إسلاميات

مظاهر اهتمام الخلفاء بـ”المصحف الشريف”

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الخامس عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

المصحف الشريف إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

أنزل الله القرآن الكريم، عن طريق جبريل، عليه السلام، على النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، مفرقا بحسب الوقائع والحوادث في بضع وعشرين سنة.

واعتمد الصحابة في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب.

ومع ذلك اتخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتابا من خيرة الصحابة، كعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، وأبي بن كعب، رضي الله عنه، وزيد بن ثابت، رضي الله عنه.

 

فكانت إذا نزلت الآية أمرهم بكتابتها، وأرشدهم إلى موضعها من سورتها حتى اجتمع ما كتبوه في السطور إلى ما حفظ في الصدور.

واستعمل كتاب الوحي جريد النخل، والسعف، والجلود، والحجارة، والخشب، والعظام في كتابة القرآن، ثم كانوا يعرضون ما كتبوه على النبي، صلى الله عليه وسلم.

ولم تكن هذه الكتابة مجتمعة في مصحف عام، بل إن كل صحابي قد يكون عنده ما ليس عند الآخرين، ولم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد.

 

وظل الصحابة على هذه الحال إلى أن توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ثم ألهم الله الخلفاء الراشدين إلى ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه.

فعندما استلم أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، خلافة المسلمين بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، انشغل بحروب الردة حيث كثر القتل في حفظة كتاب الله، عز وجل، فقد استشهد سبعون قارئا من الصحابة.

فانتبه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى ذلك وأشار على أبي بكر الصديق بجمع القرآن وكتابته خشية الضياع والنسيان، فلم يمتثل أبو بكر لهذه المشورة أول الأمر، فكيف يفعل أمرا لم يفعله رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟

 

وظل عمر، رضي الله عنه، مصرا على رأيه إلى أن شرح الله صدر أبي بكر، رضي الله عنه، إلى الأمر، وقام بتكليف الصحابي الجليل زيد بن ثابت، رضي الله عنه، بهذه المهمة الصعبة، وذلك لمكانته في القراءة والكتابة والفهم والعقل.

فبدأ زيد، رضي الله عنه، معتمدا على المحفوظ في صدور القراء، والمكتوب لدى الكتبة.

وبعد أن انتهى منها سلمها إلى أبي بكر، رضي الله عنه. فلما توفي أبو بكر، رضي الله عنه، سنة ثلاثة عشر للهجرة صارت بعده إلى عمر، رضي الله عنه، وظلت عنده إلى أن مات، ثم صارت عند حفصة بنت عمر، أم المؤمنين، رضي الله عنها.

 

وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كثرت الفتوح الإسلامية، وتفرق القراء في الأمصار لتعليم الناس.

وأخذ كل بلد عمن جاء إليهم من قراء الصحابة باللهجة التي تلقاها عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

وعندما اجتمع أهل الأمصار للجهاد، لاحظ الصحابي حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، اختلافا كثيرا بين الناشئة (الصبية) في وجوه القراءة إضافة إلى اللحن، مع اعتزاز كل قارئ بقراءته التي تلقاها.

 

عند ذلك هرع حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، إلى الخليفة عثمان بن عفان مبينا له ما آل إليه حال المسلمين، وخشي أن ينتج عنه التحريف والتبديل.

فأجمع الصحابة على نسخ الصحف الأولى التي كانت عند أبي بكر، رضي الله عنه، وأن يجمعوا الناس عليها بالقراءة الثابتة.

فأرسل عثمان، رضي الله عنه، إلى حفصة، رضي الله عنها، فأرسلت إليه بتلك الصحف، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت، رضي الله عنه، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنه، وسعيد بن العاص، رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن الحارث، رضي الله عنه، فأمرهم أن ينسخوا المصاحف، وأن يكتب ما اختلف فيه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم، ففعلوا.

 

فلما نسخت الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، رضي الله عنها، وسمي المصحف الإمام، وأرسل إلى كل بلد بمصحف مما نسخوا، وأمر بحرق كل ما سواه في كل صحيفة.

وتلقت الأمة ذلك بالطاعة حرصا على وحدة المسلمين. وبهذا قطع عثمان، رضي الله عنه، دابر الفتنة، وحسم الخلاف، وحصن القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة أو التحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان.

وكانت المصاحف العثمانية خالية خالية من النقط والشكل اعتمادا على السليقة العربية السليمة التي لا تحتاج إلى الشكل بالحركات ولا إلى الإعجام بالنقط.

فلما تطرق الفساد إلى اللسان العربي نتيجة كثرة الاختلاط، أحس أولو الأمر بضرورة تحسين كتابة المصحف بالشكل والنقط وغيرهما مما يساعد على القراءة الصحيحة.

 

أمر علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أبا الأسود الدؤلي بتنقيط الحروف، فجعل علامة الفتحة فوق الحرف، وجعل علامة الكسرة نقطة أسفله، وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين.

وكان الشكل في الصدر الأول نقطا: فالفتحة نقطة أول الحرف، والضمة على آخره، والكسرة تحت أوله.

أما الذي وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي فالفتح شكله مستطيل فوق الحرف، والكسر كذلك تحته، والضم واو صغرى فوقه والتنوين زيادة مثلها.

 

ثم تدرج الناس بعد ذلك في وضع أسماء السور، وعدد الآيات والرموز التي تشير إلى رؤوس الآي، وعلامات الوقف والتجزئة، والتحزيب، إلى غير ذلك من وجوه التحسين.

ومع خشية العلماء من الزيادة في القرآن، إلا أن نقط المصحف، وشكله مستحب لأنه صيانة له من اللحن والتحريف.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى