البيولوجيا وعلوم الحياة

الأسباب المختلفة والمؤدية إلى الإصابة بـ”الأمراض العقلية”

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

البيولوجيا وعلوم الحياة

ما زال الشك وعدم الثقة كبيرا وبخاصة بالنسبة لتوجيه النصيحة إلى الناس الذين ينتمون إلى أسر لها تاريخ في الأمراض العقلية فيما إذا كان لهم أن ينجبوا أو عليهم ألا ينجبوا، وذلك لأن سلوكهم في رعاية الأطفال، وكذلك حملهم للصفات الوراثية يجب أن تؤخذ في الاعتبار. 

ففي غياب المعلومات الصادقة والموثقة التي يستخدمها الاستشاري والناصح المدرب تدريبا جيدا، فإن حماس المحلل النفسي للأسباب الجينية الوراثية للأمراض العقلية، والاستعداد للاقتناع والاندماج في الحكمة الشعبية في رؤيتها للجنون على أنه وراثي، كل هذا يعطي أهمية خاصة لكي يصبح التنبؤ على أساس المؤشرات أو العلامات البيولوجية يأخذ العلاقات الاجتماعية بين الافراد في الاعتبار. 

فالباحثون المؤمنون والملتزمون التزاما قويا بنموذج الطب البيولوجي وآثاره قد يتجاهلون أحيانا حقيقة ان المظاهر النمطية المعبرة عن الاتجاهات والصفات الجينية تتطلب تفاعلا ملموسا بين الاستعداد وبين عناصر بيئية معينة، حتى أنها قد تقتضي وجود أمراض معينة كعوامل مشاركة أو إضافية لتؤدي إلى ظهور حالة معينة.

 

وبينما تؤيد الكثير من الكتابات والنتائج العلمية احتمال وجود استعداد جيني لحالات الفصام أو الشيزوفرانيا، فإن هناك ايضا دليلا على أن ظهور هذا المرض بصورته التي يمكن تشخيصها سريريا أو اكلينيكيا يغلب أن يكون من خلال إصابات للجهاز العصبي (مثل التي تترتب على حالات الولادة العسرة أو نتيجة لإصابة الطفل أو الأم بمرض فيروسي أو أي مرض آخر أو بسبب الضغوط والتوترات المترتبة على الظروف البيئية.

وبالمثل قد يقل حدوثها نتيجة للعلاقات الشخصية الجيدة والتي تعتبر عوامل وقائية (وات وآخرون Watt et al.، 1984). 

وتبين لنا المعلومات المتوافرة بين أيدينا "أنه نادرا ما يكون للعوامل الجينية الوراثية أثرها في أكثر من نصف حالات تغير الخصائص السلوكية مما يدعو إلى الاهتمام الشديد والخطير بالعوامل والأسباب الأخرى غير الوراثية "بلومين Plomin، 1989، ص 645".

 

فيبدو أن السبب الوراثي للخلاف السلوكي متعدد، فتدلنا النتائج على تباين وتعدد العوامل الجينية المهيئة والمساعدة على حدوث الفصام "كيد Kidd، 1989، ص 645".

وتثبت العيوب التشريحية الدماغية لحالة فصام في واحد من توأمين وحيدي البويضة غير متساويين في الإصابة بالفصام أن السبب يعود إلى عوامل غير وراثية "سوداث وآخرون. Suddath et al، 1990". 

وتوجد هذه النتائج التي تبينت من الكشف بالرنين المغناطيسي في 12 و 15 مجموعة توائم، منها اثنان فقط يدل تاريخ الأسرة على وجود فصام.  

 

وتؤيد مثل هذه المعلومات فكرتين متداخلتين كان لهما تاثير في البحوث المنشورة على مدى 75 سنة تقريبا. 

إحدى هاتين الفكرتين هي أن الفصام يتضمن مجموعة من الاختلالات، وربما كانت تمثل مسارا نهائيا يمكن الوصول إليه من خلال اكثر من طريق واحد.

أما الثانية فهي أن بناء المخ ووظائفه تدخل في إطار حدوثه وتطوره، ومع ذلك فيبدو أنه لا فساد المخ حتى الذي يحدث في مرحلة مبكرة من التطور، ولا تاريخ الأسرة، ولا الخبرة التطورية المعينة هي بالضرورة أسباب ضرورية أو وحيدة أو كافية لتبرير هذا الخلل المعقد.

 

ولعل القابلية الوراثية لعديد من أمراض الذهان الكآبي او الاكتئابي  تبدو معتمدة أكثر على تأصيل المرض في الأسرة معها في حالة الفصام، ولكن البيانات ليست من الكفاية بحيث تسمح لنا الآن أن تصل إلى حد اليقين. 

فعلى سبيل المثال التقارير التي أعدتها جنيس إيجلاند (Janice Egeland) وفريق العمل والذي يذكر أن وجود مرض الذهان الاكتئابي في إحدى الأسر في مجتمع من المولدين داخليا أو من زواج الأقارب يرجع عادة إلى عدم تكرار جينة مفردة على كروموزوم 11 "رغم أن 40% من الذين اكتشف لديهم نفس الحالة الجينية لم تظهر عليهم أي اختلالات". 

ومن بين المشاكل البحثية التي عرفها كيلسوي Kel-soe ورفاقه مشكلة وضوح وثبات التعريف الدقيق للأعراض التشخيصية الاكلينيكة المستخدمة للتعرف على الحالة، والحاجة إلى متابعة المستودعات الذي يوجد به عدد كبير من المرضى المتوقع إصابتهم بالمرض على مدى طويل.

 

يكفي للتعرف على الحالات الإضافية أو الجديدة من المرض عند ظهورها في أفراد لم تكن تتوفر فيهم أعراض المرض وقد إجراء الدراسات "بارينكاجا Barinaga ، 1989" وتؤكد مثل هذه الحقائق مصداقية النتائج التي توصل إليها كندلر ورفاقه Ken-dler et al، والذي يبدو أنه كشف من خلال أساليب تحليل العناصر الوراثية المتعددة أن الجينات تعمل بصورة غير نوعية ومحددة لتؤثر في المستوى العام للأعراض النفسية.

ويبدو أن الضغوط البيئية بالنسبة للاشخاص الذين لديهم قابلية للأمراض العقلية لها تأثير خاص على الأعراض المرتبطة بالقلق أكثر من تأثيرها على الاعراض المرتبطة بالاكتئاب ذاته. 

 

وربما كانت العلاقة القائمة بين مرض الذهان الاكتئابي والسمات أو العلامات الجينية على عدد من الكروموزومات، مؤشرا على وجود أشكال وراثية متعددة من الذهان الاكتئابي "بارون Baron، 1989". 

وتدلنا كل هذه النتائج على درجة الصعوبة في تكوين تنبؤات قاطعة عن ظهور المرض، إذ أن ذلك يؤدي إلى احتمال الوصمة والألم العقلي والنفسي والقرارات غير المؤكدة حينما يفشل الاستشاريون في أخذ كل المتغيرات في اعتبارهم.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى