التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

النجاح والفشل جزء من الشخصبة الإنسانية . لنسامح التصميم تفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

فالثقة والشك، كالنجاح والفشل، جزء من الشخصية الإنسانية. جميعنا نأمل تحاشي الفشل وأن ننجح فيما نقوم به، سواء كمهندس مهني أو أي عضو آخر من مجموعة البشر المبتكرين (Homo Faber) القادرين على تصنيع أشياء سواء كان ذلك نحت قدح صوّان أو شطر ذرة، فالبشر يسعون لتحويل الأشياء المكتشفة في العالم لأشياء تساعد على القيام بمهمات، والحصول على المعرفة التي هي ليست جزءاً من النظام الطبيعي للأشياء. فالإنسان المبتكر يريد تغيير هذا النظام وتغييره من دون فشل – مع وثوقه بأن هذا التغيير سيعمل [بنجاح].

عندما ينجح شخص ما في اكتساب مهارة مفيدة والعمل بموجبها، فإننا نكرّم هذا الشخص بتسميته معلماً[خبيراً] (Master). وطريقة المعلّم تصبح نموذجاً للمحاكاة. هكذا تمّ تناقل التكنولوجيا عبر الأجيال، وهي الطريقة التي استمر فيها صنع رؤوس السهام بأعداد كبيرة، والعديد منها ما زال مدفوناً في البراري والوديان بانتظار من يكتشفها من آثاريين في عطلات نهاية الأسبوع، ومن قِبل قنّاصي القطع الأثرية، ويعلم هؤلاء المغامرون ما يفتشون عنه، فبالرغم من أن كل رأس سهم له صفاته الخاصة، إلّا أنه سريعاً ما يتم التعرّف عليه كمثال لشيء متعمد التصميم.

فنحن لا نقوم الآن بنحت الأحجار لتكون رؤوساً لسهام، ولكن ما زلنا نصمّم ونصنع أشياء مختلفة الأنواع، وبعض هذه الأشياء حزم برمجية للحواسيب والبعض الآخر مبانٍ عالية، ومهما تكن هذه الأشياء فهي عرضة للفشل بطريقة أو بأخرى، والنجاح والفشل يمكن أن يكونا نسبيين أيضاً، فقد يكون ما رُحّب به كتصميم ناجح قد ينظر له من قبل مخترع ناقد كتصميم فاشل. ففي السبعينات من القرن الماضي عندما كان مركز سيتي كورب (Citycorp) (والآن سيتي غروب (Citigroup)) في نيويورك في مرحلة التخطيط اتسمت تلك الفترة الزمنية بالوعي المتزايد للبيئة، ونُظر إلى الطاقة الشمسية كوسيلة بيئية مناسبة لتوليد الطاقة الكهربائية. فنصب الألواح الشمسية في سطح البناية في الجانب الجنوبي المائل المواجه لا تعتبر فكرة جيدة لتوفير الطاقة فحسب، بل هي أيضاً وسيلة ذات معنى للعلاقات العامة، وقاعدة المبنى وجب أن تكون مميزة كما سقفه، ولكن لسبب مختلف. عندما كانت سيتي كورب تسعى لاستملاك أرض لتقيم عليها هيكلها الرائد، رفضت كنيسة القديس بطرس (St. Peter’s Church) بيع الأرض الواقعة في زاوية شارع 54 شرق جادة ليكسنغتون (Lexington Avenue)، لكنها كانت مستعدة للاتفاق على منح حقوق استخدام الفضاء فوق الكنيسة، مما سمح لسيتي كورب الشروع بإنشاء بناية مربعة الشكل امتد جانبها الشمالي الغربي على شكل دعامة ناتئة (Cantilever) فوق مبنى الكنيسة الجديد الذي قامت سيتي كورب بتشييده للقديس بطرس كجزء من الصفقة وفي الواقع أن الزوايا الأربعة لمبنى برج سيتي كورب المربع امتدت على شكل دعامات ناتئة، واستدعى ذلك إنشاء إطارات هيكلية غير تقليدية. فمن دون استخدام المساند التقليدية في الزوايا، تم إسناد المبنى ذي ارتفاع 915 قدم على دعامات واقعة في مركز كل جانب من الجوانب الأربعة. فكأن أرجل طاولة للعب الورق نقلت من زوايا الطاولة إلى مواقع حيث يجلس اللاعبون لتصبح زوايا الطاولة معلقة في الهواء – أو فوق رُكب اللاعبي، وطاولة كهذه يمكن لها أن تنقلب بسهولة، مقارنة بالطاولة الاعتيادية، واحتمال الإنقلاب أكثر بين رجلين متجاورتين أكثر من بين رجلين متقابلين.

وقد ثبت أن هذه الخاصية قد تكون السبب البسيط في انهيار برج سيتي كورب الجديد. فكل مبنى مرتفع، إن لم يكن صلباً بما فيه الكفاية، قد يميل بشكل مفرط بسبب الريح، ولمواجهة هذه المشكلة، تم تركيب جهاز يطلق عليه مثبط ضبط الكتلة (Tune-Mass Damper) قرب قمة المبنى لكي يعادل الحركة المفرطة، ولغرض إعطاء المبنى صلابة إضافية كان المطلوب لحامُ جميع المفاصل. إلّا أنه في الفترة ما بين التصميم الأولي والتنفيذ، تم استبدال عملية اللحام باستخدام ترابيس (Bolts) ما جعل الهيكل أكثر مرونة وبالتالي أكثر عرضة للانهيار في حالة الأعاصير، وتم تحاشي الكارثة الممكنة من خلال التفكير السريع والسليم لمهندس إنشاءات المبنى، وليام لوميسورييه (William LeMessurier)، الذي قام حال معرفته الأمر بإجراء حسابات سريعة أقنع فيها مالك المبنى الجديد بإضافة صفائح تقوية في مواقع المفاصل التي استخدم فيها الترباس بواسطة اللحام وقبل موسم الأعاصيرk وتم فعلاً ذلك، والمبنى ما زال قائماً بشكل آمن منذ 1977.

لا يمكن اكتشاف جميع الأخطاء والتعديلات بهذه السرعة ومن ثم معالجتها أيضاً. فالمعروف أن البرمجيات مشهورة بأخطائها (Bugs)، والتي عادة ما تعالج من خلال التحديثات، وأحياناً لا تعالج. وفي بعض الحالات، يكون التعديل سبباً في إحداث أخطاء جديدة، كما هو الحال في تعديل التصميم الذي قد يؤدي إلى حالة فشل جديدة، واختبار التعديل البرمجي بمعزل عن البرنامج الكلي الذي هو جزء منه قد لا يعني شيئا،ً كما هو الحال لو تم اختبار مساند عارضة إنشائية من دون العارضة نفسها، والأخطاء البرمجية تكون عادة غير ضارّة ولا أهمية لها إذا تعدت عمليات الاجتثاث لمرحلة يطلق عليها التطوير البرمجي (Software Development) واختبار بيتا [التجريبي] (Beta Testing). لذا فمثل هذه الأخطاء تمرّ من دون أن تُكتشف إلّا في حالات غير عادية. في منتصف التسعينات اكتشف أحد الرياضيين أن رقاقة البنتيوم التي كانت حديثة التصنيع آنئذٍ أعطت نتائج غير صحيحة في بعض الأحيان عندما تضرب رقمين كبيرين جداً ببعضهما، وهي حالة لا يقوم المستخدم العادي بإجرائها في معظم الظروف الاعتيادية. ففي البداية تحرّى الرياضي عن الخطأ في الحسابات التي قام بها، ولم يكتشف، ولا زملائه العلميين والمهندسين، الخطأ. في النهاية اعترفت شركة إنتل المصنعة للرقاقة الإلكترونية أن "خطأً حاذقاً" (Subtle Flaw) قد انغرس فيها. كل هذا يشير إلى نوع من القياس المنطقي (Syllogism): أن التكنولوجيا من عمل الإنسان. والإنسان عرضة للخطأ، لذلك فالتكنولوجيا أيضاً معرضة للخطأ. وبمعنى آخر، إن المنظومات التكنولوجية كافة مليئة بأخطاء محتملة وعفاريت، وعندما تكون الأخطاء الكامنة والأعطال والأغلاط غير ضارة ولا تؤثّر في الوظيفة الكلية للمنظومة، يمكن لهذه الأخطاء أن تستمر على مدى عمر المنظومة ولا تكتشف. فكل شيء يعمل رغماً عن أخطاء أساسية فيه نسميّه نجاحاً، وعندما تتجسّد هذه الأخطاء وتؤدّي إلى أعطال، وربما توقّف كلي، نطلق على ذلك فشلاً، وقد يقع اللوم على التصميم، ولكن باقتباس النص الكوميدي من شخصية بوجو (Pogo)، التصميم هو نحن.

جهاز الآيفون معروف عند بعض المستخدمين باستقبال ضعيف، مما يُسقط بعض النداءات، وقد أثيرت هذه القضية عند إطلاق الآيفون 4 في 23 حزيران/ يونيو 2010. وبدأت تقارير تنتشر بأن عدد القضبان الصغيرة التي تدل على قوة الإشارة يتقلّص عددها بشكل ملحوظ عندما يُمسك الجهاز بطريقة معيّنة، وكانت إحدى المزايا المعلنة عن الجهاز الجديد هو الهوائي (Antenna) المحسّن المنغرس في الحواف المعدنية اللامعة للجهاز – والتي عزى المستخدمون سبب ضعف الإشارة إليها، خاصة عندما تكون الأصابع أو كفّ اليد على تماسٍ بالجانب السفلي الأيسر من الجهاز، وكانت توصية شركة آبل المبكرة للمستخدمين في البداية أنه في حالة اكتشاف هبوط في الإشارة مسك الجهاز بطريقة مختلفة. ثم اعترفت شركة آبل برسالة مفتوحة لجميع مستخدمي الآيفون 4 في 2 تموز/ يوليو 2010 أنها تستغرب من التقارير المتعددة حول مشاكل الاستقبال (على الأقل قام عالم اجتماعي باستخدام كلمة "استغراب" لتحاشي التبعات السلبية لمفهوم كلمة فشل، والتي تعني أن خطأً قد وقع). فبعد أن ذكرت الرسالة أن جهاز الآيفون 4 هو "أنجح منتج في تاريخ شركة أبل"، ووصف الجهاز بأنه "أحسن هاتف جوال ذكي قاطبة". ذكرت الرسالة أن الشركة بدأت مباشرة بالتحقّق من التقارير حال قراءتها، وما اكتُشف (حسب رسالة الشركة) أن العطل "بسيط ومستغرب"، واعترفت آبل أنها ذُهلت لاكتشاف أن المعادلة المستخدمة لتحديد عدد الخطوط أو القضبان التي تظهر على  الشاشة والتي تعكس قوة الإشارة كانت خاطئة كلياً. مما يعني، على سبيل المثال، أنه عندما تظهر 4 قضبان على شاشة الجهاز، الذي يعني إشارة قوية، كان من المفروض أن يكون عددها قضيبين فقط. لذا فالمستخدم يعتقد أنه يستلم إشارة قوية بينما الواقع غير ذلك. واعترفت الشركة أيضاً أن البرنامج الخاطئ قد استعمل في جميع منتجات الآيفون منذ البداية، لكن أحد المراقبين اتهم شركة آبل "بمحاولة تبرئة نفسها بقولها إن هذا الخطأ الظاهري ليس بخطأ لأنه كان موجوداً في الآيفون طول الوقت"، وفي رسالتها استدركت آبل لتقول إنها ستصحّح الخطأ من خلال تبنّي معادلة أوصت بها شركة أي تي أند تي AT&T لاحتساب عدد القضبان الواجب إظهارها على شاشة الجهاز.

لن يُعرف لماذا لم تكتشف آبل الخطأ في الخوارزمية المستخدمة لاحتساب عدد القضبان الظاهرة على شاشة الآيفون قبل إطلاق جهاز الآيفون 4، ومن المستغرب أن الشركة لم تقم بتوضيح ذلك. لربما أن محاولات تحليل ضعف الإرسال السابق قد ركّز كلياً على تحسين الهوائي المستقبل للإشارة إلى درجة أثّرت في عدم التركيز على اكتشاف السبب الأكثر عمقاً، وهو مؤشّر قوة الإشارة الخاطئ. ولم تقتنع تقارير المستهلك (Consumer Reports) بتوضيحات آبل (Apple) واستمرت بالتأكيد على أن مشكلة الآي-فون هي مشكلة إلكترونية وليست برمجية، وقد وجدت آبل طريقة سريعة وغير أنيقة لتغطية الفجوة الموجودة في معدن الهوائي باستخدام وصلة من شريط لاصق غير موصل، لكنها شوّهت المنظر الباهي للجهاز. بعد ذلك، ومن خلال تحديث آخر، وافق نصير المستهلكين (Consumer Champion) على "علبة جزئية مانعة" مصنوعة من المطاط والبلاستيك تمنع الهوائي من الاتصال المباشر بكف اليد أو أصابع المستخدم، وعلى كل حال، لم يغفر الناقد، من خلال تقارير المستهلك، للتصميم ولم يوصِ بشراء الآي-فون الجديد إلّا حين قامت آبل بابتكار حلّ دائم مجاني للهوائي المشكلة، وقد قامت الشركة بذلك على شكل مصدّات مجانية ادعت الشركة أنها "أضافت مظهراً بهياً للآي فون4".

تعقّد موضوع الآي-فون أكثر من خلال تسرّب أخبار مسندة إلى أحد كبار خبراء تصميم الهوائي في شركة آبل أنه حذّر ستيف جوبز(Steve Jobs) ، ذا الشخصية الساحرة عندما كان الرئيس التنفيذي، في وقت مبكّر في مرحلة التصميم أن هناك خطأً في تصميم الهوائي سيؤثّر سلباً في الاستقبال ويؤدّي إلى قطع بعض المكالمات، وقد تم معرفة اسم الخبير روبن كاباليرو (Rubin Caballero)، الذي قيل إنه أخبر إدارة آبل أن تصميم الهوائي الملفوف "يشكّل تحدياً هندسياً خطيراً". فلكي يعمل الهوائي في المجالات المختلفة للذبذبات الراديوية المستخدمة من قِبل الشبكات المتعدّدة للهواتف اللاسلكية، يجب أن تتشكّل الوصلة المعدنية المستخدمة من أجزاء معزولة عن بعضها، والفجوة العازلة في الجزء الأسفل الشمالي لجهاز الآي-فون 4، والتي تحدّد البداية والنهاية للوصلة المعدنية المكوّنة للحافة، بالإمكان إبطال مفعولها بإصبع بشري، إذ يعتبر موصلاً للكهربائية، مما قد ينتج منه انقطاع في المكالمة. وتبعاً لستيف جوبز لقد قامت آبل باختبار التصميم "وعلمت أنه عن أنأندما يمسك الجهاز بشكل معيّن فإن قضبان الاشارة تتراجع قليلاً"، ولكنها "لم تتخيل أنها مشكلة كبيرة، لأن كل هاتف ذكي يعاني من نفس المشكلة". لذا فإن مخاوف المهندس حول تصميم الهوائي كانت مبنية على أسس سليمة. وكانت هناك تحذيرات أخرى حول تصميم الهوائي، إلّا أنه من الواضح أن إدارة آبل أعطت أسبقية أعلى لصالح التصميم الصقيل المدهش للجهاز والذي نتج منه "جهاز أخفّ وأرقّ" من أي جهاز آخر، واستطاعت الشركة الالتزام بموعد إطلاق الجهاز على حساب هوائي معطّل، وفي هذه الحالة فإن إشكالية الآي-فون 4 تذكّرنا بثقافة الأعطال واختلافات المدير – المهندس التي ظهرت في كوارث كان يمكن تجنّبها كفقدان المركبة الفضائية تشالنجر والانفجار الذي حدث لاحقاً في تسرب البترول ذي العلاقة بآلة الحفر شبه الغاطسة ديب-ووتر هورايزن في خليج المكسيك والتي سيتم مناقشتها في مكان لاحق من الكتاب.

في جميع حالات المفاجأة أو الفشل، لا تكون الكارثة التكنولوجية في حدوث حالات الفشل بل في عدم تعلّمنا الدروس الصحيحة منها. فكل حالة من حالات الفشل هي كشف عن الجهل، وتجربة عن حادثة طارئة، ومجموع بيانات محصّلة تحوي مفاتيح ألغاز تؤشّر للأسباب، وتؤشّر أبعد من ذلك للأخطاء التي اقترفت في التصميم، والتصنيع، والاستخدام. ففي عدم تتبع تسلسل ما حصل حتى الوصول المصدر الرئيس يعني إهمال الفرصة لفهم أفضل لطبيعة التكنولوجيا وتفاعلنا معها. لأن التصميم الناجح هو استباق الفشل وتحاشيه، فكل فشل جديد – مهما كان غير مؤذٍ – يقدّم لنا وسائل إضافية لفهم أوسع لكيفية تحقيق نجاح أوسع، وسيوجد دائماً العديد من الأخطاء التي ستقترف، من دون إعادة للأخطاء القديمة، وهذه الأخطاء تتضمّن، بالطبع، أخطاءً لا تقتصر على الأجهزة والبرمجيات فحسب، بل تشمل المهندسين والمدراء والاتصالات التي أُسقطت أو أُهملت والتي أدّت إلى عزل البعض عن البعض الآخر.

هذا لا يعني أن علينا تشجيع أو ترويج، أو التهليل لحالات الفشل مهما كان نوعها. ليس من شخص، وبالأخص بين المهندسين، يرغب أن يرى منظومة أو جهازاً يفشل في القيام بالوظيفة المصمّم من أجلها بشكل صحيح وكامل، ولأننا بشر، وبالتالي عُرضة للخطأ، علينا ألّا نتبجّح في اعتقاد أن أي شيء نصمّمه خالٍ من الآعطال التي أدخلناها في المنظومة أو الجهاز، وكما لاحظ نيوتن في مقدمته لكتاب برنسيبا ماتيماتيكا [مبادئ الرياضيات] (Principia Mathematica) "إن الأخطاء ليست في الفن بل بصنّاعه" (Errors are not in the Art but in the Artificers). فعندما تظهر الأخطاء والأعطال على شكل فشل علني علينا أن نتصدّى لدور زارعٍ لبذور الفشل في التصميم، ونقوم بالجهد المطلوب بتفكيك الحادث وإعلان الدروس المستقاة منه. فبهذه الوسيلة فقط نأمل أن نكتسب الغفران ونساعد أنفسنا وزملاءنا المهنيين لكي لا نقترف نفس الخطأ ثانية، ولكي يرسخَ الدرس في الأذهان، علينا ترديد القول المأثور حول استغفالنا، متخيلين المصمّم مخاطباً التصميم: "عار عليك إن خذلتني مرّة، وعار عليَّ إن خذلتني مرتين".

الطريقة السليمة لتحاشي الخذلان أن تكون حكيماً في تصميمك، والطريق للحكمة والنجاح هو في فهم الفشل، ومن الطبيعي أنه كلما ازدادت معرفتنا بالفشل، بشكل محدّد أو بشكل عام، كلما ازداد أملنا في فهمه بشكل أفضل. تحدث الأغلاط والأخطاء التي تقود إلى الفشل منذ أن سعى الإنسان لابتكار وتصميم تحسينات في عالمنا كما نجده، ولكننا نستمر باقتراف الأخطاء وليس هناك سبب يدعونا إلى أن نفكر أننا سنتوقّف عن ذلك في المستقبل غير المحدّد. نحن بشر ولكننا نحن أيضاً كائنات تكنولوجية، وبذلك نعيش مع بعض الأشياء التي لا نفهمها بشكل تام؛ وأولى هذه الأشياء كانت الأشياء الميكانيكية، إلّا أننا في العالم المعاصر لدينا أشياء كيميائية وكهربائية وإلكترونية وذرية وأشياء رخوة (Soft) – أشياء ومنظومات لأشياء متزايدة في التعقيد اختُرعت وصُمّمت لتحسين حياتنا اليومية ولتساعدنا على تحقيق آمالنا كمخلوقات واعية، والهدف من تصميم الأشياء هو تنفيذها، قدر ما نستطيع بشرياً، من دون فشل.

للأسف فاحتمالات الفشل مستترة في مكان ما داخل كل تصميم، وينصّ قانون مارفي (Murphy’s Law) [المشهور]  على أنه إذا كان هناك احتمال لخطأ، فالخطأ سيحصل لا محالة. وبالنسبة للمنظومات التكنولوجية فحالة القانون تقع بين الحقيقة المطلقة والمزحة المنفعلة، والإشارة إلى قانون مارفي قد تلطّف الجو في اجتماع للمصممين، أو خلال اختبار حرج، ولكن خلف كل ابتسامة أو ضحكة هناك الخوف من أن هذا القانون ليس بمزحة. في الواقع، إن كان قانون مارفي صحيحاً فستلحقه اللازمة بأن الفشل حتمي، وقد يبدو ذلك تشاؤمياً أكثر مما يجب لأن تاريخ التكنولوجيا مليء بأمثلة لمكائن وهياكل ومنظومات ناجحة. لكن الاحتمال الكبير أن حالات النجاح عادةً ما تكون مسبوقة بحالات من الفشل التنويري.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى