العلوم الإنسانية والإجتماعية

أمثلة على علماء تميّزوا بشخصية مستقلة في التفكير

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

علماء تميّزوا بشخصية مستقلة في التفكير العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

ما يميز علماء كثيرين أنهم كانوا ذوات شخصية مستقلة في التفكير .

فأرسطو  مثلاً كان يأخذ من آراء أستاذه أفلاطون بقدر، يأخذ ما يؤمن بأنه مفيد ويعارضه فيما يعتقد أنه غير ذلك.

إنه لم يكن ينقل عن أستاذه نقلاً أعمى، وإنما كان يفحص ويُمحِّص ويُفنِّد وينتقد بنفسه ليكون له رأيه الخاص وفكره الخاص .

وابن سينا اعتنق الاستقلال في الرأي مذ حداثته، فلا يرتبط بآراء من سبقه من العلماء. وهو إن كان قد تأثر بفلسفة كل من أرسطو وأفلاطون وفهمهما عن طريق الفارابي، فقد قام بتحقيق الكثير مما ورد فيها وتمحيصه بنفسه، تاركاً الغث وآخذاً الثمين. لأنه كان يرى أن الفلاسفة، كبقية البشر، يخطئون ويصيبون.

نعم لقد تميَّز ابن سينا بنزعته الاستقلالية المحتررة من سيطرة التقليد والارتباط بآراء من سبقوه ونظرياتهم، إلاّ أنه كان لديه ما يبرِّر هذا التقليد وذلك الارتباط .

 

وإذا كانت آراء أرسطو في مجملها وكذلك بطليموس لا تزال مسيطرة على الفكر العلمي في القرن السادس عشر، فإن كوبرنيكوس قد تمكن من الإفلات من عبادة الأرسطية والبطليمية بوضعه نظاماً للكون جديداً يختلف تماماً عن نظام كل منهما .

وهكذا بعد انقضاء نحو ثمانية عشر قرناً على أرسطو، وتعاليمه المرجع الأخير، ومضي نحو أربعة عشر قرناً على بطليموس، جاء من يتحدَّاهما ويتجرأ على الخرج عن تعاليمهما. وما كان بمستطيع لولا ماعُرف عنه من تفردٍ في الرأي واستقلالية في الفكر .

 

وأتى جاليليو ونذر نفسه أن ينتصر للنظام الكوبرنيكى. فلم يتوان – في مواقف كثيرة عن الهجوم على العلم الفيزيقي الأرسطي القديم الذي كان يؤمن بعدم صلاحيته، ومعه النظام البطليمي للكون الذي يعتبر الأرض مركزه.

وانتهى جاليليو إلى أن أفكار أرسطو في الفيزيقا والفلك كلها خاطئة من أولها إلى آخرها، وقد أوصلته هذه النتيجة في النهاية إلى صراعه أو صدامه المعروف مع الكنيسة، وكان مصدر هذا الصراع أو الصدام في الأصل استقلاليته في الفكر التي جعلته يقف موقف الناقد والمراجع ثم المخالف لآراء أرسطو في الفيزيقا والفلك.

وحتى اليوم يرى الكثيرون أن دم برونو، وقد أُحرق خلال حياة جاليليو لتمرده على آراء أرسطو، في عنق أرسطو على وجه التحديد! .

 

ومع استناد الجاحظ في تأليفه على المصادر الأصيلة والمنابع المشهورة حتى لا يعطي فرصة لطاعنٍ أو مغمز لحاقد، إلاّ أنه لم يكن يقف أبداً موقف مجرد المقتبس، وإنما كان له فكره الحر ورأيه المستقل  القائم على الملاحظة والتجربة والقياس العقلي.

فمثلا كان كتاب "الحيوان لأرسطو من أهم الروافد العلمية التي نهل منها الجاحظ في تأليف كتابه "الحيوان"، ولكنه لم يكن المسلِّم بكل ما ورد في كتاب أرسطو، وإنما وقف من الكثير منها موقف الناقد بل والرافض أحياناً، كالقول بحية لها رأسان.

والقول بحجر تحت عرش ملوك اليونان يشفي من لدغة العقرب، والطائر الذي يسكن الجبال شرقي العراق بانياً عشه بشجر هندي "الدار صيني" يأتي به من الصين ! .

 

وقد اشتُهر البغدادي ياستقلاله في الرأي كذلك. فكان لا يأخذ بما سلِّم به علماء العرب من آراء علماء الإغريق مثل: جالينوس في الطب وديسقوريدس في النبات وأرسطو في الحيوان .

وكان ابن النفيس أيضا مستقلاً في تفكيره ناقداً لأعمال غيره من الثقاة من مثل جالينوس وابن سينا، ولم يُعارض أحد من أطباء مصر تلك الانتقادات إذ كانت كلها في محلها .

وكم كان رذرفورد متحرِّراً في تفكيره عندما وضع نظريته الذرية، وهو يعلم أنها مناقضة للنواميس الميكانيكية المسلَّم بها كما وضعها جاليليو ونيوتن. ويرى بعض العلماء أن هذا العمل من قبل رذرفورد يُعدُّ من أجرأ الإقتراحات في التاريخ العلمي الحديث.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى