إسلاميات

مدى أهمية تحلي الإنسان بـ”صفة الصدق”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

صفة الصدق أهمية الصدق إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

الصِّدْقُ من الأَخْلاقِ الفَاضِلَةِ الّتي أَجْمَعَ البَشَرُ علَى سُمُوِّها. نَجِدُ ذلكَ مَسْطورًا في الكُتُبِ الإلهِيَّةِ، وفي كلامِ الحُكماءِ والمُرَبِّين والوُعَّاظِ، وجارِيًا علَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ.

يَكْفي أنْ نَصِفَ إِنْسانًا بأنَّهُ صادقٌ لِيَرْتَفِعَ قَدْرُهُ في أَعْيُنِنا، فإنْ قُلْنا إنَّه كاذِبٌ حَكَمْنا عَلَيْه بالهَوانِ وسُقوطِ الشَّأْنِ.

ولِذَلِكَ كانَ الشَّـرْطُ الأَساسِيُّ في الأَنْبِياءِ أنْ يكُونوا مَشْهورِينَ بالصِّدْقِ، مُتَنَزِّهين عَنِ الكَذِبِ، سواءٌ قَبْلَ النُبُوَّة أو بَعْدَها.

 

قَالَ سُبْحانَهُ في صِفَةِ كُلٍّ من سَيِّدِنا إبراهيم وسَيِّدِنا إِدْريسَ، عَلَيْهما السَّلامُ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) (مريم 41 -56).

 

وقال في صِفَةِ سَيِّدِنا إسماعيلَ عَلَيْه السَّلامُ ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) (مريم 54).

وكُلُّ مِلِمٍّ بالتَّاريخِ يَعْلَمُ أنَّ قُرَيْشًا كانَتْ تُلَقِّبُ مُحَمَّدًا رسولَ اللهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ بأنَّه «الصَّادِقُ الأَمينُ». بَلْ إنَّ اللهَ، عَزَّ وجَلَّ، مَدَحَ نَفْسَه المقدَّسَةَ بالصِّدْقِ: صِدْقِ الوعْدِ، وصِدْقِ الحديثِ، وصِدْقِ القَوْلِ. ونَكْتَفي بهذهِ الآياتِ من القُرآنِ الكَريمِ:

( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين) (آل عمران 95).

( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (الزمر 74).

(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) (النساء 87).

قال تعالى(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ) (النساء 122).

 

والصِّدْقُ دليلٌ علَى قُوَّةِ صاحِبِهِ، ونَقاءِ نَفْسِهِ، فَهُوَ لا يُزَيِّفُ الوَقائِعَ، ولا يخونُ الحَقائِقَ، لأَنَّه يَحْتَرِمُ نَفْسَه، ولا يَخافُ أَحَدًا. ولِذَلِكَ جاءَ في الحديثِ: «إِيَّاكُمْ والكَذِبَ؛ فإنَّ الكَذِبَ مُجانِبٌ للإيمانِ».

ومَهْمَا تَتَنَوَّعْ دوافِعُ الكَذِبِ، فإنَّها جَميعَها دَليلٌ علَى ضَعْفِ صاحِبِها وجُبْنِهِ، وانْسياقِهِ وراءَ مَصالِحَ زائِلَةٍ، أو شُهْرَةٍ زائِفَةٍ، أو رَوابِطَ باطِلَةٍ.

وقد قرَّرَ الحديثُ النَّبَوِيُّ الشَّريفُ أنَّ الصِّدْقَ جِماعُ كُلِّ خَيْرٍ عَاجِلٍ وآجِلٍ، وأنَّ الكَذِبَ جِماعُ كلِّ شرٍّ عاجِلٍ وآجِلٍ، فقالَ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «عَلَيْكم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدي إلَى الجنَّةِ؛ ولا يزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويتحرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صدِّيقًا.

 

وإيَّاكُمْ والكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يهدِي إلَى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجورَ يَهْدي إلَى النَّارِ؛ ولا يزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا».

وقد اهْتَمَّ عُلَماءُ الإسْلامِ وفَلاسِفَةُ الأَخْلاقِ بِبَيانِ أَنْواعِ الصِّدْقِ ومَراتِبِهِ. فَأَشْهَرُها صِدْقُ القَوْلِ، ويُطْلَق عَلَيْه أَيْضًا صِدْقُ اللِّسانِ.

ومِنها صِدْقُ النِّيَّةِ، بِمَعْنَى أنْ يكونَ عَمَلُ الإِنْسانِ مَبْنِيًّا علَى الإخْلاصِ للهِ وَحْدَه، بعيدًا عن طَلَبِ شُهْرَةٍ أو مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ. ومِنْها صِدْقُ العَزْمِ، فإذَا نَوَى إِنْسانٌ عَمَلَ خَيْرٍ، أَسْرَعَ إلى تَنْفِيذِهِ مَتَى أَمْكَنَهُ ذلكَ دُونَ تَسْويفٍ أو تَقْصيرٍ.

 

ومِنْها صِدْقُ العَمَلِ، بأنْ يُؤَدِّيَ المَرْءُ عَمَلَهُ بِغايةِ الإخلاصِ والإتْقانِ. ولِذَلِكَ كانَ العَرَبُ إذا مَدَحوا شيئًا بالكَمال نَسَبوهُ إلى الصِّدْقِ، فقالوا عَن الجَنَّةِ: «مَقْعَدُ صِدْق»، وعن القَصْر الفَاخِرِ المُريحِ: «دارُ صِدْق».

وأَدَبِيَّاتُ الصِّدْقِ في التُّراثِ العَرَبِيِّ الإسْلامِيِّ كثيرةٌ جدًّا، ومتنوِّعَةٌ، يكفِي أَنْ نُشيرَ مِنها – إضافَةً إلَى مُختاراتِ كُتُبِ الحَديثِ النَّبَوِيِّ كالتَّرْغيبِ والتَّرهيبِ للمُنْذِريِّ، ورِياضِ الصَّالحين للنَّوَوِيِّ – إلَى الكِتَابِ الشَّهيرِ «إحياءُ علومِ الدِّينِ»، للإمامِ أبي حامِدٍ الغَزَالِيِّ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى