العلوم الإنسانية والإجتماعية

النموّ الاقتصادي في مجتمعات السوق

2014 مجتمع السوق

سبايز بوتشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

التعريف الشائع للنموّ الاقتصادي هو ارتفاع "الدخل الوطني" (National Income) في بلد ما. ويستخدم مستوى النموّ لإظهار الأداء الاقتصادي لبلد ما وغالباً ما يقاس من خلال الناتج الإجمالي المحلي (Gross Domestic Product DGF).

ويقيس الناتج الإجمالي المحلي القيمة السوقية لكل البضاعة والخدمات النهائية التي تنتج ضمن حدود البلد في خلال فترة زمنية محددة، عادةً تكون سنة أو ربع سنة. ويشير ذلك إلى أنه كلّما زادت كميّة السلع التي يتم إنتاجها، كلّما نما مدخول الدولة. غير أن الناتج الإجمالي المحلي لا يعكس كلّ النشاطات الاقتصادية. فـ"القيمة السوقية" (Market Value) التي يسجلها الناتج الإجمالي المحلي تشير إلى السعر الذي يدفعه الناس مقابل السلع في السوق، ما يعني أن البضاعة والخدمات المستخدمة التي لا تباع ولا تشترى، لا تحتسب. مثلاً، الناتج المحلي الإجمالي يستثني "الخدمة" (Service) التي يقدمها شخص ما عند طهوه الطعام لعائلته. كما أنه لا يشمل إلا السلع "النهائية" (Final) لأن البضاعة الوسيطة مثل مكوّنات جهاز كمبيوتر مثلاً، تستثنى لأنه يفترض أن تظهر قيمتها في سعر البضاعة النهائية (أي الكمبيوتر).

ويوصف الناتج الإجمالي المحلي بـ"الإجمالي" (Gross) بدلاً من "الصافي" (Net)، لأنه على الرغم من أن القيمة تستثني البضاعة الوسيطة، إلا أنه لا يتم انتقاص قيمة شراء بضاعة رأسمال التي تحلّ مكان الماكينات الموجودة. يعني هذا الاستبدال أن القدرة الإنتاجية لا تتغير، غير أن الناتج الإجمالي المحلي يرتفع. كما أن فقدان "الرأسمال الطبيعي" (Natural Capital) مثل الغابات أو الأنهار هو ناتج محلي إجمالي غير محسوب.

أحياناً يوصف الناتج المحلي الإجمالي بأنه ناتج محلي إجمالي "حقيقي" (Real)، ما يعني أنه تم تعديل البيانات لاحتساب التضخم، من خلال تعديل قيمة الإنتاج استناداً إلى معدل التضخم. ويعتبر ذلك مؤشراً أكثر دقة إلى الإنتاج الحقيقي لأن مراحل التضخم المرتفع والبيانات غير المعدّلة على أساسه قد تعطي صورةً خاطئةً. كما يمكن استخدام الناتج المحلي الإجمالي لمقارنة النموّ الاقتصادي في بلد ما بالنموّ في بلد آخر. ويأخذ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في عين الاعتبار الفرق بين السكان في البلدان، ما يعطي صورةً أوضح عن الموارد المتوفرة للفرد. ويؤدي النموّ إلى المزيد من السلع للاستخدام وإلى طرق جديدة أكثر فعالية لإنتاجها، ما يعني إنتاجية إضافية أو زيادة في المخرجات لكلّ وحدة من المدخلات. كما أن تحسّن الإنتاجية قد يقود إلى أجور حقيقية أعلى. ويرتبط النموّ الاقتصادي أيضاً بإنتاج أنواع جديدة تماماً من البضاعة والخدمات، ما يؤدي إلى إنشاء صناعات جديدة وأنواع جديدة من العمل.

الفكرة القائلة إن النموّ الاقتصادي يحسّن المستوى المعيشي ليست بجديدة. فآدام سميث، على سبيل المثال، قال إن مجتمع السوق الناشئ هو المكان حيث "ينتشر الكثير في كافة فئات المجتمع" (Smith 1904 [1776]). فاستناداً لسميث، توفّر السلع "للطبقات الأفقر" (Poorer Classes) كان دليلاً على التقدم وقد أدى النموّ الاقتصادي المستدام، بالفعل، إلى ازدهار أوسع. مثلاً، الازدهار الذي استمر لفترة طويلة بعد الحرب العالمية الثانية شهد "حقبة ذهبية" (Golden Age) من النموّ الذي أدى إلى معدلات منخفضة من البطالة ومستويات عالية من الاستثمارات والتجارة (في الدول الثرية على الأقل).

كما توجد صلة تجريبية قوية بين النموّ الاقتصادي والبطالة، حيث تؤدي عادةً معدلات النموّ الاقتصادي المنخفضة أو السلبية إلى زيادة كبيرة في مستوى البطالة. وتحل البطالة حين يعجز أشخاص يبحثون بجهد عن عمل عن إيجاد عمل مقابل أجر. وبما أن معظم الأشخاص في عمر العمل، يؤمنون مدخولهم من عملهم، يهدد تراجع النموّ بعواقب مدمّرة في ما خصّ خسارة المداخيل. كما أن البعض قد يعاني من "بطالة مقنعة" (Underemployed)، حيث يعمل في وظيفة تؤمّن له نوعاً ما من الأجر، ولكنه يفضّل أو يحتاج إلى المزيد. كما يمكن الحديث عن "البطالة الخفية"(Hidden Unemployet) ، حيث يتخلى الناس عن البحث عن عمل، ولكنهم يعودون على الأرجح إلى سوق العمل في حال تحسنت الظروف.

وتحمّل كافة هذه الأنواع من البطالة تكلفةً عاليةً على الأفراد وعائلاتهم، وكذلك على الاقتصاد من خلال خسارة الإنتاج. وفيما لعب النموّ دوراً كبيراً في تنمية مجتمعات السوق إلا أن توسيع إنتاج السلع وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، لا يؤدي دائماً إلى وظائف إضافية. حتى أولئك الذين يشاركون في تطوير قياسات للنموّ، حذّروا من فهم النموّ على أنه وضع اقتصادي جيد تلقائياً (انظر(Kuznets 1934)). وكما يشير تعريف الناتج المحلي الإجمالي، هو لا يشمل كافة جوانب اقتصاد الرفاه (مراجعة المربّع 3.1).

مشاكل النموّ

تم تحدّي فكرة أن النموّ الاقتصادي مؤشر للصحة الاقتصادية والتقدم الاجتماعي. هذا لأن التركيز على توسيع إنتاج السلع في إطار الناتج المحلي الإجمالي يستثني العديد من القياسات المنطقية للرفاه. ويشمل ذلك السعادة والعمر المتوقع عند الولادة والصحة العقلية والحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. فمن الواضح إذاً أن النموّ الاقتصادي مقياس جزئي للرفاه العام.

وتشمل الأمثلة على التأثير الخارجي: التغير المناخي الناجم عن استخدام الكربون، أو حتى الضغوط التي تعاني منها العائلة بسبب ساعات العمل الطويلة التي تحدّ من قدرتها على التفاعل الاجتماعي. ولا تعكس أرقام الناتج الإجمالي المحلي التكاليف الاجتماعية والبيئية الكاملة لتحقيق النموّ الاقتصادي. فلو أخذت في عين الاعتبار، لكان الرقم على الأرجح أدنى بكثير.للنموّ الاقتصادي تكلفة اجتماعية وبيئية لا تدخل في أرقام الحساب الوطني. فالناتج الإجمالي المحلي لا يقيس إلا السلع التي تسعّر ويتم تبادلها في الأسواق الرسمية. وفي إطار عملية إنتاج بضاعة وخدمات للبيع، تظهر تكاليف أخرى لا يتم تسعيرها لذا لا تحتسب في الناتج الإجمالي المحلي. وتعرف التكاليف الاجتماعية والبيئية التي لا تسعّر بـ "التأثير الخارجي" (Externalities) (انظر الفصل 5 و 9).

مما يثير الدهشة أن الآثار الاجتماعية والبيئية السلبية للنشاط الاقتصادي قد "تضيف" إلى الناتج الإجمالي المحلي! مثلاً، أعمال التنظيف والإصلاحات التي تعقب تسرباً نفطياً أو رمي نفايات سامة، يزيد المستوى الإجمالي للنشاط الاقتصادي، كما تنشط الرعاية الصحية وإصلاح السيارات بعد حادث مروري. فكلّ هذه "الانفاقات الدفاعية" (Defensive Expenditures) تزيد الناتج الإجمالي المحلي حتى لو أن "رفاهنا" يتراجع(Jacobs 1991) .

دفع ذلك بالبعض للبحث عن مقاييس بديلة. فقد قدمت نوفا سكوشا "مؤشر تقدم حقيقي" (Genuine Progress Index) عام 1997 كما طوّر "المعهد الأسترالي" مؤشر تقدم حقيقي مماثل (1997Hamilton ). ويمكننا الحديث أيضاً عن المؤشر الكندي للرفاه (2010 (Michalos et al . وتظهر هذه "المقاسات" المختلفة أن التقدم الاجتماعي الأوسع كان أبطأ بشكل كبير من النموّ في الناتج الإجمالي المحلي.

وعلى المستوى الدولي، يوجد العديد من المقاييس البديلة، على الأخص مؤشر التنمية البشرية الخاص بالأمم المتحدة. ويساهم في تصنيف "التنمية" في الدول استناداً إلى ثلاثة مؤشرات أساسية: العمر المتوقع عند الولادة، التعليم والقوة الشرائية. لقد وضعت الأمم المتحدة هذا المؤشر لجعل البشر أساس التركيز في السياسة التنموية وهو يستخدم سنوياً في تقارير الأمم المتحدة التنموية (برنامج الأمم المتحدة التنموي 1990-2011) (المربّع 1.3).

كما يمكن أن نشير إلى "مبادرة الحياة الفضلى" (Better Life Initiative) التي أطلقتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  (OECD) والهادفة إلى تصنيف الدول استناداً إلى مؤشرات عدّة، ما يؤدي إلى مؤشر يمكّن الناس من اختيار أولوياتهم الخاصة. مثلاً، فيما تتمتع الولايات المتحدة بثاني أعلى مدخول للفرد، إلا أنها تقع في المرتبة الثالثة عشرة في ما خصّ فرص التقدم للأفراد وفي المرتبة 29 على صعيد الأمان  (OECD 2011).

كيف يحصل النموّ؟

حقق خبراء الاقتصاد السياسي الكلاسيكي في القدرة الفريدة لاقتصاد السوق الصناعي الجديد على الإنتاج ثروة طائلة. فقد بحث علماء مثل آدم سميث ودايفد ريكاردو وكارل ماركس كيف يعمل الإنتاج وكيف يساهم في النموّ. وعلى الرغم من أنهم قد يختلفون حول طبيعة عملية الإنتاج أو عدالة التوزيع الاقتصادي، فقد اتفق معظمهم على أن النموّ بحدّ ذاته كان أمراً جيداً. وقد دمجت منذ ذلك الحين أفكارهم في النظريات المعاصرة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى