التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

التقادم و الفشل . لنسامح التصميم تفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

قد يدعو التقادم والاعتبارات الأمنية إلى قرار للهدم بالنسبة لجسر قديم اعتبر ضيقاً أو ضعيفاً لتوقّعات ومتطلّبات النقل هذه الأيام. ليس لأن تصميم الجسر في الوقت الذي شيّد فيه كان غير ملائم، لكن معايير التصميم تطوّرت لتلبية متطلبات جديدة، والتصميم القديم لم يعد يلبّي المتطلبات بالنسبة للمتانة والحجم للأوقات والمركبات المعاصرة. لكن تفكيك جسر حديدي كبير ليس بالمهمة السهلة أو الخالية من الخطورة، وقد تستغرق وقتاً طويلاً وتكلّف غالياً. لذا فالطريقة المعتادة لتحقيق النهاية المرغوبة – أي إزالة الجسر بأسرع وأسلم وأرخص الطرق – هو أن تجعل الجسر يفشل ويسقط في الماء، حيث يمكن أن تلتقط أجزاؤه لتباع كخردة، والطريقة المتبعة لتحقيق ذلك هو زرع متفجّرات في نقاط حرجة على الهيكل ثم إسقاطه بصورة دراماتيكية.

كانت هذه الخطة لإزالة تقاطعين متقادمين هما بمثابة جملونين وعارضتين بارزتين، هما:جسر جون ب. غرايس التذكاري (John P. Grace Memorial Bridge) لعام 1929 وجسر سايلاس ن. بيرمان (Silas N. Pearman Bridge) لعام 1966 – اللتين تربط مواطني شارلستون في كارولينا الجنوبية بهما نوع من علاقة "الحب والكراهية" عبر السنين. في عام 2005 بعد أن تمّ تحويل السير إلى الجسر المعلق الجديد – جسر آرثر رافينيل جونيور (Arthur Ravenel Jr. Bridge) – والذي تمّ تشييده قربهما، كان المفروض وضع عبوات ناسفة على الامتداد الرئيس لجسور نهر كوبر القديمة، بحيث يمكن عند تفجيرها أن تؤدّي إلى حالات من الفشل في مواقع حرجة، وبالتالي سقوط الهيكل على شكل قطع وأجزاء يمكن التعامل معها. إن اختيار المواقع المناسبة لوضع العبوات الناسفة وحجمها وتسلسل تفجيرها لكي تحدث الفشل المنضبط، كان عملاً تصميمياً هندسياً لا يختلف عن العمل التصميمي الهندسي لبناء الجسور كي لا تفشل في المقام الأول، وتمّ القيام بالحسابات والرسوم وتوقيعها وختمها من قبل مهندسين متمرسين. وشُرع بعملية الهدم بإزالة العلامات والأضواء والأمور الملحقة الأخرى على ممري الجسرين، وتبع ذلك رفع الممر نفسه. ثم تمّ قطع العارضات الكونكريتية الممتدة فوق جزيرة درام (Drum Island) بواسطة مكائن ذات كماشات فكية ضخمة، وسُمح لها بالسقوط فوق الجزيرة غير المأهولة، ثم أُزيلت بعد ذلك. أما العارضات الكونكريتية الواقعة فوق المناطق المأهولة بالسكان، وكذلك العارضات الحديدية الممكن تدويرها، فقد تمّ رفعها بعناية بواسطة رافعات، ووضعت الأجزاء الممكن إنقاذها واعادة استخدامها على الشاحنات، وأينما كان ممكناً، تمّ إسقاط الأعمدة الكونكريتية الممتدة بواسطة الديناميت وتمّ تقطيعها على الأرض. كذلك استخدمت المتفجرات لتكسير الهياكل الساندة الواقعة فوق وتحت الماء.

لتفكيك الامتدادت الرئيسية للجسرين – الجملونات البارزة فوق قنوات الملاحة – كان على العمّال إزالة الأرضية الكونكريتية ثم الأضلاع الممتدة بين العارضات. ترك ذلك زوجاً من الأشرطة الفولاذية كهياكل فوقية وضع فوقها الشحنات المقوّسة بشكل استراتيجي لكي يؤدّي انفجارها إلى تمزيق هيكل الامتدادات إلى أجزاء يتراوح وزنها بين 20 إلى 40 طن والتي يمكن التقاطها من الماء، ولجعل عملية الالتقاط سهلة، تمّ ربط القطع بأسلاك وطوّافات قبل إحداث الانفجارات، والامتدادات الأولى الذي تمّ تفجيرها كانت الامتدادات فوق تاون كريك (Town Creek)، الذي احتوى على القناة الجانبية للنهر، وقد أتاحت هذه العملية الفرصة لاختبار المخطط قبل تكراره فوق القناة الرئيسية للسفن في النهر. المفاجآت لن تكون مقبولة في هذه الحالة، حيث إن غرامة تأخير عملية فتح القناة في الوقت المحدد تبلغ 15,000 دولار للساعة الواحدة أو 360,000 دولار لكل يوم تأخير. لحسن الحظ أنه أُجري تمرين تجريبي لأنه لم يجرِ كل شيء على ما يرام: مخطّط الفشل المقصود فشل أن يتحقّق كما كان مخططاً له. إذ بقي جزء كبير من الهيكل الفوقي كما هو، واستغرقت عملية استخراج القطع الفولاذية من تاون كريك ثلاثة أسابيع. تم استخدام طريقة محسنة على الجسر الثاني على الجدول الصغير الذي تحوّل إلى قطع كبيرة سمحت بعملية الإنقاذ أن تتمّ بشكل أسرع، والإخفاقات التي حصلت مع المتفجّرات أدّت إلى استخدام طريقة مختلفة تماماً بالنسبة للقناة الرئيسية في نهر كوبر. فبدلاً من تفجير الجسر وترك القِطع تقع في النهر، قام العمال بتقطيع الجسر في مكانه وتحميل القطع على مراكب، مما جعل العملية أكثر كلفة، ولكنها أكثر كفاءة، ونُقلت الحزم الفولاذية بواسطة المراكب أيضاً إلى أعلى النهر وتمّ تقطيعها لإعادة تدويرها. أما المخلفات الكونكريتية فقد نُقلت إلى البحر حيث طُمرت في مواقع موافق عليها مسبقاً لعمل أرصفة اصطناعية من الصخور. علماً أن معظم مشاريع الهدم لا تجابه مثل هذه المشاكل والتعقيدات.

يعتبر جسر كراون بوينت (Crown Point Bridge) البالغ عمره 80 عاماً رابطاً مهماً بين بحيرة شامبلين (Lake Champlain) وفورت كراون بوينت (Fort Crown Point) في نيويورك وشمني بوينت (Chimney Point) في فيرمونت (Vermont)، ومبكراً عام 2006 أعلن عن خطط لمعالجة حالة تدهور الجسر. في 2009، اكتشف من خلال فحص روتيني للجسر وجود شقوق في أعمدة الكونكريت أكبر بكثير من الشقوق المكتشفة في اختبار كل سنتين السابق، ما أشّر إلى تسارع في حالة التدهور، وتأكّدت الحالة بعد ذلك من قبل الغطّاسين الذين كانوا يقومون بفحص طوارئ تحت الماء، ولم تكن الأعمدة الكونكريتية التي صُممت وبنيت في العشرينات من القرن الماضي مسلّحة بقضبان فولاذية، حيث إن التسليح لم يكن معياراً معتمداً، كما هو الحال اليوم. فمن دون التسليح، من الصعب على هذه الأعمدة الممتدة في الماء مقاومة دفع الجليد، الذي يتكوّن أولاً قرب الساحل حيث المياه الضحلة مقارنة بالمياه في مركز البحيرة، وبالتالي يحدث هذا الدفع غير المتجانس على الأعمدة ما يؤدي إلى تقوّسها، ومن المؤكد أن مهندسي التصميم الأصليين لم يفكّروا بهذا السيناريو، ولم يبدأ بالظهور قبل بدء علامات الشقوق السيئة بازدياد على سطح الأعمدة الممتدة غير المسلحة، وأكدت الأجهزة التي تمّ تركيبها لمراقبة تحرّك الأعمدة أنها أصبحت في وضع لا يمكن إصلاحه.

بما أن الأعمدة قد ضعفت كثيراً بسبب الشقوق، أصبح من المعتقد أن الجسر نفسه معرض للسقوط في البحيرة. وخلال أسابيع من الفحص الطارئ، أُعدّ تقرير أدّى إلى إغلاق الجسر أمام حركة المرور. فليس الانهيار الفجائي للأعمدة الساندة هو الاحتمال الوحيد، ولكن أصيبت محامل (Bearing) الهيكل الفوقي الفولاذي المتقادم بالتجمّد، وهو عطل شائع مشابه لحالات التهاب المفاصل الذي يصاب به المسنّون من البشر، وإغلاق جسر كراون بوينت (Crown Point Bridge) سبب أذىً كبيراً للذين كانوا معتمدين على الجسر للذهاب اليومي إلى اعمالهم عبر البحيرة، فمن دون الجسر اضطر هؤلاء إلى قطع مسافة 100 ميل إضافية في الذهاب والعود، وكمحاولة لمعالجة الأمر، جزئياً، تم اعتماد مشروع طوارئ لإنشاء مقتربات طرقات ومواقف للسيارات وتسهيلات أخرى لإقامة خدمة عَبّارة مؤقتة [عبر البحيرة] لحين إكمال بناء الجسر الجديد. كان متوقّع له أن يستكمل  في 2012.

الجسر الضعيف أو المعيوب يشكّل خطورة كبيرة لمستخدميه، ويمكن إزالة هذه الخطورة بإغلاق الجسر، ولكن في حالة الجسر المارّ عبر بحيرة شامبلين، أو فوق أي مسارب مياه ترفيهية، هناك أيضاً خطورة لاحتمال سقوط الهيكل المتداعي على القوارب. فمن الصعوبة بمكان السيطرة على حركة مرور القوارب تحت آلاف الأقدام من الحزم الفولاذية لجسر كراون بوينت، مقارنة بالسيطرة على طريق أرضي متكوّن من مسربين فوق الجسر أو من خلاله. فاتُّخذ القرار بهدم الجسر بأسرع وقت ممكن – من المفضل قبل أن ترتفع درجات الحرارة وتبدأ القوارب باستخدام البحيرة بأعداد كبيرة. في كانون الأول/ ديسمبر 2009، تم إسقاط الجسر القديم باستخدام 500 شحنة ناسفة بداخلها ما مجموعه 800 باوند من المتفجرات. تفجير تهديمي من هذا النوع يستحوذ على نشرات الأخبار المسائية، إضافة إلى مقاطع فيديو تظهر فوراً على اليوتيوب وشبكة الإنترنت. أما المخلّفات التي سقطت في بحيرة شامبلين فقد وجب إزالتها قبل موسم الربيع، عند بدء تشييد الجسر الجديد، مع تحديد تاريخ لإكماله في 2011، والجسر الجديد الذي تمّ وصفه بصفات متباينة، بأنه "جسر قوسي مترابط بشبكة معدلة" و"هيكل فولاذي مع ما يشبه المقبض القوسي عبر المجاز الرئيسي" كان قد صُمِّم لعمر متوقّع مدته 75 سنة، وهي مدة مقاربة لعمر الجسر القديم.

في بعض الأحيان، كما الحال في جسور نهر كوبر، يمكن للفشل المخطط لهيكل أرضي أن يكون فشلاً بذاته. فالمداخن القديمة الطويلة التي كانت تعتبر في يوم ما معالم حضارية هي الآن مشاريع للهدم، كي تمهّد الطريق لأشياء أحدث، ووضع متفجرات أو سلسلة من المتفجرات بشكل مدروس في أسفل هيكل مرتفع وممشوق عادةً ما يكون كافياً لهدمه، وعندما يتمّ ذلك بشكل صحيح تعمل المتفجّرات على إسقاط الركام بنفس الدقة والفاعلية التي تُقطع بها شجرة بمنشار كهربائي، وبينما من المتوقّع أن يسقط جذع الشجرة سليماً، الإ أن المدخنة المصنوعة من القرميد ستتداعى عادة قبل أن تصل الأرض، ويحدث هذا لأن الهيكل المصنوع من القرميد قد يظهر كوحدة متماسكة عندما يكون قائماً في موقعه، ولكن عندما يبدأ بالسقوط تكون القوى المولّدة جرّاء التسارع الحاصل للهيكل أكبر مما يمكن للملاط أن يتحمّله، فالمدخنة تتقطّع في النقطة التي تتغلّب فيها هذه القوى على متانة لاصق الملاط، أما أين سيكون موقع بداية التقطع، فيعتمد على شكل وتدبيب برج القرميد، ويعتمد كذلك على مدى تصلّب الملاط في تماسك القرميد، وبالنسبة لمدخنة نمطية وملاط متردٍّ، يبدأ القرميد بالانفصال قريباً من منتصف المدخنة حال ما تبدأ بالسقوط، أما في حالة المدخنة المبنية بملاط متين فالانفصال يبدأ، عادةً، بعد ذلك أثناء الهبوط على بعد الثلث من أسفل المدخنة.

تصنع بعض المداخن من الكونكريت المسلّح، وفي هذه الحالة فإن قوى التسارع لا يمكن، بشكل عام، أن تكون قادرة على جعل الكونكريت ينفصل خلال عملية السقوط، وهو بالضبط سبب طمر فولاذ التسليح في الكونكريت في المقام الأول؛ كي يساعد على منع التشقّق في المدخنة عند هبوب الرياح. عند هدم مدخنة كهذه ستسقط قطعة واحدة، وقد تنكسر بعض الشيء عند ارتطامها بالأرض. بالطبع، من الضروري جداً أن تعمل متفجّرات الهدم على قاعدة المدخنة بالطريقة الصحيحة لكي تُسقطها بالاتجاه الصحيح، ولم يحصل هذا الأمر في حالة محطة كهرباء نهر ماد (Mad River) في سبرنغ فيلد في ولاية أوهايو، التي كان عمرها 90 سنة، حيث هدمت المدخنة الكونكريتية، التي يبلغ إرتفاعها 275 قدماً، خريف 2010، وبدلاً من أن تسقط المدخنة إلى الشرق، كما كان مخطّطاً لها، سقطت إلى الجنوب الشرقي، محطِّمةً خطّين للضغط العالي، بالإضافة إلى توربينين في المحطة، ما أدّى إلى قطع التيار الكهربائي عن نحو 4000 مستهلك. والتكهنات كانت تؤشّر إلى وجود شقوق غير مكتشفة في المدخنة، لم تؤخذ بالاعتبار عندما قام فريق الهدم بوضع المتفجّرات التي كان وزنها 17 باونداً، وحسب "رئيس فريق التفجير"، إنها المرة الرابعة فقط في سنوات خبرته الحادية والثلاثين من القيام بتفجيرات نحو الداخل للهياكل التي لم تتم المهمة حسبما كان مخطّطاً. والحقيقة، أنها المرة الثانية فقط التي حصل فيها مثل هذا الحادث خلال 25 سنة الأخيرة من العمل. ووضّح، إثباتاً لخبرته، أنه "قام بإسقاط بناية في أثينا في اليونان ارتفاعها 85 قدما،ً بنجاح حيث لم يكن هناك أكثر من 15 قدماً فسحة على جانبين، وفسحة قدرها 30 قدماً على الجانبين الآخرين". هكذا تكون أعمال الهدم – وهي عادة كذلك.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى