البيولوجيا وعلوم الحياة

مبدأ عمل “الآلات الجزيئية” داخل جسم الإنسان

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الآلآت الجزئيئة مبدأ عمل الآلآت الجزيئية البيولوجيا وعلوم الحياة

جسم الإنسان هو مثال حي ونشط لقوة النانوتكنولوجي، فكل شيء يحدث به يتم على مستوى الذرات.

يقوم الجسم بحجز الجزيئات وتصنيفها، وتعمل الذرات الموجودة في هذه الجزيئات على الانتقال من مكان لآخر، وهذا يؤدي إلى بناء جزيئات جديدة تماماً.

 

كذلك فإن فوتونات1 (photons) الضوء يتم التقاطها واستخدامها في توجيه حركة الإلكترونات خلال دوائر كهربائية.

ويتم تعبئة الجزيئات ونقلها بمهارة خلال مسافات تبلغ بضعة نانومترات. وتعمل آلات جزيئية متناهية الصغر، مثل الآلة المبينة في شكل 1.2، على تنسيق كل هذه العمليات الحيوية والتي تحدث على مستوى النانو.

 

شكل 1.2 انزيم "بناء مركب ادينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP)" (ATP Synthase): هو آلة جزيئية يتم إستخدامها في إنتاج الطاقة الكيميائية .

ويتكون هذا الإنزيم من أكثر من 40 ألف ذرة لكل منها مكان معين في الإنزيم ويقوم بوظيفة معنية (قوة التكبير: 8 ملايين مرة).

 

هذه الآلات تشبه تلك التي نستخدمها في عالمنا المعاصر، حيث تتم صناعتها للقيام بمهام محددة وبكفاءة ودقة. ويتم أداء هذه المهام على مستوى الجزيئات، ولكن الآلات الجزيئية بارعة في أدائها لوظائفها حتى على مستوى الذرات.

كما سنرى في هذا الكتاب، فإن هناك العديد من أوجه التشابه بين الآلات الجزيئية وبين الآلات المألوفة لدينا مثل المقص والسيارة.

وقد نصاب بالإحباط عند محاولتنا لفهم الأشكال العضوية الغير مألوفة للآلات الجزيئية حيث إنها تبدو كطلاسم غير مفهومة

 

ومن الممكن أن نفهمها على أنها آلات تتركب من أجزاء متوافقة مع بعضها البعض ولديها القدرة على الحركة والتفاعل فيما بينها لإنجاز مهمة معينة.

إلا أن هناك بعض الإختلافات الأساسية بين الآلات الجزيئية وتلك المصنوعة بيد الإنسان. ومن الضـروري ان نفهم هذه الإختلافات بشكل اساسي لكي نُقدر ما يحدث من عجائب على مستوى الجزيئات.

 

أحد التحديات الكبرى التي تواجهها الآلات الجزيئية هي أنه لا بد من صناعتها من الذرات. وعلى الرغم من أن هذا يبدو كأمر بديهي، إلا أنه في الحقيقة يسبب مشاكل ذات أبعاد كبيرة. حيث تأخذ الذرات عدداً محدوداً من الأشكال والأحجام.

وتقوم الخلايا بأداء كل وظائفها تقريباً بإستخدام ستة أنواع من الذرات وهي الكربون، والأكسجين، والنيتروجين، والكبريت، والفسفور، والهيدروجين – مع إضافة المزيد من الذرات لعناصر مميزة عند القيام بمهام خاصة.

وترتبط هذه الذرات مع بعضها البعض من خلال طرق محدودة للغاية، بحيث تتحدد طريقة الإرتباط تبعاً لكيمياء الذرات المرتبطة . ولا بد من بناء الآلات الجزيئية مع وجود هذه المحددات الأساسية.

 

وهذا أمر أشبه ما يكون بمحاولة بناء آلات باستخدام "مكعبات الأطفال" (لجو): حيث يمكنك في هذه الحالة بناء العديد من الأشياء المختلفة، ولكن الصورة النهائية لكل شيء منها تتوقف على أشكال الوحدة المكونة له والروابط الموجودة بينها.

وسوف نرى لاحقاً أن الآلات الجزيئية تستفيد من كل حيلة ممكنة للوصول إلى أفضل إستخدام لهذه المجموعة المحدودة من المواد الخام.

تقوم الخلايا المعاصرة باستخدام أربع خطط أساسية لدمج الذرات مع بعضها لبناء الآلات الجزيئية، فبينما نجد ان الآلات المألوفة لدينا يتم بناؤها من المعدن، والحشب، والبلاستيك، والسيراميك، فإن الآلات في الخلايا ، والتي يُقاس حجمها على المستوى النانوني (Nanoscale) ، يتم بناؤها من بروتين ،وحمض نووي، ودهن، وسكر متعدد.

 

ولكل خطة شخصية كيميائية فريدة تجعلها مثالية لأداء دور معين ومختلف في الخلية، ولفهم هذه الشخصية الكيميائية فإننا نحتاج إلى التعرف على مفهومين أساسين، وهما التكامل الكيميائي (Chemical Complementarity) والكراهية للماء (Hydrophobicity).

عندما تتلامس الجزيئات وتتصل ببعضها، فإنها تتفاعل مع بعضها البعض.

وفي أغلب الحالات فإن هذا التفاعل لا يكون قوياً ، وما يحدث هو أن الجزيئات تصطدم ببعضها البعض ثم يذهب كل منها في طريقه. ولكن إذا حدث وكان التفاعل تكاملياً Complementarity)) فإنها ترتبط مع بعضها بإحكام.

 

وتتفاعل الجزيئات مع بعضها من خلال عدة تفاعلات متخصصة بين الذرات.

وأغلب هذه التفاعلات تكون ضعيفة التأثير عندما تحدث منفردة، ولكن تأثيرها يزداد وتصبح مهمة عندما يتواجد جزء كبير من أحد الجزيئات بجوار جزء آخر من جزىء آخر بحيث يكون الجزءان متوافقين ومتشابهين في الشكل (شكل 2.2).

 

شكل 2.2 التكامل الكيميائي: تتفاعل الجزيئات البيولوجية مع بعضها بواسطة أجزاء كبيرة الحجم ومتكاملة على أسطحها.

ويوضح الشكل تركيب إنزيم الاينوليز (Enolase) والذي يقوم بخطوة واحدة في التمثيل الغذائي، (الأيض) للسكريات. يتكون هذا الأنزيم من وحدتين ترتبطان ببعضهما لبناء الآلة الجزيئية النشطة.

وتوضح الصورة السفلى الوحدتين وهما منفصلتان مع وجود خطوط تربط الذرات القادرة على تكوين روابط هيدروجينية مع بعضها البعض. لاحظ كيف أن شكل الوحدتين يساعد على تداخلهما وتوافقهما التام عندما يقتربان من بعضهما البعض (قوة التكبير:10 ملايين مرة).

 

وتعمل الآلات الجزيئية على الإستفادة أيضاً من نوعين من التفاعلات المتخصصة وهما: تفاعل تكوين الروابط الهيدروجينية بين ذرات الهيدروجين والأكسجين أو النيتروجين، وتفاعل تكوين الروابط الملحية بين الذرات التي تحمل شحنات كهربائية متضادة.

وتعمل هذه التفاعلات المتخصصة كمثبتات (مشابك) صغيرة لضم الجزيئات مع بعضها.

والكراهية للماء هو مفهوم اكثر غموضاً وذلك نتيجة لصفاته غير المعتادة، حيث تميل الجزيئات إلى التفاعل مع الماء بإحدى طريقتين.

 

فهناك جزيئات ترتبط بقوة مع الماء، وهي غالباً ما تكون غنية بذرات الأكسجين والنيتروجين، ويطلق عليها "محبة للماء" (Hydrophilic)، حيث تذوب هذه الجزيئات بسهولة في الماء، محيطةً نفسها بدرع مريح من جزيئاته.

سكر المائدة و حمض الخليلك (ِAcetic) (الحمض الموجود في الخل) من الجزيئات الصغيرة المألوفة لنا والتي تكون محبة للماء

 

ومن ناحية أخرى فهناك جزيئات تكون غنية في ذرات الكربون ولا تتفاعل بصورة جيدة مع الماء، ويطلق عليها "كارهة للماء" (Hydrophobic).

وعند وضع هذه الجزيئات فيه، فإنها تميل للتجمع  مع بعضها البعض، مكونةً لكريّات تظل مبتعدة عن جزيّات الماء المحيطة بها (شكل 3.2).

 

شكل 3.2 كراهية الماء: مركب الدهن الفسفوري (phospholipid) المبين أعلى الشكل يحتوي على مجموعة فوسفات ملونة بالأصفر والأحمر، وهي مجموعة محبة للماء حيث أنها تتفاعل بقوة معه.

ولكن الجزء المتبقي من المركب والذي يتكون أساساً من الكربون والهيدروجين (باللون الأبيض)، يكون كارهاً للماء لا يتفاعل بقوة معه.

وعندما تُمزج الدهون بالماء ، فإنها تنفصل لتكون قطيرات (أو طبقات دهنية ثنائية، كما سيتم وصفه لاحقاً فيه هذا الفصل) تعمل على تقليل تلامس الدهن مع الماء المحيط بها.

ويوضح الجزء السفلي من الشكل العديد من جزيئات الدهون الفسفورية المتجمعة سوياً لتكون كُريّة مرصوصة، تحمي بداخلها الأجزاء الكارهة للماء.

 

وهذا ما يحدث عند وضع زيت نباتي في الماء: حيث تتكون قطيرات من الزيت تعمل على تقليل التلامس بين جزيئات الزيت والماء.

تعمل الآلات الجزيئية الكبيرة نسبياً في الخلايا على الاستفادة من كل من هاتين الخاصيتين السابقتين. فغالباً ما يكون لها أسطح ذات أشكال غير معتادة تقوم بإستخدام الروابط الهيدروجينية والروابط الملحية لتجد جزيئات ذات أشكال متوافقة معها.

 

وغالباً ما يكون بها مناطق محبة للماء وأخرى كارهة للماء تتفاعل بطرق مختلفة مع الماء. ويؤدي وجود أنساق مختلفة من هذه المناطق إلى قيام الجزيئات بأداء أدوارها بطرق جديدة عند إذابتها في الماء.

وتسخدم الخطط الجزيئية الأربع – البروتينات، والأحماض النووية، والدهون، والسكريّات العديدة- توافقات مختلفة من هاتين الخاصيتين لإنجاز أهداف جزيئية مختلفة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى