته. وإذا لم يكن الاصطفاف مضبوطا ستظل هناك تأثيرات واضحة، وعندنا مثال جيد لذلك هو G2237+0305، وهو عبارة عن مجرة على بعد 400 مليون سنة ضوئية ومن ورائها يقع نجم زائف على بعد 8000 مليون سنة ضوئية. ينقسم الضوء الصادر من النجم الزائف مُكوِّنا بذلك أربعة صور محيطة بالمجرة العدسية، وغالبا ما يسمى هذا بصليب أينشتاين بما أن ألبرت آينشتاين(Albert Einstein) كان أول من تنبأ بحدوث مثل هذه التأثيرات.

لو كان الاصطفاف أقل من مثالي لظهرت ’أقواس’ غير مكتملة للجسم الموجود في الخلفية. أما إذا كان الاصطفاف تاما فستظهر حلقة آينشتاين، التي تم التعرف على الكثير منها حتى اليوم. وأخيرا، من الممكن أن يتدخل جسم ويقوم بتبئير صورة جسم آخر أبعد بكثير ويُكبِّرها فيُمَكننا بذلك من رؤية جسم لم يكن بوسعنا رؤيته غير ذلك.

وبالطبع قد تغير الكثير منذ اكتشاف 3C273 من أكثر من أربعين سنة، فالأساليب الراديوية الحديثة تمكننا من تحديد المصادر المنفردة بدقة فائقة، ولا حاجة لنا للاعتماد على المساعدة من القمر. والنجوم الزائفة موجودة بوفرة، وموجود أيضا أجسام BL العضاءة (BL Lacs) التي تشبه النجوم الزائفة ويُحتمل أن تكون مجرد نجوم زائفة مرئية من زاوية ضيقة. أخذت اسمها من أول جسم اكتشف من هذه الفئة، الذي اعتُقِد أنه نجم متغير عادي وصُنِّف وفقا للتصنيف المعروف للنجوم المتغيرة.

حتى هذه اللحظة ونحن نتحدث عن الكون المنظور، فماذا إذًا عن الأجزاء من الكون التي لا يمكننا رؤيتها حتى باستخدام أقوى المقاريب لدينا؟

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى