علوم الأرض والجيولوجيا

التأثير البيئي والصحي لمشاريع المصبات البحرية

1996 المصبات البحرية لمياه الصرف الصحي

أ.د عادل رفقي عوض

KFAS

مشاريع المصبات البحرية علوم الأرض والجيولوجيا

يتزايد الإدراك في العالم أجمع للحاجة إلى تقييم الانعكاسات الضمنية لسياسات ومشاريع التنمية الرئيسية والعددية على صحة الانسان.

إن الاعتقاد السائد الذي يقوم على مبدأ إن "الوقاية خير من العلاج"، لم يكن ليطبق على حالة أفضل من حالة تقييم الضرر الكامن الذي قد يقع لدى تنفيذ هذه المشاريع وخاصة في البلدان العربية والنامية.

لقد ألمحت الأجزاء السابقة من الكتاب إلى بعض الاعتبارات البيئية من خلال الحديث عن المصبات البحرية، وما يتعلق بها من شروط البيئة البحرية إلا أن إفرادنا لهذا الجزء من الكتاب جاء لغرض التوسع والإفاضة في الحديث عن التقييم البيئي المرتبط بمشاريع المصبات البحرية.

إن التخطيط السليم للتنمية والالتزام بالضوابط هو من الأمور الأساسية التي يلجأ إليها بداية تجنبا للتأثيرات الضارة على الصحة.

 

إن التخلص من مياه صرف المجاري في البحر بواسطة المصبات البحرية وأنظمة الرذاذات (diffuser systems)، هو خيار حيوي للعديد من التجمعات السكنية الساحلية في العالم وخاصة في الدول العربية والنامية نظرا لمحدودية مواردها المالية.

إن مثل هذه الأنظمة عندما يتم تصميمها وتنفيذها وتشغيلها فإنها تستفيد بالحدود القصوى من قدرة التمثيل (التفاعل) الطبيعية لدى بيئة مياه البحر، والتي تصلح كوسيلة تصريف ومعالجة، وعندما يكون التخطيط فيها سليما فإنها لا تعطي تأثيرات سلبية على مياه هذه البحار.

إن الغاية من هذه الدراسة هي تقديم إرشاد مكثف للكوادر الفنية في البلدان العربية والنامية، والتي تحتاج إلى فهم واضح ومتكامل عن التأثيرات البيئية المحتملة الناتجة عن أنظمة الصرف الصحي باستخدام المصبات البحرية وعن العوامل الأساسية التي تتحكم بهذه التأثيرات وخاصة الصحية منها.

 

اعتبارات التأثير البيئي

إن التأثيرات المحتملة لتصريف مياه المجاري في مياه البحر يمكن تصنيفها إلى تأثيرات على الصحة العامة وتأثيرات جمالية على البيئة البحرية.

أ- التأثيرات على الصحة العامة

إن موضوع الاهتمام بالصحة العامة فيما يتعلق بالشروط الجرثومية (البكتيريا لوجية) في مياه الاستحمام يرتكز على منع الاحتكاك فيها بين الأشخاص الذي يستخدمون المياه في النشاطات الاستجمامية والجراثيم الممرضة التي قد تتواجد في هذه المياه فيما لو تأثرت إلى حد كبير بالمواد الموجودة في مياه الصرف الصحي.

وتشير الاستقصاءات الحديثة إلى الارتباط الوثيق بين المستويات الجرثومية والأعراض المعوية الهضمية التي تُعزى إلى السباحة في المياه الملوثة، وخاصة أولئك السابحين الذي تقل أعمارهم عن 4 سنوات.

إن اعتبارات الصحة البشرية العامة هي أهم بكثير في المياه البحرية من تأثيرات تقع على المحار وبالتالي يتأثر بها آكلوه.

 

وهناك إثبات يجزم أن الأمراض مثل التيفوئيد والتهاب الكبد تنتقل بواسطة تناول المحار الذي يعيش في المياه الملوثة، ذلك أن المحار يُركز (يكثف) الميكروبات من خلال تصفيته الطبيعية لكميات كبيرة من مياه البحر.

إضافة إلى أنه يؤمن بيئة صالحة لاستمرار نمو الجراثيم الممرضة. وهكذا فإن المياه التي تحتوي على أعداد قليلة نسبيا من المكروبات الضارة بإمكانها أن تقدم المحار الذي يحتوي على مركزات لنقل الأمراض.

وقد حصلت حالات شديدة من التسمم الناتج عن الطرح المباشر للملوثات في مياه البحر، كما في حادثة خليج ميناماتا Minamata في اليابان حيث دخلت الخليج كميات كبيرة من زئبق الميثيل السام. على كل حال فإن مثل هذه الحالات لا ترتبط بالأنظمة التي تصرّف مياه مجاري المدن عبر أنظمة التصريف البحري الصحيحة.

 

ب- التأثيرات الجمالية

إن الموضوع الجمالي يرتبط بالوجود المحتمل لمياه مجاري تحتوي على مواد مثل الأجسام الصلبة الطافية والشحوم والزيوت، التي تؤدي إلى تلوث يؤذي النظر والشم وإلى الإخلال بلون مياه البحر عندما يكون انحلال الملوثات غير كاف.

إن المعالجة الأولية الصحيحة والتصميم الصحيح لأنظمة انتشار (diffuser) المصبات المائية البحرية يمكنهما تأمين تحكم فعال في المشاكل الجمالية.

 

جـ التأثيرات الايكولوجية

إن التأثيرات البيئية تشمل تأثير المواد الموجودة في مياه المجاري على جميع أنواع الكائنات الحية البحرية، بما فيها المواد المحتمل أن تكون سامة مثل الهايدروكربونات الملكورة (DDT, PCB) والمعادن والمواد المغذية والبلانكتونات وعلاقتها بظاهرة النمو المتزايد للطحالب (eutrophication) وتأثيرات المادة من جسيمات دقيقة على الكائنات الحية القاعية (البنتوس).

 

د- التصريف الضخم لمياه الصرف الصحي في المناطق الصناعية الكثيفة

في حال صب مياه التلوث الصناعية الحاوية على معادن ثقيلة أو ضارة بالصحة أو مركبات عضوية أخرى في شبكة الصرف الصحي في المدن، فيجب أن تكون هنالك قوانين تحدد المعايير المسموح بها من المواد المذكورة سابقا والتي يجب أن تلتزم بها الصناعات المختلفة من خلال تحقيق المعالجات الأولية الضرورية في مصدر طرح الملوثات الصناعية.

أما في حال صب مياه التلوث الصناعية مباشرة باتجاه البحر عبر المصب البحري (في حالة كون المصانع قريبة من شاطئ البحر) فيجب أيضا وجود قوانين أشد صرامة من الحالة السابقة تحدد المعايير المسموح بها من المواد أو المركبات الضارة قبل التخلص منها.

 

وقد أشارت الدراسات إلى أنه حيث تطرح كميات كبيرة من مياه الصرف الحاوية على كميات كبيرة من ملوثات الصرف الصناعي تتواجد جزئيات من المادة الدقائقية بإمكانها أن تتسبب في تأثيرات بيئية سلبية للأسباب التالية:

1- إن الجزيئات الدقيقة تميل نحو الاندماج والتخثر في مياه البحر، وأن اتحادها مع الأجسام الصلبة المعلقة والمطروحة يمكن أن يؤدي إلى إغناء عضوي للرسوبات القاعية في منطقة الجزء الرذاذ diffuser من المصب البحري، وذلك إذا كان معدل الترسيب أكبر من معدل التمثيل والهضم في أرضية البحر (القاع).

2- إن المعادن النزرة والعضويات النزرة تميل للارتباط بالجسيمات الدقيقة، وهكذا يمكن أن تتجمع إلى حدود ضارة.

3- يمكن للجزيئات أن تخفف من انتقال الضوء وبالتالي تعطي تأثيرا سيئا على نمو عشب الكالب kelp وكائنات حية بحرية أخرى.

 

وفي ظل هذه الظروف لا بد أن تأخذ المعالجة الأولية في الحسبان عملية التخلص الإضافي من المواد الصلبة العالقة باستخدام الترسيب الابتدائي (primary sedimentation) وللتخلص من الجزيئات بالحد الأقصى تم تطوير عمليات معالجة ابتدائية متقدمة هذه تشتمل على استخدام البوليميرات في عمليات الترسيب واستعمال الغربلة الدقيقة النهائية، وهذه حققت زيادة في التخلص من الأجسام الصلبة العالقة بنسبة بلغت حتى 70 إلى 80 بالمائة.

على كل حال إن مثل هذه الاعتبارات لا تدخل عادة في اهتمامات الأنظمة البلدية التقليدية في البلدان النامية حيث إن الحجوم الهائلة من مياه الصرف الصحي لا مجال لتركيزها في منطقة طرح أو صب واحدة في مياه البحر.

وللوصول إلى تفهم كامل للتأثيرات المحتملة لأنظمة التخلص من مياه الصرف الصحي بواسطة المصبات البحرية من الضروري دراسة العوامل المختلفة التي تصلح أن تكون أساسا للتخطيط السليم لمثل هذه الانظمة إضاة إلى جميع الفنون الداخلة في تصميم النظام.

 

في حالة الدول العربية أو النامية لا توجد عادة قوانين ملزمة لأصحاب المصانع والمنشآت الصناعية الصغيرة أو المتوسطة أو الضخمة والحاوية على ملوثات صناعية ضارة أو خطرة وهي لا تتضمن المعايير المسموح بها لهذا المواد والمركبات.

وحتى لو وجدت هذه المعايير فإنها ستكون شكلية أو يكون الالتزام بها منفذا فقط على الورق وفي الكتب الرسمية المتبادلة بين الجهات البلدية وإدارات المصانع، لذلك فإننا نعرض في الشكل رقم (6-1) لنموذج مخطط نهجي لمراحل ترخيص مصنع تصب مياهه الملوثة في شبكة الصرف الصحي العامة.

وبذلك يمكن الاطمئنان على وجود نوع الضغط الحقيقي على أصحاب المصانع والمشاريع لتحقيق معالجة أولية لمياه الصرف الصناعي قبل التخلص منها، بما يحقق حماية للبيئة البحرية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى