البيولوجيا وعلوم الحياة

آلية عمل “السموم” عند دخولها إلى الخلية

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

السموم آلية عمل السموم الخلية البيولوجيا وعلوم الحياة

إن آلاتنا الجزيئية حساسة. فهي تستطيع أن تؤدي وظائفها بسـرعة وكفاءة في البيئة المعتادة للخلية، وذلك بدون حدوث تداخل من العديد من الجزيئات الأخرى بالخلية.

ولكن من السهل أن نعمل على فشل هذا النظام. فإذا أضفت جزيئاً يمكنه أن يرتبط بإحكام بأحد البروتينات أو الأحماض النووية، فإنه يستطيع إيقاف وظيفتها.

وهذا بالضبط ما تقوم بفعله السموم، وإذا كان للسم القدرة على الارتباط بشكل أكثر إحكاماً من الجزيئات المعتادة الأخرى بالخلية، وقام بمهاجمة أحد البروتينات ذات الأهمية الخاصة بالخلية فإنه من الممكن أن يكون مميتاً.

 

بعض من السموم الأكثر فعالية تكون هي أيضاً الأصغر حجماً. فهناك سموم بسيطة التركيب يمكنها إعاقة العملية المحورية الخاصة بإنتاج الطاقة وبالتالي يمكنها قتل أي كائن حي تصل إليه.

ونظراً لأن أغلب الكائنات الحية في عصـرنا الحديث تستخدم آلاف جزيئية متطابقة عملياً وذلك حتى يمكنها تحويل السكر إلى طاقة قابلة للاستخدام، فإن السم الذي يستطيع إعاقة إنتاج الطاقة في البكتيريا سوف تكون له نفس الدرجة من الفعالية في النباتات أو الحيوانات.

وغالباً ما تكون هذه السموم بسيطة التركيب الكيماوي ومن السهل صناعتها، ولذلك فلقد لعبت دوراً مثيراً في التاريخ الإنساني.

 

يعتبر السيانيد (Cyanide) من أكثر السموم المعروفة فعالية. حيث يمكنه في بضع دقائق أن يقتل أي كائن حي يستخدم الأكسجين. ويتم ذلك من خلال تداخل السيانيد مع الخطوة الأخيرة في عملية إنتاج الطاقة، والتي يتم فيها إضافة ذرات الهيدروجين إلى الأكسجين لتكوين الماء.

فهناك معقد إنزيمي يقوم بهذا التفاعل – ويُسمى الغنزيم المؤكسد للسيتوكروم «سي» (Cytochrome c Oxidase) – ويحتوي على ذرة حديد تكون محتواة في مجموعة هيم (Heme).

وللسيانيد نفس حجم وشكل الأكسجين تقريباً، ولكنه يستطيع أن يرتبط بصورة أكثر إحكاماً بالحديد، مما يعيق دخول الأكسجين ويؤدي إلى إيقاف التفاعل (شكل 5.9) .

 

شكل 5.9 السيانيد: تتشابه أيونات السيانيد كيميائياً مع الأكسجين، ولكنها ترتبط بشكل أكثر إحكاماً بالإنزيمات التي تستخدم الأكسجين.

وغالباً ما يستطيع جزئ واحد أن يقوم بإيقاف عمل بروتين كامل. وكما هو مبين هنا، فإن السيانيد يرتبط بالإنزيم المؤكسد للسيتوكروم «سي» (Cytochrome c Oxidase) وهو البروتين النهائي في عملية التنفس مما يعيق عملية استخدام الأكسجين (قوة التكبير للجزيئات بأعلى: 20 مليون مرة، وبأسفل: 5 ملايين مرة).

 

وتموت الخلية اختناقاً وهي محاطة بالأكسجين ولكنها لا تكون قادرة على استخدامه. ويوجد السيانيد في الطبيعة في البذور الموجودة في ثمار الخوخ والمشمش – ويمكن الحصول على جرعة قاتلة منه بتناول حوالي 100 جرام من البذور المطحونة.

وتحتوي هذه البذور على الإميجدالين (Amygdalen)، والذي يباع في الأسواق تحت اسم «لاتريل» (Laetriel) ويستخدم في علاج السرطان، ويعمل على إطلاق السيانيد في الظروف القلوية مثل تلك الموجودة في الأمعاء.

 

يشبه اول أكسيد الكربون كلا من الأكسجين والسيانيد من حيث الشكل، كما أنه يرتبط أيضاً بإحكام بذرات الحديد. والموقع الرئيسي الذي يقوم فيه أول أكسيد الكربون بإحداث التسمم هو الدم.

وىمكنه الارتباط بذرات الحديد في الهيموجلوبين بشكل أكثر إحكاماً بمعدل 250 مرة من ارتباط الأكسجين بالحديد، مما يعيق تدفق الأكسجين من رئاتنا إلى الخلايا الموجودة في كافة أنحاء الجسم.

 

ونظراً لأن ارتباط أول أكسيد الكربون بالحديد يكون شديد الإحكام، فإن من الصعب إزالته من الدم المسمم به. حيث نحتاج إلى تنفس أكسجين نقي لمدة ساعة كاملة لخفض مستوى أول أكسيد الكربون المرتبط بالدم إلى النصف فقط.

تمتلىء البيئة بالعديد من المركبات السامة الأخرى، وهي وإن كانت غير سامة بشكل فوري مثل السيانيد وأول أكسيد الكربون، فإنها تظل كمصدر خطر لخلايانا. فيمتلىء غذاؤنا بالمركبات السامة تكونها النباتات لحماية نفسها. ويساعد الطهي على إنتاج العديد من المركبات الغعالة.

 

ولأننا نعيش في مجتمع صناعي، فإننا نتنفس ونشـرب كافة أنواع الملوثات. كذلك فإننا نستهلك وبإرادتنا مركبات سامة مثل الكافيين في القهوة والكحول في النبيذ والبيرة.

ونظرأ لأن آلاتنا الجزيئية حساسة، فإن لابد من حمايتها من مثل هذه الجزيئات السامة. ولحسن الحظ، فإن هناك نظاماً فعالاً لإزالة السموم يمكننا من حماية أنفسنا من هذه الأخطار.

يعتبر السيتوكروم  P450بمنزلة المركز في نظام إزالة السمية (شكل 6.9).

 

شكل 6.9 السيتوكروم P450: تقوم إنزيمات السيتوكروم P450 بإضافة ذرات الأكسجين إلى الجزئيات السامة. وهذا يجعلها أكثر قدرة على الذوبان، وبالتالي يسهل التخلص منها إلى خارج الجسم، كما أنها تعمل على إيجاد ما يشبه «مقبض» كيماوي يسهل استخدامه بواسطة الإنزيمات الأخرى المزيلة للسمية بحيث تتمكن من تدمير السم. 

وتستخدم إنزيمات السيتوكروم P450 ذرة حديد في مجموعة الهيم حتي تستطيع القيام بهذا التفاعل. ويقوم الإنزيم الموضح في الصورة هنا، وهو إنزيم CYP3A4، بأداء الكثير من عمليات إزالة سمية العقاقير في جسم الإنسان، حيث يقوم بتدمير جزيئات مثل الاسيتامينوفين (Acetaminophen) (تيلينول) (Tylenol)، الكوديين (Codeine)، والباكليتكسل (Paclitaxel) (التاكسول) (Taxol) والعديد من الأدوية المضادة لفيروس الأيدز (HIV). والجزئ باللون الأخضـر هو عقار الاريثروميسين (Erythromycin) (قوة التكبير للجزيئات على اليسار: 5 ملايين مرة، وعلى اليمين: 20 مليون مرة).

 

وهو إنزيم لديه القدرة على التقاط المركبات السامة مع ربطها بمادة كيماوية تعمل كمقبض للمركبات السامة.

بحيث تقوم إنزيمات أخرى، في خطوة تالية، بربط مجموعات كيماوية كبيرة الحجم وغير ضارة بالمقبض، مما يسهل من تمييز المركب السام والتخلص منه خارج الجسم.

 

وتقوم أجسامنا بتكوين ما يزيد عن «دزينة» (دستة) من إنزيمات مختلفة من السيتوكروم P450، يقوم كل واحد كل منها بالتعرف على مجموعة مختلفة من الجزيئات السامه وإزالة سُمِّيتها.

ولو سبق لك أن تناولت مسكناً للألم مثل الاسيتامينوفين (Acetaminophen)، فإنك قد تعرفت على السيتوكروم P450 وهو يعمل بجسمك. حيث يتوقف تأثير مسكن الألم تدريجياً خلال ساعات قليلة بعد أن يكون السيتوكروم P450 قد قام بطريقة منظمة ومُعتنى بها بتدمير جزيئات المسكن.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى