البيولوجيا وعلوم الحياة

إجراء تجارب وبحوث حول زرع أنسجة وأجزاء من جنين لآخر

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

كان هناك باحثون آخرون في المختبرات ذوو طموحات أقل عظمة كما أنهم أقل استعداداً للتخطيط لبرامج أبحاث كبرى شاملة وهم يواصلون طرح الأسئلة عن التمايز.

فقد تجاوزوا الانقسامات الخلوية الأولى  والمراحل التطوّرية، وأخذوا يجرون تجارب في زرع أنسجة وأجزاء من جنين نامٍ في جنين آخر.

وقد قاد اختصاصيا الأجنّة الألمانيان غوستاف بورن وهانس سبيمان، واختصاصي الأجنة المتعلّم في ألمانيا روس هاريسون (Ross Harrison) الطريق في هذه البحوث. قدّمت الضفادع مرة أخرى المادّة البحثية المفضّلة بسبب توافرها وبيوضها الكبيرة المرئية. ك

ما أن تنوّع اللون والحجم في أوساط الأنواع ذات الصلة تجعلها مثالية للزرع. وهكذا فإن أخذ قطعة من بيضة أو جنين ضفدعة ولصقها على جنين نوع مختلف أو في داخله يتيح للباحث اكتشاف الجزء الذي سيسيطر. هل يتطوّر الجزء وفقاً للاتجاهات التي يتبعها لو ترك وحيداً، أو يتكيّف مع محيطه الجديد ويتبّع النمط الجديد؟ وبعبارة أخرى، إلى أي حدٍّ يكون القدر محدّداً مسبقاً؟

كان غوستاف بورن أول من أدخل الفكرة بأخذ نسيج من كائن حي، المانح، وزرعه في كائن حي آخر، المضيف. إذا كان الكائنان نوعين مختلفين بالقدر الكافي، أو من نوعين أو سلالتين مختلفتين، فإن الزرع يعتبر غيروي (Heteroplastic)، وعندما يكون الكائنان الحيان متماثلين، يصبح الإجراء مثلياً (Homoplastic).

 

ينتج عن الزرع كائن حي هجين، وتبيّن أن الضفادع الهجينة شديدة المرونة في قدرتها على مواصلة النموّ والتمايز والتطوّر حتى بعد إجراء تدخّلات جذرية إلى حدٍّ ما. وبحلول تسعينات القرن التاسع عشر ودخول القرن العشرين، اعتمد روس هذه التقنية وبدأ زرع أجزاء من أذناب ضفادع مانحة في المضيفين. وكان يأمل، عن طريق وصل أجزاء مختلفة الألوان، بتتبّع حركات الخلايا في أثناء المراحل التطوّرية اللاحقة.

وفي الوقت نفسه تقريباً، أجرى هانس سبيمان دراسات مماثلة. وباكتساب مزيد من المعرفة عن حركات الخلايا وطرق تطوّر الخلايا كما يبدو، أخذ سبيمان أجزاء تتطوّر عادة إلى عيون أو آذان، على سبيل المثال، وزرعها في أماكن غريبة في المضيف. ومن المدهش أنها تطوّرت إلى عيون وآذان حيث هي على الظهر أو البطن أو أي مكان آخر. وبدا أن الأجزاء المزروعة تحمل قدراً كبيراً من الخصوصية معها، ومع ذلك لم تحدّد أصولها أقدارها تماماً. فقد تكيّفت الخلايا مع الأوضاع الجديدة أيضاً في بعض الظروف.

ونظراً إلى أن رو ودريتش عرفا الاختلافات بين بيوض الضفادع وقنافذ البحر، فسيكون مفيداً لو أجرى هاريسون وسبيمان تجارب مماثلة باستخدام قنافذ البحر. ماذا يحدث لو زرعا نسيجاً من قنفذ بحر في قنفذ بحر آخر؟ هل يريا أنماطاً شبيهة بنمط المانح، أو هل يكون النسيج أكثر تكيّفاً، مثلما بدت البيوض، ويتمكّن من الاستجابة للظروف المحيطة؟

لكن للأسف لم يكن هاريسون أو سبيمان في موقف يتيح لهما العمل على قنافذ البحر، لأنهما يعملان في مختبرات برية وليس في محطات بحرية. غير أن الأهم هو أن التجارب ما كانت لتعمل بالطريقة نفسها. فبيوض الضفاع قوية على نحو استثنائي، تمضي في طريقها وتستطيع الاستمرار في مساراتها المحدّدة على الرغم من العراقيل والاضطرابات. ونتيجة لذلك، كانت الضفادع الاختيار المفضّل لدراسات الزرع الغيروي الخاصة بالتطوّر.

مع تراكم الدراسات بدأت تظهر صورة أكثر تفصيلاً بكثير عن كيفية تحرّك الخلايا والأنسجة في مسار التمايز. ومن الأمور الجميلة في هذه الدراسات أنها غير مجبرة على قتل المريض إذا جاز القول. فالكائن يعيش ويواصل التطوّر بأجزائه المزروعة وشكله الهجين الناتج، ويستطيع اختصاصو البيولوجيا مراقبته. لا ضرورة لقتلها وتشريحها للنظر في داخلها.

صحيح أن الباحثين استمروا أيضاً في القيام بهذه الأمور بطبيعة الحال، وأنتجوا مقاطع عرضية رائعة لكثير من الكائنات الحيّة في أثناء التطوّر، لكن مجرّد مراقبة ما يحدث في كل مرحلة على الطريق وتسجيلها أثمر معلومات قيّمة أيضاً.

 

السؤال الذي نطرحه الآن: عمّ تكون هذه المعلومات؟ كان هدف العلماء في أوائل القرن العشرين معرفة المزيد عن عمليات التطوّر الفردية. ومع ذلك نرى أنها كانت أيضاً أفكاراً تقليدية مثيرة جداً للتحدي عما هي الحياة الفردية ومتى تبدأ. إذا أمكن زرع أجزاء، حتى في مراحل مبكّرة من التطوّر الجنيني، وإنتاج كائن حيّ جديد مختلف جداً عن ذلك الذي كان يمكن أن يتطوّر، فماذا يعني ذلك؟

إذا تكوّن كائن حي من أجزاء من كائنين، هل تكون تلك حياة أم حياة مزدوجة، أم ماذا؟ لم يطرح اختصاصيو البيولوجيا هذه الأسئلة بتلك الطريقة قبل مئة سنة؟ فقد ظلّت بحوثهم في الظاهر بعيدة بالقدر الكافي عن وعي الجمهور وتأمّلات الفلاسفة بحيث لم تكتسب الأسئلة الميتافيزيقية شهرة واسعة ولم تتحدَّ الافتراضات الجوهرية عن الحياة. وبدلاً من ذلك، ظل دعاة التشكّل المسبق مقتنعين برأيهم الذي شعروا أنه تعزّز بعلم الوراثة والتفكير الوراثي.

كما ظل دعاة التخلّق المتوالي مقتنعين أيضاً برأيهم فيما يجرون الاستقصاءات والأبحاث لفهم عمليات الحياة. لكن عندما بدأ الناس ينظرون في فيض البيانات الجديدة، شقّ علم الأجنّة التجريبي مساراً نحو أسئلة جديدة معمّقة.

مع الاندفاع نحو علم الأجنّة التجريبي، كما وصفه روس هاريسون، عادت الأسئلة القديمة بطرق جديدة. ما الذي يوجّه التطوّر؟ متى تثبت العملية، أو تحدّد، ومتى يمكن أن تعدّل استجابة للظروف المتغيّرة؟ هل يمتلك الكائن الحيّ نوعاً من التنظيم الداخلي الذي يحدّد الأنماط التطوّرية، وإذا كان كذلك، فماذا ندرس وكيف؟

وضع العديد من الباحثين مفاهيم التدرّجات (Gradients) (أو المستويات المتدرّجة ذات التركيزات الكيميائية عادة) لتفسير التمايز. وافترض آخرون وجود حقول، في حين أشار بعض آخر إلى بلورات أو بنى باعتبارها نماذج لفهم التطوّر، كما شرحت مؤرّخة العلوم دونا هاراوي (Donna Haraway) بوضوح شديد في دراستها الممتازة لهذه "الاستعارات العضوانية". إذا كان للجنين، بدءاً بالبيضة، تدرّجات من المادة أو القوى أو الكثافات أو أي شيء ذي صلة بالتطوّر، فربما تسبّب هذه الاختلافات عندئذ تمايز المادة ومن ثم تنتج الشكل من اللاشكل.

 

ربما تكون للبيضة اختلافات بالفعل، وربما يكون هناك "قدرات" أو "احتمالات" مختلفة في تركيب البيضة ومادتها. وفي هذه الحالة، سأل سبيمان، ما الذي يحثّ على حدوث التطوّر والتمايز؟ قاده هذا السؤال إلى مفهوم التحريض، أو الحفز الأولي للتغيّرات التطوّرية. وخلص سبيمان إلى أن التحريض الجنيني ينتج كيميائياً على الأرجح – بطريقة ما. بيد أن حثّ بعض المواد أو بعض الأنسجة الجنينية قد يكون أسهل من حثّ مواد أخرى.

بدأ سبيمان وفريقه المخبري العمل ولديهم صور عن المراحل التطورية، لأنهم اعتمدوا الافتراض بأن المراحل منتظمة ويمكن التنبّؤ بها. وأوحى هذا النهج بأن كل مرحلة تحضر شيئاً يسبّب المرحلة التالية. ركّزت هيلدا مانغولد (Hilde Mangold) ، أو (هيلدا بروشولت Proescholdt قبل أن تتزوّج زميلها الطالب أوتو مانغولد) على الشفة العليا أو الظهرية لمَسمّ الأريمة (Blastopore) ودوره في التحريض في أطروحتها التي أشرف عليها سبيمان. وهذه هي المرحلة عندما يفتح مسمّ الأريمة وتبدأ الخلايا بالدخول من الفتحة. ويبدأ التمايز عندما تتجاوز الشفة الظهرية.

بيّنت مانغولد التأثير الظاهر لهذه المنطقة بقطع جزء من الشفة الظهرية لمَسمّ الأريمة في سمندل وزرعه في جنين آخر، ثم مراقبته وهو "يحثّ" كائناً حياً آخر بأكمله في تلك البقعة. أثبتت هذه التجربة القدرة الخاصة لتلك القطعة فقط من النسيج، وقدّمت اقتراحات أيضاً للأبحاث المقبلة لتسليط الضوء على عمليات التمايز التي تلي الحث.

بيد أن مانغولد لم تدرك تماماً نتائج ما توصّلت إليه، وفقاً لفيكتور همبورغر (Viktor Hamburger) ، وهو طالب زميل اختصاصي في مبحث أعصاب الجنين تحوّل إلى مؤرّخ. لكن سبيمان أدرك ذلك. وكما خلص همبورغر، "لم تكن هيلدا بروشولدت، التي أصبحت في هذه الأثناء السيدة مانغولد، راضية لأن سبيمان أضاف اسمه إلى الأطروحة المنشورة، في حين أن [يوهانس Johannes] هولتفريتر (Holtfreter) وأنا وبقية الطلاب كنا فخورين بنشر أعمالنا حاملة أسماءنا فقط. كما أصرّ سبيمان على أن يسبق اسمه اسمها.

لكن سبيمان كان محقاً تماماً في المطالبة بالأسبقية، في حين أنها لم تدرك تماماً أهمية نتائجها في الظاهر. ولم يقدّر لها أن تعيش لترى الأثر العظيم لتجربتها على مسار علم الأجنّة التجريبي". وشمل ذلك حصول سبيمان على جائزة نوبل على عمله، بما في ذلك تفسيراته للحث وآثاره على التمايز والتطوّر.

 

استنتج سبيمان من هذه التجربة أن الشفة الظهرية لمسمّ الأريمة قادرة على حث تمايز الكائن الحيّ بأكمله. وأن تنظيم كائن حيّ ما يبدأ بما أسماه "المنظّم". لا يبدو ذلك كأنه يشرح الكثير، وهو لا يفعل ذلك بحدّ ذاته. لكن الافتراض بوجود شيء مادي يطلق عملية تمايز كائن فردي حية وتطوّره كان مهماً.

لكن سرعان ما واجه تفسير سبيمان مشكلة عندما أظهر يوهانس هولتفريتر وآخرون أن عدداً كبيراً من المواد إلى جانب الشفة الظهرية لمسمّ الأريمة تستطيع تحريض التطوّر أيضاً. بل إن المادة الميتة تستطيع حث الكائن الحي. كيف يمكن ذلك: ما الذي يقوله ذلك عن الحياة والعمليات الحية الجوهرية للتطوّر؟

لم يكن "المنظّم" متقناً جداً ولا فعالاً جداً من الناحية السببية كما أمل سبيمان. أثار هذا الاكتشاف أسئلة عن التفاصيل الدقيقة لنظريته وأوحى بأن اتجاهات أبحاث تحليلية أخرى قد تكون ذات أهمية مماثلة.

بيد أن الدراسة الجنينية التجريبية للمنظِّمات والحقول والتدرّجات والتركيب الداخلي والعمليات استمرّت باطراد إلى حدّ ما خلال ثلاثينات القرن العشرين. وظل هناك كثير من الأسئلة عن عملية الحث، أياً يكن ما يطلقها: هل هو عملية كيميائية أو ميكانيكية، هل يمكن أن يكون هناك شيء مثل حقل "مشحون" خاص، أو هل هناك مصفوفة – من شيء ما – معدّة في الجنين تطلق التطوّر لاحقاً؟ كثرت الأسئلة وقلّت الأجوبة، لكن المزيد من اتجاهات الأبحاث المشوّقة والمثمرة فُتحت.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى