الكيمياء

عملية “التَخْليق النَووي”

2006 موسوعة علم الفلك والفضاء2

شوقي محمد صالح الدلال

KFAS

الكيمياء

التفاعلات النووية التي تؤدي إلى تكون العناصر في الطبيعة.

تفسر الوفرة الكونية للعناصر بدلالة خواصها النووية وما يحيط بها من وسط (درجة حرارة ، كثافة … الخ) ، وقد بدأ تكون العناصر عندما انخفضت درجة حرارة الكون البدائي إلى 109 درجة كلفن ، وذلك بعد 100 ثانية من الانفجار الأعظم (انظر big bang theory).

ففي هذه اللحظة اندمجت البروتونات والنيوترونات لتكون نوى الديتريوم التي اندمجت بدورها مكونة الهليوم ، وقد تكون خلال هذه الفترة معظم الهليوم في الكون بالإضافة إلى الديتريوم والليثيوم وكمية قليلة جداً من العناصر الثقيلة.

 

ومن المعروف حالياً أن الهليوم والعناصر الثقيلة تكونت في النجوم ، وكان فاولر (Fowler) وهويل (Hoyle) وبوربيجز (Burbidges) أول من طور هذه الفكرة .

وتتكون العناصر باستمرار في المجرة منذ آلاف الملايين من السنين نتيجة تطور النجوم *(stellar evolution) .

يعرف حالياً 118 عنصراً تتباين في بنيتها من أكثرها بساطة ، وهو عنصر الهيدروجين ، إلى أكثرها تعقيداً ، وهو العنصر 118 ، ولكل عنصر في الطبيعة بنى مختلفة تسمى النظائر (isotopses)* .

 

ولكل نظير العدد نفسه من البروتونات ولكنه يختلف عن النظائر الأخرى للعنصر نفسه من حيث عدد النيوترونات .

وتشكل العناصر المستقرة الـ 81 التي توجد على الأرض الجزء الأكبر من مادة الكون ، ويضاف إلى ذلك عناصر أخرى مشعة ، مثل الرادون واليورانيوم.

ولهذه العناصر المشعة نصف حياة بالغ الطول – يتراوح بين مليون وبليون سنة ، ولم يتم رصدها في النجوم .

 

فوفرتها الضئيلة لا تسمح باكتشاف خطوط طيفها ، ويوجد بالإضافة إلى العناصر المشعة العشرة في الطبيعة 21 عنصراً مشعاً تم تخليقها اصطناعياً تحت ظروف معينة في المفاعلات النووية.

وتختلف العناصر الاصطناعية عن مثيلاتها في الطبيعة في أنها تنحل بسرعة كبيرة إلى عناصر أخرى أكثر استقراراً.

ومن المعروف حالياً أن جميع العناصر في الطبيعة باستثناء الهيدروجين والهليوم وكمية ضئيلة من الليثيوم كانت قد تخلقت في باطن النجوم.

 

وعند تفحص منحنى وفرة العناصر في الطبيعة نجد مجموعة من العناصر تتربع على قمم في هذا المنحنى وتفصل بينها أربعة وحدات كتلة نووية (انظر الشكل).

ويبين الجدول أدناه الوفرة النسبية لمجموعات العناصر في الكون، وتشكل هذه المعلومات القاعدة الأساس لوضع أي نموذج لتفسير الوفرة النسبية للعناصر في الكون .

 

يبدأ التخليق النووي في النجوم بتحويل ذرات الهيدروجين إلى هليوم فيما يعرف بسلسلة البروتون – بروتون (انظر proton – proton chain reaction).

فعندما تبلغ درجة الحرارة في باطن النجم 107 كلفن تبدأ سلسلة من التفاعلات النووية يتحول بواسطتها الهيدروجين إلى هليوم :

وتتحد البوزيترونات الناتجة عن هذه التفاعلات مع الإلكترونات الحرة القريبة منها ، وينتج عن هذا الاتحاد انبعاث أشعة جاما عالية الطاقة .

 

أما جسيمات النيوترينو فتهرب بسرعة حاملة معها قدراً من الطاقة ، ولكنها لا تؤدي دوراً ما في التخليق النووي .

وتتم عملية حرق الهيدروجين في النجوم كبيرة الكتلة بصورة أسرع بواسطة دورة الكربون – النيتروجين – الأوكسجين ، وعندما يتجمع الهليوم في قلب النجم يأخذ هذا القلب في الانكماش وتأخذ درجة حرارته في الارتفاع تبعاً لذلك.

وعند بلوغ درجة الحرارة 108 كلفن أو أكثر تتغلب نوى الهليوم (جسيمات ألفا) على قوة التنافر الكهربائية بينها وتندمج ثلاث نوى من عنصر الهليوم مكونة الكربون ، وفقاً للتفاعل:

 

وعندما تبلغ درجة الحرارة 109 كلفن (تصل درجة الحرارة إلى هذا القدر فقط في النجوم التي تفوق كتلتها كتلة الشمس) ، تندمج نوى الكربون لتكون المغنيزيوم وفقاً للتفاعل :

وعند ازدياد الشحنات النووية يصعب التغلب على قوى التنافر بين نوى الذرات ودمجها ، فمن الصعب دمج نوى أكبر من نوى ذرات الكربون في النجوم.

ويمكن أن تخلق العناصر الأكبر كتلة في هذه الحالة بسهولة أكثر ، فعلى سبيل المثال، تفوق قوى التنافر بين نواتين لذرة الكربون تلك التي بين نواة ذرة كربون ونواة ذرة هليوم بثلاثة أضعاف.

ولذا يحدث الاندماج بين الكربون والهليوم عند درجات حرارة أكثر انخفاضاً من تلك اللازمة لاندماج ذرتي كربون.

 

وعند درجات حرارة تزيد على 6 ´ 108 كلفن تندمج نوى ذرات الهليوم (جسيمات ألفا) مع نوى ذرات الكربون مكونة الأوكسجين وفقاً للتفاعل :

وقد تندمج نوى الأوكسجين الناتجة عن هذا التفاعل مكونة الكبريت :

ولكن الاحتمال الأكبر هو أن تأسر نواة الأوكسجين جسيم ألفا لتكون النيون – 20  وفقاً للتفاعل :

ويحدث التفاعل الأخير عند درجات حرارة أكثر انخفاضاً من سابقه ؛ ولذا فهو أكثر احتمالاً .

 

وبصورة عامة عندما يتطور نجم تتكون العناصر الثقيلة بأسر جسيمات ألفا بدلاً من الاندماج مع بعضها.

وتؤدي هذه العملية إلى زيادة وفرة العناصر التي تساوي كتلها مضاعفات الأربعة ، كالهليوم (4 وحدات) ، والكربون (12 وحدة) ، والأوكسجين (16 وحدة) ، والنيون (20 وحدة) ، والمغنيزيوم (24 وحدة) ، والسيليكون (28 وحدة).

ولجميع هذه العناصر قمم بارزة في منحنى الوفرة الكونية المبين في الشكل أعلاه ، وأسر جسيمات ألفا ليس هو الوسيلة الوحيدة التي تتم بواسطتها التفاعلات النووية ، فعندما تتجمع نوى عناصر مختلفة يصبح المجال مفتوحاً لعدد كبير من التفاعلات النووية.

 

ففي بعض هذه التفاعلات تتحرر البروتونات والنيوترونات من النواة الأم ويتم امتصاصها من قبل نوى أخرى ، وينتج عن هذه العملية تكون عناصر لها كتل متوسطة تقع بين عناصر القمم البارزة في منحنى الوفرة.

فقد تكونت بهذه الطريقة كل من عناصر الفلور (19 وحدة) ، والصوديوم (23 وحدة) ، والفوسور (31 وحدة) وغيرها.

ولكن وفرتها تكون عادة أقل من تلك التي نتجت عن أسر نوى الهليوم، وهي تقع في النقاط الدنيا من منحنى الوفرة الكونية .

 

وعندما يبدأ السيليكون – 28 بالتخلق تحدث عمليتان متنافستان في قلب النجم ، فيستمر السيليكون من جهة في أسر جسيمات ألفا لتخليق عناصر أكبر كتلة.

ومن جهة أخرى تؤدي الحرارة الشديدة (3 ´ 109 كلفن) إلى تحطيم نوى السيليكون إلى سبع جسيمات ألفا وفقاً للتفاعل :

وتشبه هذه العملية الانحلال الضوئي *(photodisintegration) الذي يسرع في تحطيم القلب الحديدي للنجوم في الطور الأخير قبل انفجارها.

 

ويؤدي الانحلال الفوتوني إلى زيادة في وفرة جسيمات ألفا مما يسمح للنوى كبيرة الكتلة بأسر المزيد منها وتخليق عناصر أكبر كتلة من السيليكون ، ومع استمرار هذه العملية تتحطم بعض النوى كبيرة الكتلة وتتخلق أخرى تفوقها كتلة .

وينتج عن سلسلة هذه التفاعلات تخليق الكبريت – 32، والأرغون – 36، والكالسيوم – 40، والتيتانيوم – 44، والكروميوم – 48، والحديد – 52، والنيكل -56، ويمكن تلخيص التفاعلات التي تؤدي إلى خليق النيكل بالتفاعل :

وتسمى العملية المزدوجة الناتجة عن الانحلال الفوتوني وما يعقبها من أسر مباشر لبعض جسيمات ألفا بعملية ألفا *(alpha process).

وعند هذه المرحلة تحدث تعقيدات أخرى في عملية التخليق النووي . فالنيكي – 56 عنصر غير مستقر ، وينحل بسرعة إلى الكوبالت – 56 أولاً ومن ثم إلى نواة ذرة الحديد – 56 .

 

وهي نواة مستقرة ، والحديد – 56 هو أكثر العناصر استقراراً ، وبالتالي تؤدي عملية ألفا إلى تجميع الحديد في قلب النجم.

يتكون الحديد من 26 بروتوناً و 30 نيوتروناً ، وترتبط هذه الجسيمات في نواة ذرة الحديد بشدة تفوق أي من قوى الربط في نوى العناصر الأخرى .

ويوجد العديد من العناصر التي تفوق الحديد كتلة ، ولكن عملية ألفا تتوقف عند الحديد ، فكيف تتخلق العناصر ما بعد الحديد؟ .

 

تتخلق العناصر الأكبر كتلة من الحديد بواسطة عملية أخرى هي أسر النيوترونات ، ففي قلب النجوم التي قطعت مرحلة كبيرة من تطورها تصبح الظروف مواتية لأسر النيوترونات ، وتنتج النيوترونات من مجموعة من التفاعلات النووية ، ويتم أسرها بسهولة لكونها مجردة من الشحنة.

فعند إضافة نيوترون إلى نواة ذرة الحديد ، على سبيل المثال ، لا يتغير عنصر الحديد نفسه ، ولكن يتخلق نظيراً للحديد أكبر كتلة. فباستطاعة الحديد – 56 أسر نيوترون ليكون الحديد -57 ، وهو نظير مستقر ، وفقاً للتفاعل :

ويتبع ذلك أسر نيوترون ليتكون الحديد – 58 وفقاً للتفاعل :

والحديد -58 هو نظير مستقر بدوره ، وقد يأسر الحديد – نيوتروناً ليكون الحديد -59 ، وفقاً للتفاعل:

 

ولكن من المعروف أن الحديد – 59 ليس مستقراً ، فهو ينحل إلى الكوبالت – 59 ، وهو عنصر مستقر ، ثم تستمر عملية الأسر . فيأسر الكوبالت – 59 نيوتروناً ليكون الكوبالت – 60 ، وهو عنصر مستقر ، ويستغرق كل أسر للنيوترون بواسطة نواة معينة سنة واحدة تقريباً.

ويوجد بالتالي متسع كافٍ من الوقت للنوى غير المستقرة للانحلال قبل أن تأسر نيوتروناً ، وتسمى هذه العملية البطيئة التي يتم فيها أسر النيوترونات عملية –s (s هي بادئة slow ، وتعني بطيء).

وتفسر عملية –s تخليق العناصر الثقيلة حتى البزموث – 209، ولا يمكن تخليق عناصر أكبر كتلة من البزموث بهذه الطريقة ، فيؤدي تخليق أي عنصر جديد ما بعد البزموث بأسر النيوترونات إلى انحلاله لعنصر البزموث ثانية .

 

وتتخلق العناصر التي تفوق البزموث كتلة بطريقة أخرى تسمى عملية –r (r  هي بادئة  rapid، وتعني سريع) .

وتحدث هذه العملية خلال انفجار المستعرات العظمى  *(supernova)، فخلال الخمسة عشرة دقيقة التي تعقب الانفجار يزداد عدد النيوترونات ازدياداً هائلاً ، ويزداد تبعاً لذلك أسر النيوترونات.

وتصل وفرة النيوترونات خلال هذه المرحلة إلى قيمة كبيرة تسمح حتى للنوى غير المستقرة بأسر البعض منها قبل انحلالها.

 

وتؤدي هذه العملية إلى تخليق أكبر العناصر الموجودة في الطبيعة كتلة ، وبما أن هذه العناصر تتخلق خلال فترة قصيرة.

لذا فإن وفرتها قليلة جداً ، فوفرة العناصر الأكبر كتلة من الحديد تقل بمقدار مليون ضعف عن تلك التي للهيدروجين أو الهليوم .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى