البيولوجيا وعلوم الحياة

الطرق المتبعة لتصْنيف الطيُور

2016 طيور العالم

KFAS

تصْنيف الطيُور البيولوجيا وعلوم الحياة

لعلّ رغبتنا جميعاً في معرفة أسماء الطيور التي نراها هي معاناةٌ مشترَكة، وهو أمرٌ لا بُدّ منه قبل أن يتسنّى لنا مَدح أوصافها.

ولكنْ حتى نفعلَ ذلك علينا أن ندرك حدودَ كلّ نوع؛ وإلاّ فكيف سنعرف مثلاً أنّ الطائر الصغير الطويل الذيل ذا الرأس الأزرق في الحقل هو من سُلالة الذُعرة الصفراء (Yellow Wagtail) (الصفحة 170) وليس نوعاً مُنفصلاً؟

لا تأتي الكائنات الحيّة في كلّ شكلٍ وحجمٍ ممكن. ولنضع في الاعتبار مثلاً الاختلافَ بين الطيور الطنّانة وطيور النّعام.

فليس هناك، ولم يكن قط، أية أشكالٍ وسيطةٍ محتمَلة، وإنّما مجموعات منفصلة، مثل البط والبُوم والسُمنة والهازجة. وهناك أسباب كثيرة لذلك، وتشمل قيود تكيّفيّة وجينيّة.

ولذلك نسعى إلى تعريف هذه الكيانات المختلفة المنفصلة وتجميعها في مجموعات وفقاً لعناصر التشابه، ونفصل بينها وفقاً لعناصر الاختلاف، أي أنّنا باختصار نعملُ على تبويبها. وتُسمّى هذه العملية الطبيعية أحياناً تبويباً فئوياً طَبقيّاً (box-in-box classification) لأننا نرتّب الأنواع معاً في مجموعات أو فئات مرتّبة بدورها في جماعات أكبر وأشمل لِتُكوّن التسلسلَ الهرميّ.

 

ويُسمّى عِلمُ التبويب هذا “عِلم التصنيف” (taxonomy) أو “التصنيفيّات” (systematics)، وتُسمّى الفئات المختلفة في التسلسل الهرمي “فئات تصنيفية” (taxa)، ومُفردها “أُصنوفة” (taxon).

وتُعرِّفُ الأسماءُ العلميّة للكائنات الحيّة التي توضعُ باللاتينيّة مُستويَين من الفئات، وهما الأجناس (genera) والأنواع (species).

ومَع ذلك فإنّ العالَمَ المُرتَّب في نظام التصنيف الفئوي الطبقي الذي يضعُه المُصنِّفُ الخبيرُ يتعطّل في اللحظةِ التي نحاولُ فيها إدراجَ تنوّع الطبيعةِ فيه، والذي تسبّبَ في ظهوره التاريخُ الارتقائيّ المعقّد والمنوّع لكلّ نسْل.

ولذلك فإنّ أي تصنيف سيحمل نوعاً من الادّعاء يتعلّق به، مما يسبب تعارضاً بين خبراء المهنة وبالتالي تناقُضاً بين نظامِ تصنيفٍ وآخَر. ولكنْ قبلَ أن نضعَ ذلك في الاعتبار علينا أن نُعيدَ النظرَ في المسائل الأساسيّة.

 

فالنوع هو الوحدةُ الأساسيةُ في عِلم التصنيف. وللنوع أهميةٌ لأنه التجميعُ الوحيد الذي يتّصف بحقيقةٍ أحيائية أو بيولوجية (أي أنّ الطيورَ نفسَها تميّزُ بين أفرادِ نوعها وأفراد الأنواع الأخرى).

وكلّ المجموعات التصنيفية ما فوق تجميع الأنواع هي تركيبات مصطنعة قد تكون مجموعات “طبيعية” تقريباً (معرّفة أدناه). ولكن فعلى الرغم من هذه الحقيقة الأحيائية فمن الصعب تعريف المصطلح بطريقةٍ تغطّي جميع الأنواع المعروفة.

ولذلك فلدينا سلسلة من “مفاهيم” الأنواع، مثل “مفهوم النوع البيولوجي” (Biological Species Concept, BSC)، و“مفهوم النوع المعتمد على أصول الأنساب” (Phylogenetic Species Concept, PSC)، و“مفهوم النوع المعتمد على البيئة” (Ecological Species Concept, ESC).

وبالنسبة إلى الطيور فلقد ثبتَ أنّ مفهوم النوع البيولوجي هو الأكثر عِوَلاً عموماً؛ فهو يعرّف الأنواع على أنها جماعات من متعضّيات أو كائنات حيّة متشابهة قادرة تحت الظروف الطبيعيّة على التزاوج المختلَط، والتي لا تتزاوج تزاوجاً مختلَطاً في العادة مع أفراد من أنواع أخرى معرّفة تعريفاً مُشابهاً.

 

ولذلك فإنّ الأنواع ضمن مفهوم النوع البيولوجي تُعرّف في النهاية وفقاً للتشابه الجيني، وهي حقيقة تتشارك فيها مع مفهوم النوع المعتمد على أصول الأنساب- حيث تتشارك الأنواع فيه في تاريخ ارتقائي مشترَك، ولكن ليس بالضرورة مع مفهوم النوع المعتمد على البيئة- الذي تتشارك الأنواع فيه في بيئةٍ مشترَكة.

وفي بعض الحالات قد تكون الأنواع ضمن مفهوم النوع البيولوجي متهاجنة (interfertile)، ولكن بسبب السلوك أو الجغرافيا فهي منعزلة جينيّاً فعليّاً ولا ينتج عنها في العادة أنواع هجينة. ولقد فكّك الإنسان في بعض الأحيان هذه الآليّات العازلة مما أتاح التهجين، وهو ما جعل حدود النوع مُبهمة وخلقَ في بعض الأحيان مشاكل تتعلّق بحفظ النوع.

وقد نلاحظ داخل النوع الواحد سلالات جغرافية أو نــُــوَيْعات. والنُويعات (subspecies) متهاجنة تماماً وتُنتج ذرّيةً خصبة ولكنها منعزلة جغرافياً في العادة عند التزاوج.

وقد تتداخل جغرافياً إلى حدٍّ ما لتكوّنَ منطقة هجينة مثل منطقة الغراب الرّمادي (Hooded Crow) والزاغ الجيفي (Carrion Crow)، مع أنّ هذين الطائرين يُعدّان الآن نوعاً كاملاً.

 

تُصنّفُ الأنواع تحت أجناسها. ويُعرف كل نوعٍ باسمٍ فريد ضمن جنسه، ويُمثّل الاسمان معاً، الجنس والنوع، الاسم العلمي للنوع وهو الاسم اللاتيني. ودائماً ما يتقدّم اسم الجنس أولاً، ويُكتب الحرف الأول منه حرفاً كبيراً، ويليه ثانياً اسم النوع بحروف صغيرة.

والأسماء العلمية هي ذات تركيب لاتيني، وتوضع بنمط مطبعي مميّز، مائل في العادة. ولأنّ الاسم العلمي فريد لكلّ نوعٍ فليسَ فيه أيّ التباس. ويُسمّى الاسم العلمي “ثنائي التسمية” (binomial). ويُضاف اسمٌ ثالثٌ لتعريف كل نُوَيع.

ومثلاً فإنّ الاسم العلمي للذُعرة الصفراء هو (Motacilla flava)، ولكن هناك سلالات متعددة، فالسلالة الصفراء ذات الرأس الأزرق يُمكن أن تُعرّف بالاسم “الثلاثي التسمية” (trinomial) وهو (Motacilla flava flava) لتمييزها عن السلالة ذات الرأس الأسود (Motacilla flava feldegg) التي تعيش في دول البلقان والشرق الأوسط.

وتُصنّف الأجناس (genera) تحت فصائل (families)، ويمكننا أن نتعرّف على الفصائل من اللاحقة (-idae) في أسمائها. فطيور الذُعرة هي أفراد في فصيلة الذُعرية (Motacillidae) وهي طيور الذُعَرة والجُشَن (Wagtails and Pipits).

 

وتُرتّب الفصائل تحت الرُّتَب (orders)، وهناك 28 رُتبة مُعرّفة في الفصل الثاني، غير أنّ الفصول اللاحقة تشمل 37 رُتبة حاليّة. وتُميّز الرُّتب باللاحقة (-iformes)، وفي حالة الذُعرة فإنّها تنتمي إلى رُتبة العصفوريّات أو الجواثم (Passeriformes).

وتُرتّب الرُّتب تحت الطوائف (classes). وتشكّل الطيور طائفة الطيور (Aves). ويمكن تعريف فئة تصنيفية تضمّ نوعاً واحداً فقط، وفي تلك الحالة تُعرف بأنها أحاديّة الطراز (monotypic).

ويبدو هذا التصنيف مباشِراً، ولكن كيف يتسنّى لنا تحديد مجموعة الأنواع؟ وهناك إجابة صحيحة لحسن الحظ. فأوجه الشبه بين الأنواع توجد إمّا لأنها تعكس أسلافاً مشترَكة، أو لأنها تكيّفت مع أسلوب معيشةٍ متشابه (البيئة).

وفي الحالة الأخيرة توصفُ الخصائص على أنها “متقاربة” (convergent) ولا تفيد في التصنيف، ولكنْ إنْ عكسَ التصنيفُ التاريخَ الارتقائي (تصنيف قائم على أصول الأنساب) فهناك إجابة صحيحة واحدة فقط، وتوصف المجموعات المتولّدة بتلك الطريقة بأنها مجموعات “طبيعية”.

 

ولذلك يهدف عِلم التصنيف الحديث إلى أن يعكس العلاقات الارتقائية بين الفئات التصنيفية. ومع ذلك ففي حين أنّه لا بُدّ من وجود إجابة صحيحة تشير إلى التاريخ الارتقائي فلا يزال الغموض يكتنفه.

ولذلك نجد أنّ التصنيفات تختلف. ومثلاً أقرّت التصنيفات المعاصرة (أي تلك التي تشمل دليلاً من الحمض النووي “DNA”) فصائل لا يزيد عددها عن 142 وفصائل لا يقلّ عددها عن 235 (كما هو مبيّن في “القائمة المرجعيّة لرُتب الطيور وفصائلها”، انظر الصفحة 324).

وأمّا قائمة الفصائل المؤلّفة من 173 فصيلة المُدرجة في قسم “فصائل طيور العالَم” في هذا الكتاب (انظر الصفحات 18-47) فهي تقدّم حلاًّ وسطاً مدروساً ما بين هذين التصنيفين.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى