شخصيّات

نبذة عن حياة الإمام “جعفر الصَّادق”

1996 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السابع

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الإمام جعفر الصادق شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

جعفر الصادقُ أحد الأئمة الكبار. اتفقت جماهير المسلمين على تقدمه وفضله ورِفْعةِ مكانته العلمية والخلقية.

ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب، والسيدةِ فاطمةَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو جعفر بن محمد بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب. رضي الله عنهم أجمعين.

وينتسب الصادق من ناحية أمه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فأمه هي «أم فَرْوة» بنتُ القاسم، بنُ محمد، بن أبي بكر الصديق.

وقد لُقِّب جعفر بالصادق لالتزامه التام بالصدق طول حياته.

 

وُلد الصادق بالمدينة المنورة سنة 80 هـ (أيام حكم عبدِالملك بن مروان).

ونشأ نشأة صالحة، يحُوطه آباء وأجداد من كبار العلماء وكرامُ المربين، فقد أدرك جدَّه لأبيه: علي بن الحسين المعروف بـزين العابدين، وكان سنُّ الصادق يوم مات هذا الجد 14 عاما. كما أدرك جَدَّه لأمه: القاسم بن محمد، وهو أحد فقهاء المدينة المشهورين، وكان عُمْر الصادق عن وفاة هذا الجد 27 سنة.

أما مُعلمه الأكبر فهو والده: محمدُ الباقر الذي ظلَّ حَفيا بولده جعفر، يُعلِّمه العلم والعمل ويدربه على أخلاق السيادة، وقد امتدت صحبةُ الصادق أباه 34 عاما. (تُوِّفي الباقر 114هـ).

كان الباقر يقول للصادق وهو في مقتبل العمر: يا بني، إياك والكسل والضجر (أي: الملل)، فإنهما مفتاح كل شر. إنك إن كَسِلت لم تؤد حقا، وإن ضَجِرت لم تصبر على حق.

 

ومن وصايا الباقر الغالية للصادق: لا تصحَبن خمسة:

1- لا تصحبن فاسقا،فإنه بائعك بأكلة فما دونها.

2-  ولا تَصْحَبنَ البخيل، فإن يقطع عنك ماله أحوج ما تكون إليه.

3- ولا تصحبن كذابا، فإنه بمنزلة السَّراب، يُبعد منك القريب، ويُقرِّب منك البعيد.

4- ولا تصحبن أحمق، فإن يريد أن ينفعك فيضرَّك.

5-  ولا تصحبن قاطعَ رحمٍ، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله.

(لتتضح لك العبارة الأخيرة، إقرأ الآيتين 22 ، 23 من سورة محمد).

 

وقد ظهرت آثار هذه النشأة المباركة بوضوح على جعفر الصادق، فكان سلوكه وهيئتُهُ تُخبر من يشاهده _ ولو لم يعرفه _ أنه يرى شرف التقوى وجلالة العلم ونُبْل السلوك متجسدة فيه.

قال أحد تلاميذه: «كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد، علمت أنه من سلالة النبيين».

وقال الإمام مالك: «كنت آتي جعفر بن محمد، وكان كثير التبسم، فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم أخضَرَّ واصفرَّ.

 

ولقد اختلفت إليه زمانا (يعني كنت أتردد على مجلسه مرة بعد مرة) فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصليا ، وإما صائما ، وإما يقرأ القرآن. وما رأيته قط يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه».

ولم يكن يتظاهر بالزهد والتقشف، بل كان يَلبَسُ الثياب الفاخرة، حتى قال له العالم الكبير سفيان الثوري: يا ابن رسول الله، ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك، فقال: يا ثوري، كان ذلك زمانا مُقترا مُقفرا، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإقفاره.

ولقد نال الصادق مكانة علمية رفيعة، أقَرَّ له بها أكابر العلماء والفقهاء، من أمثال أبي حنيفة وسفيان الثوري ومالك بن أنس.

 

روي أبو حنيفة قصة حواره مع الصادق، وتتلخص في أن أبا حنيفة أعَدَّ للصادق اربعين سؤالا من المشكلات الفقهية العويصة، فلما ألقاها عليه كان الصادق يجيب عن كل سؤال مبينا رأي علماء الكوفة وعلماء المدينة ورأيه هو.

ويعلق أبو حنيفة قائلا: «أعْلَم الناسِ، أعْلَمَهم باختلاف الناس» يعني أن العالم الحقيقي هو المحيط بالآراء المختلفة، وليس الذي يقتصر على رؤية واحدة.

وقد حرِص الصادق في أطوار حياته كلها على البعد عن السياسة وتقلباتها، فقد شهدت حياته عشرة من خلفاء الدولة الأموية حتى سقطت دولتهم، وشهد اثنين من خلفاء بني العباس هما السفاح والمنصور، ولم ينازع هؤلاء الحكام سلطانهم، واكتفى بشرف العلم فضلا على شرف النسب.

 

لقد علَّمَتْه الوقائع التي سمع بها والتي شاهدها، أن الخروج على الحكام كَلَّف الطالبين (ذرية ابي طالب) دماءَ كثيرة زكية، وأورثهم حَسَرات الإزعاج والتشريد.

لقد شهد خروج عمه زيد بن علي بن الحسين، على هشام بن عبد الملك الأموي، كما شهد خروج محمدٍ النفسِ الزكية (من نسل الحسن بن علي بن أبي طالب) أيام المنصور العباسي، وكانت نهايتهما مأساوية.

ومع ذلك فقد كان الصادقَ صَدَّاعا بالحق. يَعرف مواطن الموعظة، والوقتَ المناسب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

كان جالسا مع المنصور يوما، فألحَّت على المنصور ذبابة، كلما ذبَّها عادت حتى أضْجرته فسأل الصادقَ سؤال المتضايق: لماذا خلق الله الذباب؟. فأجاب الصادق: ليُذِل به الجبابرة.

لقد رحل الصادق عن الدنيا سنة 148هـ ، وهو ابن 68 سنة، وقد وَرِثت عنه الأمة علما طيبا نافعا ، وخاصة ما يتعلقَ منه بآداب السلوك وأخلاق التقوى، ومناهج النظر في الكون، وجَوْدة الاستنباط من القرآن الكريم.

 

ومن كلماته الغالية:

– إياكم والخصومة في الدين، فإنها تَشْغَل القلب وتورث النفاق.

–  الصلاةُ قُربان كل تَقِي، والحج جهادُ كل ضعيف، وزكاةُ البدن الصيام.

–  الداعي بلا عَمَل، كالرامي بلا وَتَر.

–  مَنْ أحْزَنَ والديه فقدْ عقَّهما.

–  لا يتم المعروف إلى بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره. (والمعنى أن المعروف الحقيقي له ثلاث صفات: أن تسرع به لمن يستحقه، وأن تُعدَّ فعلك صغيرا. وألا تذكر هذا المعروف).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى