العلوم الإنسانية والإجتماعية

الاستراتيجيات الموجّهة نحو المستهلك

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة

الاستراتيجية الرابعة التي اعتمدها المعارضون للمحاصيل المهندسة وراثياً هي تطوير العلامات التعريفية الملصقة على المنتجات، والأسواق البديلة، وتعبئة المستهلك تجّار المفرد لرفض الأغذية المهندسة وراثياً.

فنشاط المستهلك له تأثير كبير في صناعة التكنولوجيا الحيوية في جميع أنحاء العالم، إذ يمكنه أن يؤثّر في كلٍّ من التنظيم الحكومي اللوائحي [للمنتجات المهندسة وراثياً] وفي الدفع بمصنّعي الأغذية وتجار المفرد إلى رفض الأغذية المهندسة وراثياً.

وبعبارة أخرى، إن معارضة المستهلك لا تقتصر على ممارسة ما يسمّى خيار السوق فحسب، بل يمكن للمستهلكين أيضاً وبشكل جماعي المطالبة بأنظمة السلامة الغذائية. كما يمكن للمزارعين العمل بصورة جماعية على المطالبة من صناعة البذور الاستجابة للضغوط التي يواجهونها من المستهلكين (من خلال مصنعي الأغذية وتجار المفرد) في أسواق التصدير.

إن النشاط السياسي المرتكز على السوق ليس بالجديد، فالحركات الاجتماعية تاريخياً استخدمت مجموعة متنوّعة من الاستراتيجيات الاحتجاجية المرتكزة على السوق لإنتاج التغيير الاجتماعي، والتي شملت المقاطعة، وتشكيل التعاونيات الاستهلاكية، وخلق أسواق بديلة، والملصقات الإعلانية (مثل سلع «التجارة العادلة» (Fair-Trade)، وسلع «معفاة بأجور بخسة» (Sweatshop-Free Goods)).

لقد استخدمت الحركات الاجتماعية فعل المستهلك للاحتجاج وتعطيل ممارسات الشركات على أساس أنها تسهم في مشكلة اجتماعية، فمن رفض [دعاة إلغاء العنصرية] شراء السلع المنتجة من العبيد إلى المقاطعة اليوم للمنتجات الخشبية من الغابات المطرية، استخدمت الحركات الاجتماعية تحركات المستهلكين للاحتجاج ولوقف ممارسات الشركات الكبرى التي كان ينظر إليها على أنها تساهمت في الإشكالات الاجتماعية.

وفعلاً كانت هنالك مقاطعة احتجاجية ناجحة في الماضي، وعادة ما كانت جزءاً من مجموعة أكبر من التكتيكات لتحقيق التغيير السياسي، وخصوصاً عندما تكون لحماية العمال.

 

لكن اليوم، تسعى العديد من حملات المقاطعة عبر الحدود الوطنية لتجاوز الدولة الوطنية، كما تعمل لقيام مؤسسات جديدة لتمثّل المجتمع المدني وبرامج المراقبة الخاصة (Seidman 2007). فمعايير الأغذية العضوية، والملصقات التعريفية العامة تتماشى مع هذا الاتجاه الذي يدعوا المستهلكين لـ «التصويت بدولاراتهم»، بدلاً من الضغط من أجل لوائح تنظيمية أقوى على الزراعة الكيميائية، والممارسات الزراعية المدمرة للبيئة.

ومع ذلك، فبعض البحوث تشير إلى أن معارضة المستهلك للأغذية المهندسة وراثياً قد تقود إلى تغيّرات في طريقة حوكمة الدولة لزراعة التكنولوجيا الحيوية. فرفض المستهلك الأوروبي للأغذية المهندسة وراثياً، على سبيل المثال، لم يؤثر فقط على ممارسات شركات الأغذية ، لكنه كان أيضاً عاملاً حاسماً في إقناع الدولة لإنشاء لوائح رقابية أكثر صرامة على المحاصيل المهندسة وراثياً (Schurman 2004).

في حالتي الكانولا والقمح العضويين في كندا، لم يشارك المزارعون في أسواق بديلة وفي الضغط على شركات بذور لتغيير ممارستها فحسب، بل دعا المزارعون الدولة إلى اتخاذ إجراءات ما بخصوص ذلك أيضاً. ومع ذلك، فإن الانتقال من السوق إلى الدولة جعل مزارعي المنتجات العضوية يواجهون عوائق جديدة من الخبرات، والمعايير الرسمية في اتخاذ قرارات مبنية على أساس علمي.

لذا وجدوا أنفسهم يدعون الدولة أيضاً للعمل على توسيع معاييرها الرقابية لتنظيم التكنولوجيا الجديدة، ومع كل هذا، بقيت التوجّهات نحو السوق في الصدارة لكل من المزارعين للمنتجات العضوية والحركات المناهضة للتكنولوجيا الحيوية، كمعارضين للمحاصيل المهندسة وراثياً، حيث أبرزوا في المقام الأول مشكلة التسويق.

وقج واصل النشطاء في كندا صراعهم من أجل أن تُبنى اللوائح الناظمة الحكومية على تقييم تسويق المحاصيل المهندسة وراثياً، كما أن المخاوف بشأن التسويق قاد بعض الحكومات في أجزاء أخرى من العالم أيضاً إلى وضع قيود على المحاصيل المهندسة وراثياً (Paarlberg 2002).

لكن، حينما عزم النشطاء المناهضون للتكنولوجيا الحيوية على تأطير القضية بالتسويق، كان هناك العديد من المخاطر المحتملة، [وخصوصاً] هؤلاء الذين لديهم مجموعة واسعة من المخاوف الاجتماعية والبيئية بشأن المحاصيل المهندسة وراثياً. فالتركيز على خدمة العملاء يقلّل القدرة التحويلية للحركات الزراعية البديلة، ويحول «كيف نريد أن نعيش كمجتمع؟» إلى «ماذا، نحن كمستهلكين، نريد أن نأكل؟».

 

علاوةً على ذلك، فإن التأكيدات حول التسويق تعتمد إما على مطالب المستهلكين البعيدين أو على الوضع التنظيمي للمحاصيل المهندسة وراثياً في البلدان الأجنبية. معارضو المحاصيل المهندسة وراثياً لا يمكنهم الاعتماد على القيود المفروضة في سوق التصدير لدفع التغييرات في حوكمة الحكومة للتكنولوجيا الحيوية.

إذ يمكن دائماً العثور على المستهلك الراغب أو غير العارف في الأسواق الوطنية المختلفة، وعليه فقد كان مزارعو المنتجات العضوية هم الأقل نجاحاً في معارضة المحاصيل المهندسة وراثياً، عندما كانت تلك المعارضة ضد المصالح الزراعية السائدة، وخصوصاً في حالة الكانولا، إذ إن المزارعين التقليديين تبنّوا بشغف المحاصيل المهندسة وراثياً لكونها تتحمل مبيدات الأعشاب الضارة.

لقد تأكّدت مصانع البذور أن الدول المستوردة وخصوصاً اليابان ستقبل الكانولا المهندسة وراثياً، قبل أن يجري تفكيك نظام صون الهوية، وتم إدخال الكانولا المهندسة وراثياً على نطاق واسع في الزراعة الكندية. ويبدو أن مونسانتو قد حاولت فعل الشيء ذاته مع القمح الحامل لجين مبيد الأعشاب الضارة: تأمين اتفاقيات مع الدول المستوردة من أجل إظهار أن هناك طلباً كافياً للقمح المعدل وراثياً المنتج في كندا.

على الرغم من هذه العثرات، فإن التعبئة التي استخدمتها مؤسسات السوق لربما ما زالت استراتيجيات قابلة للتطبيق وللطعن في مسار التكنولوجيا الحيوية الزراعية.

فبالمقارنة مع أكثر الانتقادات رواجاً لصناعة التكنولوجيا الحيوية، ونظام اللوائح الناظمة، واختلال التوازن في سلطة النظام الغذائي، والمطالبة بحماية أسواق المحاصيل غير المهندسة وراثياً، كلها ما هي إلا دعوة محافظة للإصلاح. ففي كندا، على أية حال، عُرضت وسيلة للطعن في المعايير المستخدمة في حوكمة المحاصيل المهندسة وراثياً، تجاوزت التركيز الضيق لتقييم المخاطر باستخدام العلم.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى