علم الفلك

الأفكار المقدمة في شرح طبيعة الكون البدائي والأوضاع السائدة به

1996 نحن والكون

عبد الوهاب سليمان الشراد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الكون البدائي طبيعة الكون البدائي علم الفلك

ولابد في حديثنا من إلقاء نظرة على الأفكار التي قدمت لشرح طبيعة الكون البدائي والأوضاع والظروف التي كانت سائدة به .

فلقد افترض مجموعة من الفيزيائيين في أواخر الأربعينات في عام ١٩٤٨ وهم جورج جامو    G. Gamo (1904-1968) ورالف آلفر Alphet.R وروبرت هيرمانHerman  .R . 

بأن من المؤكد أن الكون البدائي كان أعلى حرارة عندما كانت الكثافة والضغط بدرجة عالية جدا مما هما عليه اليوم وأنه من المفترض تحت مثل تلك الظروف من الحرارة والكثافة العاليتين قد جرت تفاعلات نووية حرارية في ارجاء الكون ، وقد تكون تلك التفاعلات مماثلة لما يجري الآن في مراكز النجوم ، مثل الشمس .

 

ففي مركز الشمس تلتحم ذرات الهيدروجين فتندمج مع بعضها لتكوين الهيليوم ، كما افترض هؤلاء أيضا أن عملية حرق الهيدروجين التي حدثت بعد فترة وجيزة من وقوع الانفجار الكبير من المحتمل أن تعلل ظهور الهيليوم البدائي في كل أنحاء الكون. 

ومن خلال ذلك التفكير يمكن بلوغ نتيجة مهمة ، وهي أنه خلال حالة درجة الحرارة المرتفعة جدا التي لابد أنها كانت سائدة في الكون منذ بلايين السنين ، فإن بعضها منها لا يزال موجودا حتى الآن .

لقد قام الفيزيائي بيبلزB peebles  في أوائل الستينات بإعادة دراسة واختبار المفاهيم التي تبحث في الكون البدائي بتفصيل أشمل يفوق من سبقه. 

 

ولقد مكنته حساباته من إدراك الأهمية القصوى لنشوء الحرارة المرتفعة التي تلت الانفجار الكبير بفترة وجيزة.

ففي حالة عدم وجود الإشعاع الشديد المرافق لدرجات الحرارة العالية ، تجري التفاعلات النووية الحرارية بعنف شديد ، مما يؤدي الى تحول الهيدروجين بسرعة عالية الى هيليوم ، الذي يحترق بدورة مباشرة لتتشكل منه العناصر الأثقل .

ورغم ذلك إلا أن الوضع كما يبدو لم يحدث بهذا التسلسل ، فمعظم الغاز الأساسي المتبقي من الانفجار الكبير يتكون من الهيدروجين الذي تعادل نسبته ٧٥٪ ، وتشكل ٢٥٪ المتبقية من وزنه غاز الهيليوم. 

 

ومن المعلوم لنا أن الهيدروجين والهيليوم هما الغازان الوحيدان اللذان تتكون منهما النجوم المعمرة ، ولم يتواجد من العناصر الأثقل ما عاصر ولادة الكون .

ولقد قدم بيبلز ملاحظة تساند الوضع السابق ، فالإشعاع العالي الكثيف الذي تولد بعد الانفجار الكبير عمل على تحطيم الأنوية الثقيلة عند تكونها.

ونتيجة لذلك الطرح فلابد من أن الكون البدائي كان برمته مشبعا بإشعاع شديد القوة ، له درجة حرارة تعادل بضع مئات ملايين من الدرجات ، وذلك ما يعرف بالكرة النارية البدائية pri- mordial  Fireball  .

 

حينما يتحدث الفيزيائيون عن الإشعاع أو الضوء فهم عادة ما يشيرون الى الفوتونات photons ، ولعل بالإمكان تخيل الفوتون على هيئة جزء صغير أو قطعة دقيقة من الإشعاع ، تشابه تماما مفهومنا للذرة على أنها قطعة صغيرة جدا من المادة .

ولقد أدرك العلماء منذ بداية هذا القرن أن الإشعاع يتكون من فوتونات عادة ما تكون ضئيلة جدا ، واعدادها هائلة لا تحصى بحيث لا يمكن كشف أي منها بصورة منفردة .

وتتوقف الطاقة التي ينقلها الفوتون فقط على طوله الموجي  ، فكلما قصر الطول الموجي كلما ازدادت الطاقة .

 

وتعد إشعاعات جاما Gamma من أقصر الأطوال الموجية بين الموجية بين جميع أنواع الإشعاعات الكهرومغناطيسية ، ويقع ترددها عند ٣×١٠ ١٩ هرتز .

وفي الواقع بإمكان أشعة جاما الصادرة عن مسرع نووي اختراق عدة طبقات سميكة من الرصاص أو الخرسانة.

ولفوتونات الأشعة السينية RayX موجات أطول قليلا من موجات جاما ، ولها تردد يعادل نحو ٣×١٠ ١٨ هرتز ، وذلك يدل على أن فوتونات الأشعة السينية تنقل طاقة أدنى قليلا مما تنقله فوتونات أشعة جاما.

 

وبإمكان الأشعة السينية اختراق الجسم البشري بيسر ، لكنها لا تقوى على اختراق الرصاص ، أما الموجات الراديوية فلها أطول موجة ، أي أن الفوتونات الموجية الراديوية تنقل أدنى طاقة من بين كل أنواع فوتونات الإشعاعات المختلفة .

ولكل الأجسام خاصية مميزة ، فهي عند درجة حرارة محددة ، يكون لها قدرة إشعاع فوتونات تكون متمركزة عند طول موجي محدد .

فالجسم البارد الذي لا تزيد درجة حرارته عند بضع درجات فوق الصفر المطلق ١٥, ٢٧٣° سليزية – يبث فوتونات الموجات الراديوية التي لها أطوال موجية كبيرة وطاقة منخفضة .

بينما يبث الجسم الأسخن الذي له درجة حرارة فوق الصفر المطلق ببضع درجات فوتونات معتدلة الطاقة عند الأطوال الموجية المتوسطة .

 

وفي حالة الأجسام شديدة الحرارة والتي تبلغ درجة حرارتها بضع ملايين من الدرجات فتشكل مصدرا كثيفا للفوتونات عالية الطاقة قصيرة الأطوال الموجية ، مثل إشعاعات جاما والسينية .

وتبعا لأفكار بيبلز فان فوتونات أشعة جاما عالية الطاقة التي كانت منتشرة في الكون البدائي عالي الحرارة  ، عملت على تحطيم وتجزئة الأنوية الثقيلة حينما تتشكل .

وبدون الكرة النارية البدائية من فوتونات أشعة جاما عالية الطاقة ، فإن كل الهيدروجين البدائي سيتحول الى عناصر ثقيلة مثل الحديد Iron.

 

ونستدل من البدايات الأولى للكون عندما كانت درجات الحرارة عالية والكثافة هائلة فلابد أنه قد كان مظلما ، ولم يكن بمقدور فوتونات أشعة جاما الانتقال إلا الى مسافة قصيرة جدا ، ثم تصطدم بعدها بجسيم أو فوتون آخر .

وعندما بدأ الكون بالتمدد تبع ذلك أن بدأت أطوال الفوتونات الموجية في الكرة النارية البدائية بالاستطالة تباعا. 

ويدل ازدياد الأطوال الموجية على تدني الطاقة التي ينقلها كل فوتون ، ومع تدني الطاقة المنقولة أخذت درجة حرارة الكرة النارية بالانخفاض ، وابتدأ الكون بعد ذلك بالبرودة تدريجياً

 

تدلنا الأرصاد على أن الهيدروجين هو أكثر العناصر وفرة في الكون إذ يشكل 39٪ من كتلته ، وتتكون ذرته – وهي أبسط وأخف ذرة في الطبيعة – من الكترون سالب الشحنة الكهربائية يدور في مدار حول بروتون موجب الشحنة.

ويمكن تمثيلها بنظام شمسي ذري دقيق ، ويبدو جليا أن درجات الحرارة عبر ٧٠٠ ألف سنة الأولى من عمر الكون كانت مرتفعة جدا بحيث أنها لم تسمح للالكترونات والبروتونات بالاتحاد لتكوين ذرات الهيدروجين ، وساهمت عملية التشظية bombardment بفعل الفوتونات عالية الطاقة على تحطم ذرات الهيدروجين لحظياً عن تكونها .

ولا شك أن الالكترونات الحرة المتحركة حول الكرة النارية قد قامت بدور مميز في استمرار ظلمة الكون ، وذلك حينما كان في بدايته عالي الحرارة ، ولقد كانت الالكترونات قادرة بيسر وكفاءة على تشتيت الفوتونات ، ولم يكن لأي منها الإمكانية للتحرك بعيدا ، لذا لابد وأن يصطدم بالالكترونات الحرة الطليقة .

 

وحينما أصبح عمر الكون نحو ٧٠٠ ألف سنة بردت الكرة النارية البدائية وصار بإمكان ذرات الهيدروجين أن تتشكل بدون أن يحدث لها تشظية مستمرة .

ولم ينقص زمن طويل حتى اختفت مصادر إشعاع الموجات القصيرة والفوتونات العالية ، مما يمكن من استمرار الاصطدام الى الحد الذي تظل فيه الالكترونات والبروتونات في حال انفصال .

وقد ساهم تمدد الكون واتساعه في إحداث استطالة وازدياد في أطوال الفوتونات الموجية ، وبذلك تدنى تأثير الفوتونات ، حتى بلغت الالكترونات والبروتونات حالة من الحرية التامة تسمح لها بالاتحاد لتشكيل ذرات الهيدروجين .

 

ويعد تشكل غاز الهيدروجين في أرجاء الكون حدثا بارزا وهاما في تاريخ الكون ، فلم يعد هناك ولأول مرة مصدر شديد الالكترونات حرة تقوم بتشتيت وانحراف فوتونات الكرة النارية .

كما تمكن الإشعاع الصادر من الكرة النارية ولأول مرة من أن يتحرك في مساره عبر الفضاء بدون إعاقة وصعوبة شديدين، وبذلك أصبح الكون شفافا  Transparent .

 

ولقد أصبح الكون شفافا بعد نحو ٧٠٠ ألف سنة من وقوع الانفجار الكبير ، وعند لحظة الانفجار كانت درجة حرارة الكرة النارية البدائية تعادل نحو ٣٠٠٠° مطلقة.

ومنذ تلك اللحظة بدأ الكون بالتمدد بعامل يعادل  ١٠٠٠ ، ويدل ذلك على أن التمدد الجاري في الكون قد عمل على أن تستطيل أطوال الفوتونات الموجية التي غادرت الكرة النارية بعامل يعادل ١٠٠٠ .

وبمعنى آخر إن كل الأطوال الموجية عانت من حيود نحو الأحمر Z=١٠٠٠ أي أن  درجة حرارة الإشعاع القادم من الكرة النارية قد انخفض بعامل يعادل ١٠٠٠ ، أي يفترض أن تكون درجة الحرارة الآن ٣° فوق الصفر المطلق .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى