إسلاميات

مظاهر “العدل والظلم” المتواجدة في الحياة والعلاقات التي تمثلهما

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العدل الظلم مظاهر العدل والظلم إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

العَدْلُ، كما هو واضحٌ من اسْمِهِ، اعْتِدالٌ واسْتِقامَةٌ واسْتِواءٌ. ولِذَلِكَ يُعبَّرُ عنهُ أحيانًا بالميزانِ، فإذا تَساوَتْ الكِفَّتانِ بِلا مَيْلٍ تَحقَّقَ العَدْلُ. ويُرْمَزُ لدُورِ القضاءِ بالميزانِ، لأَنَّها تَحْكُمُ بالعَدْلِ.

وفي القُرآنِ الكريمِ : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) (الرحمن 7)، أيْ: وَضَعَ في الأَرْضِ العَدْلَ الّذي أَمَر به. وفي سورة الشُّورَى، الآية 17(اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) فهو سُبْحانَهُ كما أَنْزَلَ كُتُبَهُ، أَنْزَلَ الميزانَ، أيْ العَدْلَ.

واسْتَخْدَمَ القرآنُ الكريمُ لِلْعَدْلِ أيضًا لَفْظَتَيْ: «القِسْطِ» و«القِسْطاسِ». (ولاحظْ أَنَّ الكَلِمَةَ الأخيرةَ تَتَّفِقُ فيها كثيرٌ من اللُّغاتِ مَعَ العربِيَّة؛ مثلاً «Justice» بالإنجليزية؛ وتقول معاجمُهم إنَّ أَصْلَها عِنْدَهُم لاتينيٌّ).

 

وعلَى النّقيضِ من العَدْلِ: الظُّلْمُ، فَهُوَ جَوْرٌ وعُدْوانٌ ومُجاوَزَةٌ للحدِّ وطُغيانٌ. وكلُّ منْ تَعدَّى الحَقَّ إلَى الباطِلِ فَقَدْ أَخَلَّ بالميزانِ، فَلَمْ تَتَساوَ الكِفَّتانِ.

وعامَّةُ النَّاسِ إذَا ذُكِرَ العَدْلُ والظُّلْمُ، تَذَكَّروا – غالِبًا – الحاكِمَ والقاضِيَ والكُبراءَ عامَّةً، ونَسُوا أَنْفُسَهُم؛ نَسُوا عُمومَ الأَفْرادِ والجماعاتِ، مَعَ أنَّ العَدْلَ يَبْدَأُ من الإنْسانِ نَفْسِهِ، فكلُّ فردٍ مطالَبٌ بالعَدْلِ.

الفَرْدُ في الأُسْرَةِ إنْ اسْتَأْثَرَ لِنَفْسِه بِشَيءٍ دونَ إخْوَتِهِ وأَخواتِهِ، ظالِمٌ غَيْرُ عادِلٍ. ورَبُّ الأُسْرَةِ إنْ لَمْ يُسَوِّ بَيْن أَولادِهِ في المُعامَلَةِ ظالِمٌ غَيْرُ عادِلٍ.

 

والحَكَم بَيْنَ فريقَيْنِ في مباراةٍ من أيِّ نَوْعٍ، إنْ مالَ مَعَ فريقٍ ضِدَّ آخَرَ، ظالمٌ غَيْرُ عادِلٍ.

بل قَرَّر فُقَهاءُ الإسْلامِ أنَّ المَرافِقَ العامَّةَ، كالطُّرُقِ والشَّواطِئِ والأَنْهارِ ودُورِ العِبادَةِ، هي حَقٌّ للنَّاسِ جميعًا بالتَّساوِي، فمَنْ اعْتَدَى فيها أو أساءَ اسْتِخدامَها فَهُوَ ظالِمٌ غيرُ عادِلٍ.

ولأَنَّ الحاكِمَ مَسْؤولِيَّتُهُ كبيرَةٌ، كانَ العَدْلُ في حقِّهِ مِنْ أَعْظَمِ الفَضائِلِ، لأَنَّه بالعَدْلِ يوجِدُ مجْتَمَعًا آمِنًا مُسْتقِرًّا. وكَذلِكَ القاضي، والوزيرُ، ومديرُ الشُّرطَةِ، وجميعُ المَسؤولينَ الكِبار (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء 58).

 

ولما كانَ العَدْلُ والظُّلْمُ يَتَنَاوَلانِ أشياءَ ومَسائِلَ تَعْسُرُ الإحاطَةُ بِها، حدَّدَ علماءُ الإسْلامِ ثلاثَ دوائِرَ تُمَثِّلُ العلاقاتِ الّتي يَبْدو فيها العَدْلُ والظُّلْمُ؛ وهذه الثَّلاثُ هي:

1- عَلاقَةُ الإنْسانِ بِرَبِّهِ.

2- عَلاقَةُ الإنْسانِ بِنَفْسِهِ.

3- عَلاقَةُ الإنْسانِ بِغَيْرِهِ.

 

وتَتَحقَّقُ عَلاقَةُ الإنْسانِ بِرَبِّهِ علَى الصُّورَةِ الصَّحيحَةِ بتَوْحيدِهِ تعالَى، وحُسْنِ عِبادَتِه. ولذلكَ كانَ الشِّرْكُ بالله أَعْظَمَ أَنْواعِ الظُّلْمِ، لأَنَّه عبادةٌ وشُكْرٌ لِغَيْرِ المُسْتَحِقِّ لَهُمَا (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان 13).

وعَلاقَةُ الإنْسانِ بنفْسِهِ أَهَمُّ جوانِبِها الأَخْلاقُ، لأَنَّ الأَخلاقَ صورَةُ النَّفْسِ. والإنْسانُ إذَا لَمْ يوفِّ هذا الجانِبَ حقَّهُ عرَّضَ نَفْسَه للعُقوبَةِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهذا ظُلْمٌ مِنْه لِنَفْسِه.

وعَلاقَةُ الإنْسانِ بِغَيْرِه تَعني عَلاقَتَه بالبَشَرِ والحَيَوانِ والبِيئَةِ. وكلٌّ من هذهِ الجوانِب لَهُ في الإسْلامِ شَرائِعُهُ وأَحكامُهُ التَّفصيلِيَّةُ. ويَكْفي هنا أن نذكُرَ مِثاليْن بليغيْن.

 

أَوَّلُهُما أنَّ شِدَّة بُغْضِنَا لِقومٍ (حتَّى لكُفْرِهُمْ) لا تَحْمِلُنا علَى أنْ نَظْلِمَهُم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة 8).

وثانيهُما، أنَّه – في مقابلِ ذَلِكَ – قرابَتُنا لإنسانٍ له لا يُجيزان لنا أن نَنْحَرِفَ عن قَوْلِ الحقِّ – له أو عليه:(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام 152).

ومِنْ ثَمَّ فإنَّك إذا قَرَأْتَ القرآنَ الكريمَ بِإِمْعانٍ، وَجَدْتَ العَدْلَ مِنْ أَعْظَمِ الغاياتِ الّتي بَعَثَ اللهُ من أَجْلِها رُسُلَه.

 

قال تعالَى:(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد 25).

وبناءً علَى ذلكَ يقرِّرُ ابنُ الجَوْزِيُّ، وهو أَحَدُ علماءِ القرآنِ وفٌقَهاءِ الإسْلامِ، أنَّ الظُّلْمَ يَشْتَمِلُ علَى مَعْصِيَتَيْن:

الأُولَى: أنَّهُ أَخْذُ شَيءٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.

والثانيةُ: أنَّهُ مُبارَزَةٌ لِلَّه، عَزَّ وَجَلَّ، بالمُخالَفَةِ. والمَعْصِيَةُ فِيهِ أَشَدُّ، لأَنَّه – غالبًا – يَقَعُ بالضَّعيفِ.

 

وقد أَبْدَعَ المسلمونَ قديمًا مُؤَسَّسَةً اسمُها «وِلايَةُ المَظالِمِ»، مُهِمَّتُها إِنْفاذُ ما عَجَزَ القَضَاءُ عن إنْفاذِهِ. وأَنْتَ تَسْمَعُ اليومَ عَنْ «مَحْكَمَةِ العَدْلِ الدَّوْلِيَّةِ»، الأداةِ القضائيةِ الرئيسيَّةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَة، وهي تَفْصِلُ في النِّزاعَاتِ بَيْنَ الدُّوَلِ، وحُكْمُها نِهائيٌّ، مُلْزِمٌ لأَطْرافِ النِّزاعِ.

ومِنَ المَشروعاتِ المُهِمَّةِ الّتي تَبَنَّتْها الكُوَيْتُ «تَشْكيلُ مَحْكَمَةِ عَدْلٍ إسلامِيَّةٌ، تكونُ قاضِيًا وحَكَمًا ومُصْلِحًا بَيْنَ الدُّوَلِ الإسْلامِيَّةِ»، وتَقَدَّمَتْ بهذا الاقْتِراحِ في المُؤْتَمَرِ الثَّالِثِ لِلْقِمَّةِ الإسْلامِيَّةِ، الّذي عُقِدَ بالطَّائِفِ في المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السَّعودِيَّةِ (يناير، 1981م).

 

بَقِيَ أَنْ نَعْلَمَ، أنَّ «العَدْلَ» اسمٌ من أَسماءِ اللهِ الحُسْنَى، وبِهِ قامَتْ السَّمواتُ والأَرْضُ، وانْتَظَم أمرُ الخَليقَةِ.

ويكفي الظلمَ مَقْتًا أنَّ اللهَ تعالَى تبرَّأَ مِنْهُ، ونَعَتَ ذاتَه المُقَدَّسَةَ بأنَّهُ لا يَظْلِمُ أحدًا، وقالَ في الحديثِ القُدْسيِّ: «يا عبادي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسي، وجعَلْتُه بَيْنَكُم مُحرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا»، أي: لا يَظْلِمْ بَعْضُكُم بَعْضًا.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى