العلوم الإنسانية والإجتماعية

كيفية التحكم الاجتماعي في السلوكيات الخاصة بالخصوبة وحقوق المرأة

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

العلوم الإنسانية والإجتماعية الطب

القواعد الاجتماعية والثقافية للإنجاب

يستمر الاهتمام الاجتماعي المعاصر الذي انبثق عن تكنولوجيا التناسل كموضوع أو كمحور رئيسي في تاريخ الإنسان، ففيما يتعلق بأمور العلاقات الجنسية والتناسل لم يسبق للجنس البشري ان رضي بترك الطبيعة في مسارها دون تدخل منه. 

أما عن كل الاعمال المتعلقة بالخصوبة، والتي تسهم في استمرار المجتمع وعضويته طوال عصور التاريخ المسجل فكانت تعتبر عند القبيلة والقرية والدولة والكنسية امورا غاية في الأهمية والقوة، تمتاز بأنها شديدة القابلية للاستقلالية والخروج على العرف لدرجة لا يمكن معها تركها تحيا دون تحكم او حدود. 

وفي بعض الاحيان، كما هو الحال في القرن العشرين، كانت الحدود التي تقام حولها بصفة رسمية مفروضة من جانب الحكومات المحلية والوطنية. 

 

أما الحدود الثقافية فقد كانت بنائية كما في مراسم وشعائر المجتمعات التقلدية التي تتناقلها الأجيال، وربما كانت نوعية ومقننة مثل التعليمات التي يعلنها بعض المتحدثين المعنيين باسم الاديان أو نيابة عن الكنيسة كما فرضت حدود أيضا من جانب الذكور أو الرجال الذين كانت مكانتهم الشخصية أو أوضاعهم الاقتصادية مرتبطة بملكيتهم لنساء ولودات وإنجاب عدد كبير من الابناء. 

وكانت هناك بعض محاولات للتنظيم عن طريق الحد من الجماع (أو الممارسة الجنسية) التي تهدف إلى إنجاب الأطفال، ومنع استخدام وسائل منع الحمل، أو إنهاء الحمل بإجراء عمليات الإجهاض. 

وفي ظل هذه الظروف كان على المرأة أن تدافع عن نفسها ضد أخطار وأعباء الحمل المتكرر بكثرة من جهة، وضد عدم الخصوبة وما يترتب عليها من هجر الزوج لها من جهة أخرى.

 

وفي المناطق غير الصناعية، دافعت المرأة عن نفسها باللجوء إلى وسائل تنظيم النسل باستخدام المواد المحلية او الأساليب التقليدية، التي كانت مجهضة ومانعة للحمل مما لم يكن لها في بعض الأحيان نتائج مؤكدة، كما كنّ يلجأْن إلى استشارة المعالجين الشعبيين او الشامانيين (برودي Brody 1981/أ، ونيومان Newman 1985)، وكذلك بقتل المواليد وهجر الاطفال. 

ولكي تحمي المرأة حياتها وصحتها كان لا بد لها في بعض الأحيان من أن تخفي وتكتم استعمالها لوسائل تنظيم النسل عن أقرانهم وعن الرجال ذوي النفوذ في الأسرة.

ومنذ دخول التقنيات التناسلية المتقدمة وبخاصة الإجراءات والطرق التي تسمح بالإنسال (تخليق الجنين) بدن جماع، اعترفت المجتمعات بعدد من التعريفات الجديدة التي تحدد بالضبط ماذا نعنيه بالأب أو الأم. 

 

فإن الإنسال بدون جماع يفصل بين قضايا الوراثة وقضايا الولادة والإنجاب عن طريق الحبل وقضايا الابوة أو الوالدية عن طريق تربية ورعاية المولود. 

وتدخل هذه الأمور في نطاق قانون الأسرة الذي يعد في الولايات المتحدة شأنا من شئون الولايات ولا يتعلق بالحكومة الفيدرالية. 

فالوالدية بالنسبة لكل من الرجال والنساء يمكن تحديدها وظيفيا على أساس العلاقة الوراثية مع المولود، أو إذا أخذ الشخص على عاتقه مسئولية تربية ورعاية الطفل وشارك في كفالته وانشغل بها.  أو كلاهما. 

 

أما بالنسبة للنساء فقد أصبح بالإمكان الآن تحديدها على أساس حمل الطفل وولادته فقط مع أو بدون اي إسهام وراثي فيه.  وتمتد الأبوة او الوالدية حاليا إلى العلاقة بالنطف والخلايا الأمشاجية والمضغ والأجنة التي تحفظ خارج الجسم. 

فإنتاج الأجنة الفعلي في الأنابيب يثير تساؤلات حول التعامل فيها لم يسبق مصادفتها من قبل.  فيمكن افتراض تخزينها لفترات قصيرة او طويلة. 

أو بيعها أو الاستغناء عنها إذا انتقل رعاتها إلى ظروف أخرى، وقد تزرع في رحم امرأة لها صلة وراثية بالجنين او ليس لها صلة وراثية به، أو يسمح بقتل هذه الخلايا الامشاجية او تركها لتموت. 

 

وفي كل من هذه الحالات يجب وضع أحكام تشريعية متوافقة مع بعض حقوق الإنسان أو المواثيق الأخلاقية وقد تكون هذه الأحكام غير متوافقة مع حقوق ومواثيق اخرى. 

ومن بين ما تتطلبه هذه الأحكام تحديد الوضع القانوني للتخيلق الخارجي لهذه المضغ أو الأجنة وحقوق ملكيتها للأبوين الأصليين اللذين أنتجاها.  وربما تكون هناك رغبة ملحة لدى بعض هؤلاء الآباء لحفظ نطقهم أو بويضاتهم او أحد أجنتهم أو مضغهم نتيجة لدوافع غير عقلانية بيد أن عقلانية هذه الدوافع لم تكن موضع اهتمام المحاكم. 

فالمعالجة القضائية لحل المسائل الخلافية بين شركاء الامور الجنسية المتعلقة بالرعاية عادة ما تتم طبقا للعرف والاتفاق من خلال القرارات القضائية، التي تحدد كلا من حق ملكية الأجنة أو المضع وحالتها. 

 

ومن بين الاساليب التي تكفل مسايرة تطور المفاهيم القومية عن حقوق الإنسان أسلوب العمل من خلال الاستشارة وتسوية المنازعات.  ولا يوجد سبب يمنع إمكان صياغة مثل هذه الأمور في شكل وثائق دولية.

وسوف نناقش موضوع الأمومة المستعارة من حيث كونها ترتيبا اجتماعيا لإنجاب الاطفال اعتمادا على تكنولوجيا التلقيح الصناعي فيما بعد في هذا الفصل.  فالكثير من القضايا التي يثيرها هذا الموضوع هي نفس القضايا التي تتعلق بالإنسال أو الإنجاب بدون جماع.

وقد أدت هذه القضايا التي وجدت في كثير من أنحاء أوروبا إلى قيام عمل تشريعي، وبخاصة منذ أن أصبح معروفا جدا وجود مثل هذه التشريعات في الولايات المتحدة سنة 1989، نتيجة التغطية الإعلامية لقضية الطفل الذي كان يرمز إليه بالحرف (م).

 

بيد أن هذه الاهتمامات لم تكن اهتمامات واقعية إلا بالنسبة لقطاع صغير من صفوة الاقتصاديين والسياسيين وبخاصة في الديمقراطيات الصناعية ممن أتيح لهم الاستفادة من تقنيات الطب البيولوجية. 

فالابوة والوالدية في معظم جهات العالم تعرف ويتحدد معناها على اساس رعاية وتربية الطفل الذي قد لا يحمل في بعض الاحيان مورثات من الأم والاب المعنيين في سياق الاسرة الكبيرة. 

وكان تبني الاطفال غير الرسمي دون تعيين وتحديد الراعي أو ولي الأمر بصفة رسمية هو القاعدة.  وحتى في الأمم الصناعية التي تطبق تعليمات معقدة بالنسبة لحماية كل من الأبوين والطفل، يبدو أن رعاية الأطفال الذين لا ينتسبون وراثيا أو ينتسبون بقرابة بعيدة للمتبني أو حتى الأمومة المستعارة داخل الأسر سوف تظل غير خاضعة للتحكم الكامل من جانب الدول. 

 

وحتى إنتاج جنين أو وليد بقصد توفير انسجة أو خلايا لأحد أعضاء الأسرة المحبوب والموجود من قبل يمكن أن يتم (بل ويتم بالفعل) بأي شكل من الاشكال بمعاونة الأطباء بعيدا عن كل إجراءات الرقابة الرسمية التي تحددها الدولة أو اللجان الاخلاقية في المستشفيات (انظر الفصل 4). 

وهكذا يأتي التحليل الرسمي للقضايا لحقوق الإنسان في مثل هذه الحالات في مرتبة ثانية بعد الاعتبارات المتعلقة بالجوانب العاطفية والجوانب العاطفية والجوانية للأبوين أو لأعضاء الاسر الآخرين. 

أما من حيث تحقيق التوازن النسبي للحقوق فإن الأسبقية تكون للشخص الكبير المفكر المتأمل الذي اصبحت له بالفعل مكانة في السياق الاجتماعي والعلاقة بالآخرين، وتكون له الافضلية على الجنين الذي لم يولد أو الذي  قد لا يولد أبدا، وعلى الطفل الذي قد تكون خلاياه مفيدة لعضو مريض في الاسرة ولكنه مع ذلك إنسان كامل وعضو مؤثر وقيم فيها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى