العلوم الإنسانية والإجتماعية

استرتيجيات النشطاء المناهضين من أجل التغيير التكنولوجي

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة

حذّر المفكّر السياسي لانغدون وينر (Langdon Winner) في دراسة مدرسية عن الآثار الاجتماعية للتكنولوجيا، من مهالك المناقشات المعاصرة حول المخاطر.

فقد لاحظ أن النقاد الاجتماعيين والنشطاء كثيراً ما يتحولون إلى خطابات حول الأخطار على الجسم من أجل تحفيز الاحتجاج الشعبي.

لقد كتب ونر (Winner 1986, 141)، «إن من الواضح أن الإنذارات حول بعض المخاطر سوف تثير مخيلة الناس حيث لا تقوم بذلك الانتقادات العامة الأكثر طموحاً.

وعليه، فإن سياسة المخاطر تصبح في كثيرٍ من الأحيان استراتيجية مكمّلة أو حتى بديلة عن سياسات العدالة الاجتماعية». لكن عندما يحتل خطاب المخاطر مكان المطالب  بالعدالة الاجتماعية نحن نتمسّك «بالوضع الراهن للإنتاج والاستهلاك في صناعتنا ومجتمعنا الموجّه نحو السوق».

هذا بسبب أن «الممارسات الصناعية المقبولة سابقاً التي أصبحت مقياساً معيارياً للتفكير بما سيكون مقبولاً في الحاضر والمستقبل».

وعليه، «إن نقاش المخاطر هو النقاش الذي قد نتوقع خسارته بعض الأصناف المعيّنة [المهمة] من الاهتمامات الاجتماعية بمجرد خوضها فيه (مصدر سابق، 148-149). ففي الواقع، إن المدافعين عن التطوّرات التكنولوجيا الجديدة، عادة ما يحاولون تقليل القلق العام من خلال المقارنة بتكنولوجيات أخرى تمّ قبولها إلا أنها ضارة.

ورغم أن المفكّر ونر قد كتب تحليله هذا قبل انتشار البذور المهندسة وراثياً بشكل تجاري، لكن هذا التحليل وثيق الصلة بشكل لافت بالصراع على المحاصيل المهندسة وراثياً عالمياً.

 

فالحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية قد اكتسبت تأييداً شعبياً واسعاً، أساساً، من خلال التعبئة بالخوف من مخاطر تناول الأطعمة المهندسة وراثياً. في حين كانت ردّة فعل المناصرين للمحاصيل المهندسة وراثياً تشير في كثير من الأحيان إلى أن نقّادها يخشون بصورة عقلانية مخاطر التكنولوجيا، مقارنة مع المخاطر المعروفة التي تشكّلها الأطعمة والممارسات الزراعية الأخرى.

وغالباً ما يتجاهل النقاش على الأطعمة المهندسة وراثياً، والمرتكز على هذه المخاطر نضالات ومعاناة المزارعين والمنظمات غير الحكومية والباحثين الذين يلتزمون حالة إنتاج الأغذية بطرق أكثر استدامة وعادلة اجتماعياً.

لذا سعيتُ في هذا الكتاب لتكون هذه الالتزامات بمثابة مقدّمة بحيث تركز على الطرق البديلة التي يولّدها النشطاء المناهضون للتكنولوجيا الحيوية الجديدة، من أجل التفكير بتلك الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا.

وخلافاً للفكرة السائدة القائلة إن النشطاء المناهضين للتكنولوجيا الحيوية يخشون التكنولوجيا الجدية فحسب، فإن دراسات الحالات في هذا الكتاب قد كشفت أن الاعتراضات على الجينات الناشزة قد نشأت من الصراعات ذات الجذور العميقة من أجل التغيير الاجتماعي.

لقد عمل المزارعون والباحثون الزراعيون ومنظمات المجتمع المدني على مدى عقود لإنشاء وتعزيز بدائل  للنماذج الصناعية المهيمنة لإنتاج الأغذية في أجزاء كثيرة من العالم. فقد تعاون المهندسون الزراعيون وعلماء البيئة الزراعية في المكسيك بشكل وثيق مع منتجي الذرة من أجل تحسين زراعة الذرة الأصلية [المحلية]، وصيانة التنوّع البيولوجي وبناء معارف تقليدية لخلق سبل عيش ريفية مستدامة.

 

ودافع المزارعون عن حقهم في حفظ البذور [للمواسم اللاحقة] في كندا، ونمت الزراعة العضوية فيها بشكل سريع كبديل أكثر استدامة للزراعة الكيميائية (Chemical Farming) وكطريقة للمزارع الصغرى لتبقى قابلة للاستمرار اقتصادياً.

وقد وضع المزارعون والنشطاء في كلا البلدين موضع تساؤل  المفهوم القائل إن كل التغيّر التكنولوجي يعبّر عن التقدّم وإنه يمكن توقع المخاطر التي يمكن أن تحدث ويمكن إدارتها وفق الأدوات الناظمة الراهنة، وانتقادهم [للتكنولوجيا] لا يركّز على الأسئلة التي هي بشأن المخاطر فحسب، ولكن بدلاً من ذلك يتساءلون بجوهرية أكثر عن الأنماط الآتية من الأسئلة: كيف يمكننا [حسن] توزيع الوصول إلى الموارد الوراثية؟

ما هي التكنولوجيات المفيدة لتوفير النظم الغذائية البديلة لفقراء الريف؟ ما هي السلطة التي ينبغي أن تكون للشركات الزراعية في صياغة طريقتنا لإطعام أنفسنا؟ هل بإمكاننا أن ننشئ أنظمة حوكمة تعزّز الاستدامة وتكون قادرة كذلك على التكيف مع عدم اليقين والجهل العلمي؟

في كلا البلدين [المكسيك وكندا] لم يكن للمتحدّين إلا تأثير قليل في القرارات المتخذة من قِبل الوكالات الناظمة أو المشرعين بشأن التكنولوجيا الحيوية. وعليه فقد سعى النشطاء للتغيير من خلال محافل أخرى، مبرهنين على أن هناك أنماطاً أخرى لتحدي التكنولوجيات المهيمنة؛ لقد قاموا بنقل النزاع إلى المؤسسات الدولية، وانخرطوا في البحث العلمي، وسعوا للتغيير من خلال السوق والتعبئة في المحاكم.

 

في هذه الصفحات الختامية، سأناقش استرتيجيات النشطاء المناهضين للتكنولوجيا الحيوية لمعارضتهم، وذلك إلى جانب ما أشاروا إليه حول توزيع السلطة والنفوذ في الاقتصاد والثقافة في إطار عالمي متزايد.

ففي مناقشة هذه الاستراتيجيات سأتناول كيف أن النزاعات حول الجينات الناشزة في الأطراف الأخرى من العالم (والصراعات التكنولوجية بصورة أشمل) من المحتمل أن تكون مشابهة أو مختلفة عن الحالات التي حلّلناها هنا.

وأخيراً، سوف ننظر في ماهية أنواع المؤسسات التي يمكن أن تمكّننا من مقاربة التغيير التكنولوجي بشكل مختلف.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى