العلوم الإنسانية والإجتماعية

أنواع وفوائد “سلوك التبرير” والدوافع المؤدية للعمل به

1994 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الخامس

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

سلوك التبرير العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

كثيرا ما نتعرض في حياتنا اليومية لبعض المواقف غير السارة او المؤلمة، التي قد تشوه صورتنا أمام أنفسنا وأمام الآخرين، مما يجعلنا نشعر بالتوتر والقلق.

ولكي يتخلص الإنسان من هذا التوتر والقلق أو يخفف منه، يقوم بأنواع من السلوك يدافع بها عن نفسه وعن سلوكه، لكي يشعر بالراحة النفسية، وليحسن من صورته أمام الآخرين. هذه الأنواع من السلوك تسمى «بالدفاعات» أو «الحيل النفسية الدفاعية».

ومن هذه الدفاعات والحيل: التبرير. ومعناه:  تفسير السلوط بطريقة مقبولة بالنسبة للشخص وبالنسبة للجماعة، للتخلص من الشعور بالذنب والقلق والتهديد النفسي. أي أن الشخص يعطي أسبابا وتفسيرات مقبولة لسلوكه (أي مبررات).

 

والتبرير عملية يبحث فيها الإنسان عن أسباب منطقية لسلوكه، سواء كان هذا السلوك في شكل فكرة، أو فعل، أو رأي، أو عاطفة، او نية، حيث يقوم بتقديم أعذار لما فعله في الماضي، أو لما يفعله في الحاضر، أو لما سيفعله في المستقبل، توضح لماذا قام بهذا السلوك. ولكن هذه الأعذار لا تمثل الأسباب الحقيقية للسلوك.

والتبرير يلجأ إليه الكبار والصغار على السواء. ويكثر استخدامه من الأفراد الذين تناقض أفعالهم ما يؤمنون به من مبادئ خلقية، فيلجأ الفرد إلى تقديم أسباب زائفة تخفف من لوم الفرد لنفسه ومن لوم الآخرين له.

وهناك كثير من المواقف التي نمارس فيها سلوك التبرير في حياتنا اليومية: فعندما تجلس لكي تذاكر دروسك استعدادا للامتحان في اليوم التالي، ولكنك تجد أنك لا تستطيع التركيز أو الحفظ، فتتوقف عن المذاكرة.

 

ونظرا لأن هذا التوقف عن المذاكرة يعتبر سلوكا غير مقبول وقد تلام عليه، فإنك تدافع عن سلوكك قائلا: «إن الوقت الآن متأخر، ولا يوجد وقت كاف لمراجعة كل الدروس- ومن الأفضل أن أستريح الآن وأذهب للنوم مبكرا، لكي أذهب للامتحان غدا وأنا بكامل قواي».

مثال آخر: قد تقرر أن تتبع نظاما غذائيا خاصا ابتداء من الغد، لتقليل وزنك الذي زاد عن المستوى العادي. ولكنك في اليوم التالي تبدأ الصباح بإفطار دسم يحتوي على كثير من النشويات والدهنيات لذيذة الطعم. ولكنها تؤدي إلى زيادة الوزن.

 

ونظرا لأن هذا السلوك يناقض ما سبق أن قررته لتخفيض وزنك، ويظهرك بمظهر الشخص الذي لا يحترم كلمته، فتتشوه صورتك أمام نفسك وأمام الآخرين، فإنك تبرر عجزك وفشلك في الالتزام بالنظام الغذائي الجديد بأن تقوم بالدفاع عن نفسك باستخدام حيلة التبرير.

 قائلا لنفسك: «إن الإنسان يجب أن يبدأ يومه بوجبة إفطار دسمة لتساعده على تحمل العمل طوال اليوم».

 

وعندما نفشل في الوصول إلى هدف مرغوب فيه، فإننا نشعر بخيبة الأمل.

وهنا نحاول تخفيف الشعور بالفشل عن طريق نوعين من أنواع التبرير لكي نشعر بالراحة النفسية:

 

النوع الأول: «تبرير العنب الحامض»: يؤخذ هذا النوع من التبرير عن قصة خيالية قديمة عن الثعلب والعنب. فمن المعروف أن الثعلب يحب أكل العنب. وذات يوم صادف ثعلب في طريقه «كرمة» عنب فوق مكان مرتفع.

فحاول أن يستخدم عدة طرق ليصل إلى العنب، ولكنه فشل في النهاية بعد ان بذل كثيرا من الجهد. ونتيجة لهذا الفشل فقد شعر بالمرارة والحزن وخيبة الأمل لحرمانه من طعامه المفضل.

 

ولكي يستريح نفسيا ويخفف من الشعور بخيبة الأمل، أخذ الثعلب يقول لنفسه «على أية حال، يبدو أن هذا العنب حامض، ولا يستحق أن أبذل الجهد للحصول عليه». ولهذا يسمى هذا النوع «تبرير العنب الحامض».

وهناك أمثلة كثيرة نستخدم فيها هذا الدفاع في حياتنا اليومية:

 

فعندما ترى سيارة جميلة وترغب في شرائها، ثم تكتشف أنك لا تستطيع دفع ثمنها المرتفع، فتشعر بالحرمان وخيبة الأمل ولكي تخفف من هذا الشعور تقول لنفسك «إن السيارات تسبب كثيرا من المشاكل بسبب كثرة الحوادث». 

وعندما يفشل أحد الطلاب في الحصول على الشهادة الثانوية العامة بعد رسوبه في الامتحان عدة مرات قد يواسي نفسه قائلا: «إن الشهادات لم تعد لها قيمة في هذا الزمان، وأن العمل الحر أفضل وأكثر ربحا، وهو لا يحتاج إلى شهادات».

 

أما النوع الثاني من التبرير فيسمى «تبرير الليمون الحلو» أو «تبرر تحلية الحامض»: وهو أسلوب ينتمي إلى قصة الثعلب والعنب نفسها.

فالثعلب في قصتنا السابقة فشل في الوصول إلى عناقيد العنب الموجودة في مكان يصعب الوصول إليه، وكان بجواره على الأرض بعض ثمرات الليمون.

ولكي يشعر بالراحة النفسية بعد فشله في الحصول على العنب المرغوب فيه، أخذ يقول لنفسه «إن هذا العنب ليس حامضا فقط، وإنما أيضا الليمون الذي هو بجواري وفي متناول يدي طعمه حلو وأفضل من العنب».

 

مع أن المعروف هو أن الليمون ليس حلو المذاق. ومن أمثلة هذا النوع من التبرير في حياتنا اليومية، ما يحدث عندما نفشل في شراء سيارة بسبب قلة المال،

فقد تواسي نفسك قائلا  «إضافة إلى أن السيارات تسبب كثيرا من المشاكل بسبب كثرة الحوادث، فإن الدراجة التي أملكها تعد وسيلة عملية، ويسهل إيقافها في أي مكان».

 

وللتبرير فائدتان أساسيتان: هما:

1- أنه يساعدنا على تفسير أعمالنا ومعتقداتنا، لكي نقنع أنفسنا ونقنع الآخرين بسلامة تصرفاتنا وصحة أفكارنا، وبأننا على صواب فيما نفعل، فتتحسن صورتنا أمام الناس.

2- أنه يخفف من المشاعر السلبية التي تنتج عن عدم تحقيق الهدف المرغوب فيه فيزول شعورنا بالتوتر والقلق، ونشعر بالراحة النفسية إلى حد ما.

 

لكن، مع هذا، يعد التبرير ضارا إذا زاد على حد معين، عندما يمنع الإنسان من القيام بواجباته وتحمل مسؤولياته.

فعندما يمتنع الفرد عن أداء واجباته باستمرار، ويكثر من استخدام التبرير للدفاع عن إهماله وتبرير فشله بأسباب خارجة عن إرادته، ليتخلص من المسؤولية ومن الشعور بالذنب فإنه يعد شخصا غير سوي أي غير طبيعي.

 

فعلى سبيل المثال: قد يهمل الفرد في نظافة جسمه، ثم يبرر إهماله بحجة أنه مهما قام بتنظيف جسمه فإنه سوف يتسخ مرة ثانية على اية حال.

وقد لا يقوم الطالب باستذكار دروسه بحجة أنه مهما ذاكر فإن مصير المادة هو النسيان. هذه الحجج كلها لا تعد أسبابا حقيقية، وإنما هي أعذار وحيل يلجأ إليها الفرد لتبرير إهماله وفشله وعدم تحمله لمسؤولياته.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى