علم الفلك

الكرة السماوية

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

الكرة السماوية

اعتقد القدماء أن السماء صلبة البنية وأن النجوم مثبتة في كرة كريستالية غير مرئية. وهذا الاعتقاد الخيالي مناسب، فدعنا نفترض أن الكرة السماوية موجودة بالفعل وأنها تتم دورة واحدة حول الأرض في أقل من 24 ساعة وتحمل معها كل الأجرام السماوية.

القطب الشمالي للسماء هو ليس إلا النقطة في الكرة السماوية التي تقع باتجاه محور الكرة الأرضية، وموقعه محدد ضمن درجة واحدة بواسطة النجم القطبي (ألفا الدب الأصغر) وهو من القدر الثاني. ونجد أيضا بالطبع القطب السماوي الجنوبي ولكن للأسف لا توجد أي نجوم ساطعة بالقرب منه فعلينا أن نكتفي بالاعتماد على نجم سيغما الثمن الغامض والذي تصعب رؤيته بالعين المجردة حتى تحت ظروف الإضاءة الجيدة.

تماما كما يقسم خط الاستواء الأرضي العالم إلى نصفين، يقسم خط الاستواء السماوي السماء إلى نصفين، الشمالي والجنوبي. خط الاستواء السماوي تعريفا هو إسقاط خط استواء الأرض على الكرة السماوية، كما هو مبين في الرسم على اليسار.

لتحديد موقع ما على الأرض، يجب معرفة خط الطول وخط العرض لهذه النقطة. وخط العرض هو المسافة الزاوية شمال أو جنوب خط الاستواء مقيسا من مركز الكرة الأرضية، فخط عرض لندن هو تقريبا عند °52 شمالا، أما سيدني فهو عند °34 جنوبا، وخط عرض القطب الشمالي هو عند °90 شمالا، أما القطب الجنوبي فهو عند °90 جنوبا. والنظير لخط العرض في السماء هو الميل وهو يُقاس بنفس الطريقة تماما، فميل منكب الجوزاء (ألفا الجبار) هو ’24 °7 شمالا (أو ’24 °7+)، و سيريوس (ألفا الكلب الأكبر) هو ’43 °16 جنوبا (أو ’43 °16-). والقيم الشمالية أيضا تُكتب موجبة أو + والقيم الجنوبية سالبة أو -.

كل هذا واضح حتى الآن، ولكن عندما نفكر في النظير السماوي لخط الطول يصبح الأمر أكثر تعقيدا. على الأرض، يُعرف خط الطول كالمسافة الزاوية للموقع شرقا أو غربا من جهاز فلكي معين وهو دائرة زوال إيري الموجود في المرصد الملكي في غرينتش. تم اختيار غرينتش كموقع الصفر لخط الطول منذ أكثر من قرن عندما كانت الاتفاقات الدولية أسهل بكثير، وكانت المعارضة قليلة فيما عدا فرنسا.

بناءا على ذلك، نحتاج لنظير سماوي لغرينتش، وهناك مرشح واحد واضح هو الاعتدال الربيعي الشمالي أو نقطة الحمل الأولى. لنوضح هذا، يجب أولا أن نتكلم عن الطريقة الظاهرية التي تتحرك بها الشمس عبر السماء.

بما أن الأرض تستغرق عاما لتدور حول الشمس )تتجاوز ال365 يوم قليلا( تبدو الشمس وكأنها تدور من حول السماء في نفس المدة. يسمى المسار السنوي الظاهري للشمس قياسا على النجوم دائرة البروج ويمر من خلال كوكبات البروج الإثنتي عشر )بالإضافة إلى جزء صغير من الكوكبة الثالثة عشر كوكبة الحواء(. يميل خط استواء الأرض إلى المستوى المداري بما يساوي °23.5 ولهذا فالزاوية بين دائرة البروج وخط الاستواء السماوي تساوي هي أيضا °23.5. في كل عام تعبر الشمس خط الاستواء مرتين: في تاريخ 22 مارس تقريبا- ليس التاريخ ثابتا ويرجع هذا للتقلبات الموجودة في تقويمنا- تتحرك الشمس من الجنوب إلى الشمال لتصل إلى خط الاستواء ويساوي ميلها في حينها °0 وتكون قد وصلت إلى الاعتدال الربيعي الشمالي أو نقطة الحمل الأولى التي لا يحددها أي نجم ساطع، و تظل الشمس لمدة ستة أشهر في النصف الشمالي للكرة السماوية.

وفي 22 سبتمبر تقريبا تعود الشمس ثانية إلى خط الاستواء ولكنها تتجه هذه المرة من الشمال إلى الجنوب، وتكون قد وصلت إلى خط الاعتدال الخريفي الشمالي أو نقطة الميزان الأولى وتقضي الستة أشهر القادمة في نصف الكرة الجنوبي. (وبالطبع فإنه في النصف الجنوبي، يؤذن عبور الشمس بنقطة الحمل الأولى في شهر مارس ببداية الخريف، وعبورها نقطة الميزان الأولى في شهر سبتمبر يعني بداية الربيع).

يسمى النظير السماوي لخط الطول بالصعود المستقيم، والأمر غير المتوقع هو أنه لا يقاس بالدرجات ولكنه يقاس بالوحدات الزمنية. أثناء دوران الأرض تصل كل نقطة في السماء إلى أعلى ارتفاع لها فوق الأفق مرة واحدة في كل 24 ساعة وهذا ما يسمى بالتكبد. والصعود المستقيم للنجم هو ليس إلا الفترة الزمنية ما بين تكبد نقطة الحمل الأولى وتكبد النجم، فمثلا يتكبد منكب الجوزاء بعد النقطة الأولى ب5 ساعات و53 دقيقة فيساوي صعوده المستقيم 5 ساعات و 53 دقيقة.

والغريب أن النقطة الأولى لم تعد جزءا من كوكبة الحمل إذ أنها تحركت إلى الكوكبة المجاورة كوكبة الحوت، ويرجع هذا لظاهرة المبادرة. ليست الأرض كروية فخط الاستواء منتفخ قليلا، وتأثير جذب الشمس والقمر على هذا الانتفاخ يؤدي إلى ترنح محور الأرض قليلا في حركة أقرب إلى الجيروسكوب أو بوصلة دوارة وهي تبدأ في التباطؤ في دورانها ثم التهاوي. ولكن في حين أن البوصلة الدوارة تكمل دورتها في بضع ثواني، يستغرق محور الأرض 25,800 سنة لرسم دائرة صغيرة في السماء. منذ آلاف السنوات حينما كان المصريون يبنون الأهرامات، لم يقع القطب الشمالي السماوي بالقرب من نجم القطب ولكنه كان بالقرب من نجم أكثر خفوتا هو نجم الثعبان (ألفا التنين)، وبعد مرور 12,000 عاما من يومنا هذا سيكون نجمنا القطبي شديد السطوع وهو نجم النسر الواقع (ألفا السلباق).

دعنا نفترض لمجرد لحظة أن نجمنا القطبي الحالي نجم الجُدي يقع عند القطب مباشرة بدلا من أن يبتعد عنه بأقل من درجة واحدة (ميله الدقيق هو ´´51 ´15 °89+). بالنسبة لراصد يقف عند القطب الشمالي للأرض، سيكون ارتفاع نجم الجدي °90 مما يعني أنه يقع عند نقطة السمت أو نقطة أعلى السماء . ومن خط استواء الأرض سيكون ارتفاع نجم الجدي °0 ويعني هذا أنه على خط الأفق ولكنه لن يُرى أبدا من خطوط العرض الجنوبية. عندما يُشاهد نجم الجدي من النصف الشمالي، يتساوى دائما ارتفاع النجم مع خط عرض الراصد. فمن لندن التي تقع على خط العرض N°52، سيكون ارتفاع نجم الجدي فوق الأفق °51، ومن سيدني سيكون ارتفاع النجم ألفا الثمن °34.

يسمى النجم الذي لا يغيب أبدا ويظل يدور ويدور حول القطب بدون أن ينزل تحت خط الأفق بالنجم حول القطبي. ولمعرفة أي من النجوم هي حول قطبية وأي منها ليست كذلك، عليك ببساطة طرح قيمة خط العرض لموقع الرصد من القيمة 90. وفي حالة لندن، 39 = 51 – 90، ويفسر هذا بأن أي نجم يقع شمال الميل °39 لن يغيب أبدا، وأي نجم يقع جنوب الميل °39 لن يبزغ أبدا. وبالتالي فالكوكبات من مثل أورسا ميجور (الدب الأكبر) وكوكبة ذات الكرسي هي حول قطبية فقط من عند الجزر البريطانية وليس من جنوب البحر الأبيض المتوسط.

ومثال آخر للتوضيح يتناول كوكبة الصليب الجنوبي وهي معروفة عند الأستراليين والنيوزيلنديين كمعرفة البريطانيين بكوكبة الدب الأكبر. ويساوي ميل نجم نير نعيم (ألفا الصليب الجنوبي)، وهو أشد نجوم الكوكبة سطوعا، °63-. وبناءا على هذه الحسبة: 27 = 63 – 90 يتبين أن نجم نير نعيم لا يمكن مشاهدته من أي مكان في أوروبا مع أنه يبزغ فوق هاواي عند خط العرض °20.

والجدير بالذكر، أن حسبة مثل هذه هي التي قدمت برهانا مبكرا على كروية الأرض. يساوي ميل النجم سهيل (ألفا الجؤجؤ) °53- ، وهو ثاني أسطع نجم في السماء، ولهذا لا يمكن رؤيته إلا من الإسكندرية )عند N°31( وليس من أثينا )عند N°38( حيث يلامس الأفق. وقد عرف هذا اليونانيون وأدركوا أنه ما كان لهذا الموقف أن يحدث إلا لو كانت الأرض كروية وليست سطحا مستويا. من ويلينغتون في نيوزيلندا، يكون نجم سهيل حول قطبي، ولذلك يمكن دائما مشاهدته عندما تكون السماء هناك على قدر كاف من الظلام والصفاء. ومع أن سطوع نجم سهيل لا يصل لدرجة سطوع الشعرى اليمانية، هو فعليا أقوى من الشعرى اليمانية بكثير. يبدو الشعرى اليمانية أشد سطوعا لأنه على بعد 8.5 سنة ضوئية فقط منا، مما يجعله من أقرب النجوم المجاورة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى