الطب

المراحل التاريخية لفقدان الشهية العصبي

1997 فقدان الشهية العصبي

الدكتور أحمد محمد عبدالخالق

KFAS

فقدان الشهية العصبي الطب

اشتقت كلمة Anorexia من اللغة اليونانية، وتعني نقص الشهية أو تجنب الطعام والاشمئزاز منه.

ولكن المصطلح كما يستخدم إكلينكيا في بحوث اضطرابات الأكل يعد تسمية خاطئة، لأن الشهية لا تتناقص تماماً لدى المريض، ولكن الشهية – بالأحرى – تتعدل وتتشوه ويتم التحكم فيها بقوة شديدة . ومع ذلك فقد شاع المصطلح برغم ما يثار ضده.

وتعرض بعض بحوث فقدان الشهية واضطرابات الأكل مسحاً تاريخياً مستفيضاً، ويقسم "سلابي، دنجر" (39) تاريخ فقدان الشهية العصبي إلى خمس مراحل كما يلي:

1-  الملاحظات المبكرة.

2- العصر الفيكتوري.

3- الحقبة البيولوجية.

4- الحقبة التحليلية النفسية.

5- الموقع الراهن.

ونعرض في الفقرات التالية نبذة عن كل مرحلة.

 

1-  الملاحظات المبكرة

يسجل التاريخ أن الأطباء العرب في القرن التاسع الميلادي استخدموا عدداً من الطرق السيكولوجية الفنية في ممارستهم للطب. ومن الأمثلة على ذلك في القرن التاسع الميلادي، الطبيب السوري "بختيشوع بن جبرائيل"Bukhtishu ibn Jibrad (وهو سوريالي الأصلي) فقد استخدم تعديل السلوك مع عدد من الخلفاء.

حيث عالج "جبراد" بنجاح أميراً في العقد الثاني من عمره، وكان يرفض الطعام والشراب، فعالجه عن طريق تقديم مكافآت له لتناوله الطعام والشراب.

وعلى الرغم من أن الطبيعة الدقيقة للمرض قد فقدت عبر التاريخ، فقد كان هناك مثال لأحد اضطرابات الأكل التي استجابت لطرق تعديل السلوك.

وفي الوقت نفسه تقريباً في أوروبا ظهرت مجموعة دينية أعلنت أن الملامح الإكلينيكية والدراسة النفسية لفقدان الشهية العصبي وعلاجها قد فهمت من قبل سلطات الكنيسة، ذلك أن الابنة السابعة لملك البرتغال كانت قد علمت بأن والدها القاسي عقد العزم على تزويجها من ملك صقلية.

 

فما كان منها إلا أن وهبت نفسها إلى حياة الطهارة من أجل الله، وحتى تحفظ جسدها من أجل الله فقد صلت بخشوع بهر المشاهدين لها، فأصبحت زاهدة متنسكة، وقهرت شهيتها وتغلبت عليها، وتوسلت إلى الله كي يساعدها على أن تفقد أي جمال تحوزه، وأجابها الله إلى طلبها، وأعطاها شعراً في جسدها بما في ذلك اللحية.

وعندما سمع ملك صقلية عن التغير الجسدي الذي لحقها، سحب رغبته في الزواج منها. وانتشرت أسطورة هذه الفتاة وقتئذ في طول أوروبا وعرضها.

وقبل عصر النهضة في أوروبا، فإن الرجال والنساء الذي رغبوا في تحقيق حاسة روحية مرتفعة كانوا يمنعون أنفسهم عن القيام بمختلف الممارسات التي يترتب عليها لذة، ومن بينها تقييد كمية الطعام الذي يتناولونه، فضلاً عن الانعزال عن الآخرين، والنوم على الحجارة.

ولبس الملابس الفضفاضة القصيرة، وحلق الشعقر بأكمله. وقد وجد مرض فقدان الشهية العصبي لدى بعض القديسين في هذا العصر.

 

وفي عام 1554 وصف "لانج" Lange مرضاً يصيب صغار النساءن وهن من العذارى غالباً، ولكنه كان يوجد أيضاً عند غير المتزوجات، والمتزوجات اللاتي لم ينجبن. وذكر مؤلفون آخرون في هذا الوقت نفسه، أن هذا المرض يمكن أن يحدث لدى  الرجال الصغار الذي يتسمون بالرقة.

وتشير معظم الأعراض التي وصفت في هذا الوقت، إلى الأعراض المعروفة حالياً، والتي يشتمل عليها مرض فقدان الشهية العصبي.

ثم نشر "مورتون" Morton عام 1694 أول وصف طبي لفقدان الشهية العصبي، مبيناً الخصائص الأساسية للمرض، والتي تضمنت: تناقص الشهية، وانقطاع الحيض، وكراهية الطعام، والنشاط الزائد، والهزال والنحول. وسمي "مورتون" هذه الحالة بالضمور العصبي Nervous atrophy، وأرجعها – دون لبس ولا غموض – إلى العوامل النفسية.

 

يعد ذلك تزايد وصف حالات كهذه في القرن السابع عشر، وأطلق عليها "الخلوروز" Chlorosis، وسمي كذلك بمرض العذارى. وتتسم الحالة المصابة به بالشحوب (الجلد الأخضر)، وفقر الدم والغثيان والقيئ وأكل مواد غير مغذية. وتنتهي الحالة عادة بالموت نتيجة التجويع الذاتي.

وتم تمييز هذا المرض (الخلوروز) عن الدرن الرئوي، حيث كان الأخير منتشراً في هذا العصر. وبين العامين 1750، 1850م كان المصطلحان: الخلوروز وانقطاع الحيض يستخدمان تبادلياً، لأنهما كانا يحدثان معاً.

واستمر حدوث المرض في العصر الفيكتوري بشكل يقرب من الوبائي، ثم اختفى بشكل غامض في العشرينات من القرن العشرين، مع ظهور التغير الواضح في الأعراض الجنسية لدى النساء.

 

2- العصر الفيكتوري

كان أول من استخدم مصطلح فقدان الشهية "سير ويليام جل" Gull عام 1874 في انجلترا، وأرجع الحالات إلى عوامل نفسية.

وفي عام 1873 نشر "لازيج"Lase'gue  – وهو طبيب نفسي عصبي فرنسي – تقريراً مماثلاً لما نشره "جل"، سماه "فقدان الشهية الهستيري"، مع إيراد ثماني حالات تتسق مع ما يعرف الآن باضطراب فقدان الشهية العصبي. ونبه هذان التقريران عدداً كبيرا من الدراسات في أواخر القرن التاسع عشر في انجلترا وفرنسا، وبعد ذلك في أمريكا.

وفي عام 1903 وصف "بيير جانيه" janet، الطبيب النفسي الفرنسي الشهير، فئة فرعية من المرضى بأنهم وسواسيون تتركز أفكارهم المجترة حول الطعام والاشمئزاز من الجسم والتحكم في الشهية. وقد ذكر كل من "شاركوه" Charcot و "جانيه" أن هؤلاء المرضى يأكلون سراً.

 

3- الحقبة البيولوجية

فسر "سيموندر" Simmonds عام 1914 الحالات المتطرفة من فقد الوزن بضعف (أو هزال) الغدة النخامية Pituitary Cachexia (مرض سيموندز). ومع ذلك فقد عولجت حالات فقدان الشهية بخلاصة الغدة النخامية دون تحقيق نجاح.

 

4- الحقبة التحليلية النفسية

اعتماداً على الأوصاف المبكرة لمرض فقدان الشهية العصبي، تم النظر إلى هذه الزملة – من وجهة نظر التحليل النفسي – بوصفها دفاعاً ضد الجنسية Sexuality، بما تتضمنه من دفاع ضد الخيالات اللاشعورية المتصلة بالإخصاب أو الحمل عن طريق الفم.

فكان يُنظر إلى مريضات فقدان الشهية العصبي على أنهن بنات صغيرات يرفضن النمو والتطور إلى النساء ناضجات من الناحية الجنسية، وكان يُعتقد أن الصراع مع الطعام والتقليل منه يعد رمزاً لصراع جنسي أعمق.

ولا شك في أن النقد الشديد الذي وجه إلى نظرية التحليل ككل – في رأينا – قد انسحب على تفسير هذه النظرية لمرض فقدان الشهية العصبي، تاركاً المجال للنظريات السلوكية والمعرفية التي اعتمد عليها بنجاح عديد من الطرق العلاجية. وكان ذلك في المرحلة الأخيرة.

 

5- الموقف الراهن

تزايدت حالات فقدان الشهية العصبي مؤخراً كما سنفصل ذلك في الفصل الخامس. والحقيقة أن الاهتمام الزائد بالنحافة لم ينتشر إلا في الستينات من هذا القرن.

وهدفت البحوث في العقدين الأخيرين إلى اكتشاف مختلف العوامل البيولوجية والوبائية والوراثية والنفسية التي تساعد على تحديد فقدان الشهية العصبي بوصفه مرضاً نوعياً، وذلك بهدف التحديد الموضوعي لفعالية مختلف الطرق العلاجية.

وهذه الحقبة الأخيرة – في أرينا – تتسم بمنحى متعدد الأبعاد Multi – dimensional approach في الدراسة العلمية لفقدان الشهية العصبي، وفي التشخيص والعلاج أيضاً.

***

وسوف نهتم في الصفحات التالية بفقدان الشهية العصبي (وليس العضوي)، وسوف نشير إليها للإيجاز – في بعض المواضع – بفقدان الشهية فقط، ولكن لا بد أن يتذكر القارئ أننا نقصد به ذلك النوع العصبي من فقدان الشهية أي ما كان له أسباب نفسية في المقام الأول (ما لم نشر إلى عكس ذلك في حينه). ونعرض في الفصل الثاني لطرق قياس فقدا الشهية العصبي ووسائل تحديدها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى