البيولوجيا وعلوم الحياة

التقنيات المستخدمة للبحث داخل الدنا

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

طُرح السؤال ثانية: كيف نرى في الداخل؟ وكان على الباحثين ثانية اكتشاف طرق لخداع الكائن ليسمح لنا بالرؤية.

مكّنت التقنيات السابقة لمترابطة الدنا العلماء من استخدام أسلوب "الرجم" و"إطلاق" الدنا داخل حشد من القطع الصغيرة (يتم الحصول عليها باستخدام أنزيمات الاقتطاع التي تقطع في أماكن محدّدة فقط).

ويمكن بعد ذلك استنساخ كل قطعة (نسخها بالضبط) عدة مرات. سمحت تلك التقنية لما كان شدفة صغيرة واحدة من الدنا – شيء تصعب رؤيته حتى باستخدام أفضل المجاهر – بالتضاعف كثيراً بحيث تغطي كتلة نُسَخه طبق بتري.

وهذه فكرة مماثلة لزرع الجراثيم أو تنمية الخميرة للخبز أو التخمير: تبدأ بقطعة صغيرة من المادة البادئة ثم تزرعها بحيث تحصل على المزيد. وسرعان ما يصبح لديك ما يكفي لترى ما تصنعه. والأفضل أن تتمكّن من التوصّل إلى طريقة لزرع عدد كبير من السلاسل في الوقت نفسه.

انطوت تقنيات تحديد السلاسل على أخذ هذه القطع المنفصلة وقراءة التتابع الألفبائي، أو تتابع قواعد النوكليوتيدات (A أو C أو T أو G) التي تكوّنها.

إن تسجيل ترتيبب الحروف مراراً وتكراراً، لجميع القطع يجعلها تكوّن كلمات. وقد أنتجت التقنية سلاسل من القطع القصيرة، لكن الهدف هو الوصول إلى القطع الطويلة وإلى الكل في النهاية. وذلك يعني إعادة الكلمات إلى الترتيب الصحيح، إلى جمل ثم فقرات – وضعها بالترتيب الذي توجد عليه في الصبغي.

وبعد ذلك يجب "مطابقة" السلاسل مع الصبغي الصحيح. أصبح ذلك الهدف المنشود، لكن في البداية كان جهد التقاط سلاسل القطع القصيرة ثم اكتشاف كيف توضع معاً ثانية، أمراً صعباً بما فيه الكفاية.

 

كان العلماء في الواقع يفكّكون الدنا ويدرسون أجزاءه. إنها فكرة مدهشة حقاً، أن يكون تفكيكه والقيام بمثل هذه الأشياء غير الطبيعية عليه أفضل طريقة لتعلّم المزيد عن المادة الأساسية للحياة. وهذه المادة الجزيئية بعيدة جداً عن الكائنات الحية التي جاء منها الدنا في المقام الأول. مع ذلك كما تعلّمنا من تاريخ علم الأجنّة التحليلي التجريبي، فإن أفضل مسار لفهم الحياة يبدأ بموت الكل ودراسة أجزائه.

إن اختزال الكائنات الحيّة إلى جزيئات يمكن أن يمنحنا معرفة من نوع ما. وسنعود إلى الأسئلة عن ما هي مواطن القوة ومواطن الضعف التي ربما اتسم بها النهج للتوصل إلى معرفة علمية صلبة عن الحياة، حياة كائن حيّ فرد.

أنتج اندفاع العلماء إلى تحديد سلسلة النوكليوتيدات مخزناً للمعرفة عن مختلف أجزاء الدنا. وبعد عملية مضنية من الاستبعاد والمقابلة، تمكّن اختصاصيو البيولوجيا الجزيئية من تأكيد أن بعض سلاسل الدنا مرتبط ببعض "الجينات".

ونحن نؤمن بأن هذه جينات في الواقع لأنها ترتبط ببعض الوظائف، لا سيما القدرة على إنتاج جزيء بروتين. وهذه جمل تسهل كتابتها ومفاهيم تبدو بسيطة.

غير أن ما يعدّ جيناً وما يعدّ دليلاً على أن سلسلة معيّنة للدنا جين حقاً أمر مثير جداً للخلاف. فإثبات أي السلاسل جينات وأيها دنا "تافه" أو "هراء" يظل مشكلة من المهم إيجاد حل لها على المدى الطويل. وإذا أغفلنا أجزاء وظيفية مهمة من الجينوم لأننا اعتبرناها غير مهمة، فإننا سنرتكب أخطاء في تفسير السلسلة أو نضطر إلى العودة إلى تحديد السلسلة ثانية. وهذا هو سبب تشديد مشروع "معاهد الصحة الوطنية" على الحصول على أكمل سلسلة ورسم خريطة الجينوم بأكمله، وليس مجرّد الأجزاء التي تبدو مهمة لبعض الباحثين.

أقرّ العديد من فلاسفة العلم واختصاصيي البيولوجيا بأن أولئك الأكثر ثقة بأهمية علم الوراثة يختلفون بشأن ما يعنونه بمصطلح "جين". ربما يكون للكلمة معنى جزيئي أو كيميائي من الناحية المثالية، باعتبارها سلسلة من قواعد النوكليوتيدات. وربما يكون لها معنى بنيوي أو فيزيائي إذ افتُرض حتى عهد قريب أن السلسلة موجودة في مكان، أو مركز، معيّن على جديلة الدنا الصبغية. وأخيراً، للجين معنى وظيفي، باعتباره ترميزاً لإنتاج بروتين محدّد.

 

ساعدت الفكرة بأن بنى جزيئية معيّنة، موجودة في مكان معيّن على الصبغيات الموروثة من الوالدين، تنتج بروتينات معيّنة في توليد الحماسة لعلم الوراثة. ففي البيولوجيا على الأقل، يمكن أن يبدأ الباحثون بمعرفة كيفية تفكيك تعقيدات الحياة أو اختزالها إلى وحدات تسهل دراستها. وليس من المصادفة أن العديد من أوائل اختصاصي البيولوجيا الجزيئية انتقلوا إلى البيولوجيا من العلوم الفيزيائية.

وليس من المصادفة أن العديد من اختصاصيي البيولوجيا الجزيئية اليوم، بمن فيهم معظم محدّدي السلاسل، جاؤوا من برامج تدريب عالية التقنية، وكثير منهم لا يعلّمون الكثير مما كان يعتبر تقليدياً أنه بيولوجيا. فمن ذا الذي يريد الكائنات الحيّة والأنظمة العضوية عندما يمكننا تحقيق مثل هذا التقدّم بالتركيز على الجينات والبنية الجزيئية للحياة؟

كان من الطبيعي أن يؤدي نجاح تقنيات السلاسل بسرعة وسهولة كبيرة إلى الاندفاع لاكتشاف "الجين الخاص… بأي شيء". لقد أبدى مورغان قلقاً منذ سنة 1909 من أن اختصاصيي البيولوجيا كانوا يتعجّلون تحويل سمات الخلايا والصبغيات الملحوظة إلى "عوامل" يفترض أنها تحمل المعلومات من جيل إلى الجيل الذي يليه.

ورأى هذه القفزة إلى التفسير باعتبارها ضرباً من التخمين لا تسوّغه البيانات المتاحة. أضافت التسعين سنة التي تلت كثيراً من البيانات الخام إلى الحقائق الأصلية ثم حوّلت بعضها إلى عوامل. وبحلول تسعينات القرن العشرين سعى الباحثون إلى تحويل العوامل إلى خصائص، قافزين ثانية على نحو تخميني يتجاوز الوقائع الذي في متناول أيدينا.

في البداية ظل هذا الاهتمام إيجابياً ولكن مكبوحاً. فما دامت البحوث صعبة جداً وبطيئة، وما دامت الاحتمالات التجارية غير واضحة، فإن الاهتمام يظل متحفظاً. لكن ذلك تغيّر بطبيعة الحال عندما أفسح علم الوراثة الطريق للجينوميات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى