أدوات

التطور الزمني لاختراع آلة “التصوير الضوئي”

2002 في رحاب الكيمياء

الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي

KFAS

اختراع آلة التصوير الضوئي أدوات الكيمياء

منذ عدة أعوام ، وبالتحديد في عام 1989 احتفل بمرور مائة وخمسين عاماً على اختراع آلة التصوير الضوئي ، هذا الاختراع العظيم الذي قدم خدمات جليلة للإنسانية في مختلف  مناحي الحياة .

لقد بدأت القصة عام 1725 في جامعة التدورف بالقرب من نورنبرغ الالمانية حيث كان يعمل هاينزيش شولتز (H. Schueltz) أستاذاً للتشريح وعلاج الجروح . 

لقد لاحظ شولتز في أحد الأيام أن إناء يحتوي على أصابع الطباشير البيضاء تحول في اليوم التالي إلى اللون البنفسجي الضارب للسمرة ، وذلك فقط في الجانب الذي يواجه اشعة الشمس .

 

وبدأ شولز على الفور في البحث سبب تحول اللون وتوصل إلى أن السبب في ذلك يعود إلى الأشعة الضوئية الصادرة وليس عن الحرارة المنبعثة منها .  وتوصل كذلك إلى أن مادة الطباشير في حد ذاتها لم يتغير لونها ، ولكن ما تغير لونه هو بعض الشوائب التي علقت بها وكانت من نترات الفضة . 

وهكذا اكتشف شولتز وبمحض الصدفة أن أملاح الفضة تتكسر بفعل الأشعة الضوئية .  وقد حاول الاستفادة من هذه الملاحظة ولكن لم يتوصل إلى استخدام مفيد لهذا الأمر .

ومضى على هذه الحادثة ما يقرب من تسعين عاماً إلى أن فكر أحد المخترعين من هواة العلم وهو جوزيف نيسفور نيبسي (J.N. Nippsy) بالاشتراك مع شقيقة فيما اطلق عليه " الرسم الضوئي". 

ففي حوالي عام 1518 أصبحت تقانة الطباعة على الحجر تقانة راسخة في فرنسا ، وهنا فكر نيبسي في تطوير هذه التقانة المعقدة واقتراح استخدام الصفائح المعدنية بدلاً من النوع الخاص من الحجارة المستخدمة في هذا المجال .  

 

وحتى يتمكن من تطبيق فكرته كان بحاجة لبعض الرسوم .  وأثناء إجراء تجاربه لاحظ ان هناك نوعاً من الأسفلت يسمى "زفت اليهود" أو "أسفلت يهودا" يتاثر بالضوء بحيث يصبح قاسياً وغير قابل للذوبان في زيت الخزامي (اللافندر) . 

وكان رسامو الكليشيهات في المراسم الحجرية يستخدمون هذا النوع من الزفت لطلاء ألواحهم قبل البدء في العمل .  وكان هذا الزفت يعمل كطبقة واقية تسمح للحمض المستخدم للتاثير في المناطق التي يتم إزاحة الزفت عنها بقلم الرسامين .

وخطر لنيبسي أن يستخدم الضوء في عملية الرسم ، وقام بطلاء ألواح الطباعة بخليط من زفت اليهود وزيت التربنتين ، وترك الطلاء يجف ، ثم وضع فوقه لوحاً مطبوعاً جعله شفافاً بغمسه في الزيت . 

 

وبعد التعريض للضوء لمدة ست ساعات، وضع لوح الطباعة في زيت الخزامي ، الذي أنتج الصورة السلبية (النيجاتيف) على اللوح .  ولسوء الحظ كانت الصورة ضعيفة لدرجة لا تسمح بعمل الكليشة.

وعمل نيبسي لمدة أربعة أعوام لتطوير هذه العملية، وفي عام 1826 حقق النجاح المنشود .  وقام باستخدام كاميرا قدمها له أحد محلات العدسات الضوئية في باريس ، وتمكن من تسجيل منظر من شباك مكتبة على لوح قصدير مصقول كان قد طلاه بزفت اليهود.  وكانت هذه اول صورة التقطها إنسان . 

وقد اطلق نيبسي على اختراعه الرسم بالشمس (الهيلوغرافيا) ولكنه لم يكن راضياً عن عمله هذا ، ذلك أن مدة التعريض الطويلة للضوء تجعل الصورة غير واضحة . 

 

قام بإجراء العديد من التجارب واستخدام مختلف الأفكار لجعل الصورة أكثر وضوحاً ، ولكن لم يتمكن من ذلك وأقلع عن إجراء التجارب على الرغم من أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفه ، ذلك أن كل ما كان ينقصه هي الوسيلة اللازمة لتثبيت الصورة الضوئية .

وبعد عدة سنوات قام رجل فرنسي آخر هو لويس داغوير (L. Daguire) بالحصول من سلفه نيبسي على أسرار هذا الاختراع وبدأ في العمل على تثبيت الصورة الضوئية بوسائل كيميائية، ويوماً بعد يوم كان داغوير يجري تجاربه على ألواح من النحاس طليت بطبقة رقيقة من يود الفضة ومن ثم تعريضها للضوء من خلال كاميرا خاصة اعدها لهذا الغرض . 

وفجأة وبعد نسوات من المحاولة حقق داغوير النجاح المنشود ولكنه لم يعرف لماذا نجح في تلك المحاولة .

ويصف أحد المؤرخين لتاريخ التصوير هذا الحادث على النحو التالي "في أحد الأيام وبينما كان داغوير يقوم بإحدى محاولاته في تعريض الواحة للضوء اكفهوا الجو وأظلمت السماء ، فقام داغوير بنزع اللوح المعرض للضوء ووضعه في دولاب مقفل .  وفي اليوم التالي حينما فتح الدولاب وجد على اللوح صورة واضحة رائعة . 

 

وهنا خطر له في الحال ان يكون في الدولاب شيء ما ساعد على إشهار الصورة .  ولما كان دولابه يحتوي على العديد من المواد الكيميائية ، فقد بدأ يومياً في إعادة تجربته ووضع لوحة في الدولاب بعد أن يقوم بإبعاد واحدة من المركبات الكيميائية من دولابه . 

واستمر في هذه المحاولات إلى أن أبعد كل المواد من دولابه ، وكان في كل مرة يحصل على صورة واضحة كما حدث في المرة الأولى .  وهنا أمعن داغوير النظر في دولابه فوجد به طبقاً يحتوي على كمية بسيطة من الزئبق كانت قد انسكبت من محرار (ثرمومتر) مكسور .

وخطر له أن يكون بخار الزئبق في الدولاب هو المسؤول عن تثبيت الصورة .  وهنا قام بتعريض لوحة جديدة لفترة زمنية بسيطة للضوء وقبل أن تظهر على اللوحة أية صورة عرض اللوحة لبخار الزئبق وهناك كانت المفاجأة السارة .  لقد ظهرت على اللوحة صورة واضحة في أدق تفصيلاتها وهي صورة طبق الأصل للمنطقة التي صورها على لوحته".

 

ومن الناحية الكيميائية أمكن تفسير ذلك بأن بخار الزئبق تفاعل مع يود الفضة مكوناً ملغماً في المناطق التي تكون فيها فلز الفضة بتأثير الضوء.

وبعد هذا النجاح قام داغوير ببيع اكتشافه للحكومة الفرنسية مقابل راتب سنوي يبلغ ستة آلاف فرنك مدى الحياة ، وتم نشر الاختراع في التاسع عشر من أغسطس (آب) عام  1839 .

وبدأ العصر الحقيقي للتصوير حينما أعلنت إحدى الشركات الفرنسية أن بإمكان السائح الفرنسي أن يسافر إلى البلاد المختلفة ويعود بصور للآثار والمشاهد التي رآها باستخدام جهاز التصوير الذي صنعته تلك الشركة .

 

ووصلت اخبار "الرسم بالضوء" إلى بريطانيا ، مما يسبب إحباطاً لرجل كان يعمل لوقت طويل في نفس المجال وهو وليام هنري فوكس تالبوت (W.H.F. Talbot) ، والذي كان باحثاً لغوياً ونباتياً وفيزيائياً ورياضياً . 

وقام بإرسال عشرات الرسائل إلى باريس ولندن ليثبت أنه هو وليس داغوير صاحب هذا الاختراع .  ولكن الأهم من ذلك أن تالبوت لم يصب باليأس بل سارع الخطى لتطوير اختراعه الخاص وتحسين وسائل تثبيت وتظهير الصورة ،

حتى جاء اليوم الذي اكتشف فيه الصورة الكامنة عام 1840 ولعبت الصدفة في هذه المرة ايضاً الدور الاساسي . كان تالبوت يعالج أوراقه بطرق مختلفة بمحاليل نترات الفضة ويود البوتاسيوم ومواد أخرى قبل تعريضها في الكاميرا للضوء لبضع دقائق ، ولكن هذا لم يؤدي إلى نتيجة ملموسة . 

 

وفي يوم من الأيام ترك تالبوت واحدة من هذه الأوراق  التي جرى تعريضها للضوء في غرفته المظلمة .  وعندما نظر إليها اصابته الدهشة .. لقد ظهرت عليها صورة واضحة لم يحصل عليها من قبل .. وقام بعد ذلك بمعالجة الصورة بحمض الغال المخفف ونترات الفضة ، أي انه قام بما يعرف حالياً بتظهير الصورة ، وكانت ميزته هذه الطريقة هو اختصار وقت تعريض ورق التصوير للضوء من ساعة إلى بضع دقائق ، لكن بقيت الحاجة ماسة إلى مانسميه حالياً بتثبيت الصورة . 

وهنا اقترح الباحث البريطاني السير جون هيرش (J. Hirsh) على تالبوت أن يحاول غسل ما تبقى من نترات الفضة غير المتفاعلة هيبوسلفيت الصوديوم والذي رعف باسم "هايبو"، وحينما قام تالبوت بذلك حقق النجاح المنشود واكتملت تقنية التصوير إلى حد بعيد . 

وقد مثل ذلك اول خطوة في نظام الصورة السلبية / الإيجابية وهذا أساس التصوير الحديث . 

 

وهكذا تفوق تالبوت على نظيره الفرنسين إذ أصبح بالإمكان سحب أي عدد مطلوب من الصور باستخدام الصورة السلبية (النيجاتيف) ، في حين أن تقنية داغوير لا تسمح إلا بالحصول على صورة واحدة فقط .

وقد بزغ فجر جديد في عالم التصوير حينما قام الحات الإنجليزي فريدريك سكوت آرشر (F. S. Arsher) بابتكار طريقة استخدام الواح زجاجية للتصوير بدلاً من الالواح المعدنية والورق ، وذلك بطلائها بطبقة حساسة استخدم فيها الكولوديون المحتوي على املاح الفضة، واستمرت هذه التقنية سائدة حتى عام 1880.

 

وبعدها شهدت تقنيات التصوير الضوئي أو ما يسمى " الرسم الضوئي" تطورات هائلة في مجال صناعة افلام التصوير ودرجة حساسيتها ووسائل التظهير ، وجاء بعدها التصوير الملون . 

لقد كانت البدايات الاولى هي حجر الأساس الذي قام عليه عالم كامل في مجالات التصوير العادي والسينمائي والفضائي والطبي والعلاجي وغيرها كثير .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى