التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

علم ميكانيك الفشل . لنسامح التصميم تفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

عندما واجهت مفهوم الفشل بشكل كبير لأول مرة، لم أفهم بالكامل أهميته، على الرغم من أن رمزه المهيمن كان متجلياً في روتيني اليومي. في ذلك الوقت، كنت أدرس في جامعة إلينوي، وفي خلال السنوات القليلة التي كنت فيها هناك كان مختبر تالبوت (Talbot Laboratory) بمثابة بيت لي بعيداً عن بيتي، والمختبر بناء كبير بالقرميد الأحمر يقع قريباً من حدود مدينة أوربانا (Urbana). والمختبر الذي تطلّ واجهته الغربية مباشرة عبر شارع رايت (Wright Street) وتمتد نحو المدينة التوأم شامبين (Champaign)، يعود إنشاؤه إلى عام 1928، عندما كان المختبر مكرساً لفحص المواد. والحقيقة أن العبارة "فحص المواد" (Material Testing) محفورة على الحجر الواقع فوق باب المدخل. بعد 10 سنوات، أعيدت تسمية البناية لتصبح مختبر آرثر نيوويل تالبوت (Arthur Newell Talbot Laboratory)، وحفرت التسمية [الجديدة] على حجر كبير في واجهة المدخل. كان تالبوت بروفسوراً في هندسة البلديات والصرف الصحي، أصبح عام 1890 مسؤولاً عن الميكانيك النظري والتطبيقي في إلينوي حيث أصبح موضوع الدراسة، وبعد ذلك القسم الذي احتواه، في مختبر تالبوت يطلق عليه وديّاً بالاختصار تام (TAM).

يعتبر فحص المواد الألف والياء [البداية والنهاية] لتحليل وتركيب هندسة الإنشاءات. عند قيام المهندسين بتصميم جسر أو مبنى، عليهم معرفة متانة الفولاذ أو الكونكريت المنصوص عليه في المواصفات بالنسبة للعارضات والأعمدة الساندة. فالمتانة القصوى للمادة هي نقطة انكسارها الفعلي، وإذا كانت المادة المستخدمة غير قياسية، ومواصفاتها غير مذكورة في دليل، فالطريقة الوحيدة لمعرفة مواصفاتها بثقة تكون من خلال نماذج الفحص، ويعني ذلك تمزيق هذه النماذج وتهشيمها حتى نقطة الانكسار (الفشل)، وعندما يتم ذلك وتسجّل البيانات، ستمكّن النظريات والمعادلات والحسابات [لعلم] الميكانيك النظري التطبيقي المهندسين من التنبؤ، بمقدار كبير من الدقة – مقدار الجهد الذي يمكن للهيكل الحقيقي أن يتحمله – وبالتالي مقدار الثقل الذي يمكن أن يسلط عليه، وتحليل الفشل التفاعلي استباقياً، يعرف بالتصميم، وهو الذي يحوّل الخطط التمهيدية إلى خطط نهائية. كذلك عندما يتداعى هيكلٌ بشكل غير متوقع، فتحليل ما بعد الفشل لتحديد السبب، سيعتمد على الأدوات التحليلية للميكانيك النظري والتطبيقي للتأكّد من أن التصميم الهيكلي قد تم بشكل صحيح، وهذه الأدوات، مقترنة بأجهزة اختبار مناسبة، تُخضع للفشل نماذج من المواد المنحنية والملتوية والممزقة المنتشرة في الركام للتأكّد من أن هذه المواد كانت تمتلك المتانة المفروضة عند التصميم.

بحسب فيلسوف العلوم إرنست ماخ (Ernst Mach)، فالميكانيك هو "أقدم وأبسط" فروع الفيزياء، وتقليدياً، يهتم الميكانيك بالقوى وكيفية تأثيرها في التوازن، أو حركة الأجسام التي تترواح في أحجامها ما بين الجسيمات الذرية والمنظومات الشمسية. لغاية اليوم، الأمر الشاذُّ في قسم الفيزياء في جامعة إلينوي -حيث يواجه طلبة الهندسة لأول مرة المساقات الجامعية التي تضم علم الميكانيك – أنه إدارياً جزء من كلية الهندسة، وأن مبنى الفيزياء، مثل مختبر تالبوت، يقع في الجزء الهندسي من حرم الجامعة، أي شمال شارع غرين (Green Street)، ولا يدلّ ذلك أن فيزيائيي الجامعة الفخورين باختصاصهم هم أقل إدراكاً لشمولية أهدافهم، أو أدنى منزلة من زملائهم المهندسين مقارنة بفيزيائيين في أماكن أخرى، ومع ذلك، فعندما طُلب منهم التصويت على اقتراح لنقل القسم إلى كلية الفنون الحرة والعلوم، اختار الفيزيايون البقاء مع المهندسين. لذا استمرّ الحال في جامعة إلينوي بهذا التوازن غير المتناسق والغريب، بينما احتضنت كلية الفنون الحرة والعلوم برنامج هندسة الكيمياء والجزيئات الحيوية. فالجانب الإداري للأقسام في المواقع الشاذة هذه هو أقل أهمية مما يقومون به من نشاطات علمية. معظم الفيزيائيين في جامعة إلينوي يقومون بأعمال لا تختلف عن الفيزيائيين في أقسام الفيزياء في أماكن أخرى.

هناك العديد من الفروع الثانوية للميكانيك في علم الفيزياء الحديث (وعلم الفلك) التي يجب تأهيلها لغرض تمييزها، وتتضمّن بصورة تقريبية، وليس حصرياً، بحسب حجم المواضيع: الميكانيك الكمّي، الميكانيك الإحصائي، الميكانيك الكلاسيكي، الميكانيك النسبي، وميكانيك الفضاء. لكن الميكانيك النظري والتطبيقي، سواء في جامعة إلينوي أو جامعات أخرى، لا يعتبر جزءاً من الفيزياء بل جزءاً من الهندسة. فأهداف دراسة الميكانيك ليست الأمور المُكتشفة في الكون، بل في عالم التصميم وصنع الأشياء – عالم الهندسة. لذا يقوم الأساتذة والطلاب الذين أعرفهم في مختبر تام بتطوير ودراسة النظريات حول المواد الإنشائية والأجسام المصنوعة منها، مثل العوارض والأعمدة وأجزاء كبيرة أخرى. كذلك يدرسون البيئة – كالماء والأوساخ – التي تتعامل معها الأشياء الهندسية، وكيفية تطبيق النظريات على المسائل الهندسية، مثل سلوكيات المباني والجسور، وتشير تسميات بعض فروع هندسة الميكانيك إلى الاهتمامات الواقعية بالأشياء، وبعض هذه الفروع، ليس بأي تسلسل معيّن، هي: ميكانيك الإنشاءات، ميكانيك التربة، ميكانيك السوائل، ميكانيك المواد الصلبة، والميكانيك الحيوي، وبالرغم من أن جذور الميكانيك في الفيزياء والهندسة مشتركة ، إلا أن لممارسيها اهتمامات وأهدافاً متباينة. (من نافل القول إن ميكانيك السيارات لا ينتمي لأي فرع فيزيائي أو هندسي).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى