الطب

العوامل الوراثية والعضوية المسببة لمرض “فقدان الشهية العصبي”

1997 فقدان الشهية العصبي

الدكتور أحمد محمد عبدالخالق

KFAS

العوامل الوراثية والعضوية المسببة لمرض فقدان الشهية العصبي الطب

ينشأ اضطراب فقدان الشهية العصبي غالباً عن تفاعل عوامل وراثية واجتماعية ونفسية، فينتج عن جملة من العوامل المتصلة بالاستعداد الوراثي والتكوين النفسي، والبيئة الاجتماعية التي تشجع الأكل القليل أو الغذاء وفقاً لنظام حمية (رجيم) معين، أي نظام احتفاظ بوزن مثالي. وبمجرد بدء الاضطراب فإن استجابة الأسرة يمكن أن تساعد في استمراره ومواصلته.

ونعرض في الفقرات التالية الأسباب التي أثبت الباحثون أنها يمكن أن تؤدي إلى اضطراب فقدان الشهية، والتي نصنفها إلى الأسباب والعوامل الآتية:

1- العوامل الوراثية والعضوية.

2- العوامل الاجتماعية.

3-العوامل النفسية.

 

أولاً: العوامل الوراثية والعضوية

ظهر أنه يوجد بين أخوات المرضى الذين اشتد لديهم فقدان الشهية العصبي نسبة من 6 – 10% يعانون من هذه الحالة.

وتقابل هذه النسبة نسبة 1 – 2% الموجودة في الجمهور العام في العمر نفسه، ولكن من الممكن أن ترجع مثل هذه الزيادة إما إلى بيئة الأسرة أو إلى تأثيرات وراثية. وليس من السهل الحسم بين هذين العاملين إلا بدراسات التوائم كما سنبين بعد قليل.

كما اتضح أيضاً أن مرض فقدان الشهية العصبي ينتشر بمقدار ثماني مرات بين الأقارب المقربين للمرضى بالمقارنة إلى الجمهور العام. وبينت بعض الدراسات – وليس كلها – زيادة انتشار الإدمان على الخمور وسوء استخدام الأدوية بين أقارب مرضى فقدان الشهية العصبي.

وللتثبت من نتائج هذه الدراسات فإن الحاجة ماسة إلى دراسات التوائم، والتوائم نوعان: توائم صنوية Monozygotic or identical twins نشأت عن بويضة واحدة مخصبة انقسمت في الرحم وأصبحت جنينين، والتوائم غير الصنوية Dizygotic or fraternal، وهي التي نشأت عن بويضتين مستقلتين لقحتا في الرحم بشكل مستقل في الوقت نفسه.

 

والتوقع أن تكون التوائم الصنوية أكثر تشابهاً بكثير عن التوائم غير الصنوية. وقد توقع العلماء أن التشابه بين أبناء الأسرة الواحدة يكون كما يلي:

1- التوائم الصنوية: أكثر تشابهاً في الجسم والعقل والشخصية.

2- التوائم غير الصنوية: تشابه متوسط في الجسم والعقل والشخصية.

3- الإخوة العاديين: أقل تشابهاً في الجسم والعقل والشخصية.

 

وأكدت البحوث المستفيضة في مجالات محددة أن هذا الفرض صحيح وصادق ولكن بدرجات متفاوتة. وكلما كان التشابه يسير كما سبق أن بينا في النقاط الثلاث الأخيرة فإن ذلك يعني وجود عامل وراثي قوي، وقد بينت بحوث "هولاند" وزملائه اتفاقاً أكبر بكثير من التوائم الصنوية عنه عند غير الصنوية في فقدان الشهية

ويورد "كابلان" وزميليه أن بعض الأدلة المتوافرة تشير إلى اتفاق مرتفع في معدلات الإصابة بفقدان الشهية العصبي بين التوائم الصنوية بالمقارنة إلى غير الصنوية. ويؤكد "سو" أثر العوامل الوراثية في تهيئة الفرد للإصابة بمرض فقدان الشهية العصبي كما دلت على ذلك دراسات التوائم.

ولكن الحق أن عزل العوامل الوراثية عن البيئية في فقدان الشهية العصبي أمر غير ميسور دائماً، والحل الذي يلجأ إليه العلماء هو التوائم الصنوية التي تربى كل منهما منفصلاً عن الآخر أي في بيئتين مستقلتين.

ولكن للأسف ليس من اليسير دوماً الحصول على توائم صنوية تربت منفصلة ذات عدد معقول حتى تكون النتائج مستقرة، ونتمكن من عزل أثر الوراثة عن البيئة.

ومع ذلك يثبت عدد من الدراسات وجود عامل وراثي بنسبة معينة في اضطراب فقدان الشهية العصبي. ودفع ذلك العلماء إلى البحث عن الأساس الفيزيولوجي (في وظائف أعضاء الجسم) المسؤول عن هذا العامل الوراثي.

 

وقد افترضوا بعض الفروض منها أن يكون فقدان الشهية العصبي راجعاً إلى شذوذ كيميائي، أو إلى خلل في وظيفة ما تحت المهاد. وهذا ما نفصله في الفقرة التالية.

يعد "تركيب" ما تحت المهاد Hypothalamus جزءاً مهماً جداً من الجهاز اللمبي Limbic System، والأخير جزء من أجزاء المخ. وتركيب "ما تحت المهاد" هو الرابطة المباشرة تقريباً بين المخ وغدد الجسم التي تنشط أثناء الخوف والغضب والانفعلات الأخرى، وله تأثير على الغدة النخامية (وهي الغدة الرئيسة)، وبالتالي تؤثر بقية الغدد. وما تحت المهاد له وظائف متعددة، فهو يتحكم في وظائف الغدة النخامية، ووظائف الجهاز العصبي اللا إرادي، وإفراز الماء، وكمية الطعام، وضغط الدم، والنوم واليقضظة، والرغبة الجنسية، والسلوك العدواني.

ويوجد في فقدان الشهية العصبي اضطراب شامل في تنظيم الوزن، وفي بعض الحالات يبدأ – لدى الإناث – انقطاع الحيض قبل فقد الوزن.

وتشير هذه الرابطة إلى ظهور اضطراب أوّلي لوظيفة ما تحت المهاد، ومع ذلك فإن دراسات تشريح الجثة بعد الوفاة لم تكشف عن حدوث أي خلل منتظم في منطقة ما تحت المهاد في حالات فقدان الشهية العصبي.

 

وقد فُسر حدوث انقطاع الطمث أحياناً قبل فقدان الوزن على أنه دليل على شذوذ أوّلي في منطقتي ما تحت المهاد والنخامية. ولكن تشير الأدلة الآن إلى أن معظم الشذوذ في الغدد وعمليات الأيض Matabolism (الهدم والبناء) يعد ثانوياً للجوع والنقص الشديد للطعام، أي يترتب عليهما.

ومن ناحية أخرى لاحظت نواحي شذوذ كيميائية عصبية عديدة لحالات فقدان الشهية العصبي، ولكن البحث عن شذوذ بيولوجي محدد لدى مرضى فقدان الشهية العصبي قد تعقد نتيجة حالة الجوع المصاحبة، وهي الحالة التي يترتب عليها بمفردها تغيرات شاملة في وظائف كل من: ما تحت المهاد، والأيض (عمليتا الهدم والبناء)… وغير ذلك من التغيرات.

وتثبت بعض الدراسات وجود شذوذ في وظيفة الغدة الدرقية Thyroid gland في بعض حالات سوء التغذية، ولكن ذلك لا يمكن أن يعد نقصاً مقصوراً على فقدان الشهية العصبي.

 

وقد اتضح أيضاً لدى مرضى فقدان الشهية وجود اضطراب واضح في المادة التي تزيد نمو المناسل (الغدد الجنسية) ونشاطها Gonadotrophin وإفراز الهرمون اللوتيني، وهما لا يرتبطان بالوزن، ولكن العلاقة السببية بين التغيرات الجسمية والانفعالية تظل في حاجة إلى توضيح.

صفوة القول أن البحوث التي قام بها العلماء للبرهنة على عامل وراثي في فقدان الشهية العصبي لم تكلل بالنجاح. فلم تثبت البحوث وجود خلل في وظيفة محددة، ولم تبرهن على وجود شذوذ في إفراز مادة خاصة تعد سبباً لهذا الاضطراب.

فاتجه العلماء والباحثون –نتيجة ذلك- إلى بحث العلاقة بين فقدان الشهية والعوامل الاجتماعية البيئية بوصفها سبباً لها، فضلاً عن اتجاه العلماء الذين اهتموا بفحص هذه العلاقة إلى بحث أثر العوامل الاجتماعية منذ البداية

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى