العلوم الإنسانية والإجتماعية

شكل الدفاتر التجارية وغيرها من المستندات في القانونين الكويتي والمصري

1995 الحاسوب والقانون

الدكتور محمد المرسي زهرة

KFAS

شكل الدفاتر التجارية المستندات القانون العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

لم ينظم المشرع ، في كل من الكويت ومصر ، استخدام الحاسب الإلكتروني في مجال المحاسبة ، ومن ثم ، يبقى قبول "مخرجات" الحاسب الإلكتروني كبديل أو كجزء من الدفاتر التجارية خاضعاً لحكم القواعد العام .

وقد وضع المشرع – حتى تعتبر الدفاتر منتظمة ، وحتى لا يتعرض التاجر للجزاءات المنصوص عليها – شروطاً معينة بعضها موضوعي والبعض الآخر يتعلق بالشكل . 

فالقانون لا يكتفي بإلزام التاجر بمسك الدفاتر وغيرها من المستندات والاحتفاظ بها لمدة معينة ، وإنما يتطلب ، فضلاً عن ذلك ، شكلاً معيناً يجب مراعاته وإلا اعتبر التاجر مخلاً بالتزامه بالحفظ .  

 

وإذا كان المشرع لم يُحدد – كما ذكرنا – طرق معينة لحفظ المستندات أو لمسك الدفاتر ، واكتفى بأن تكون بطريقة تكفل بيان مركز التاجر المالي بدقة وبيان ما له وما عليه ، ويسهل معها الحصول على البيانات الضرورية إلا أنه قد اقتضى أن ترقم كل صفحة من صفحاتها وأن يوقع المدقق على كل ورقة فيها (أو يختم على كل ورقة كاتب العدل) وذلك قبل استعمالها .

وقد وضع المشرع ، في كل من الكويت ومصر ، قواعد لتنظيم مسك الدفاتر التجارية ، وقواعد لكيفية الاحتفاظ بها .  ونعرض ما يلي المدى اتفاق هذه القواعد مع إدخال الوسائل الحديثة في المحاسبة .

 

وضع المشرع ، في الكويت ومصر ، بعض الشروط الشكلية وهو بصدد تنظيم دفتري اليومية والجرد . ومع ذلك ، يكاد يجمع الفقه على بسط الشروط على الدفاتر الإلزامية الأخرى التي تقتضيها طبيعة النشاط الذي يمارسه التاجر وأهميته .

فمسك هذه الدفاتر الاخيرة يجب،  متى أصبحت إلزامية اقتضتها أهمية النشاط وطبيعته ، أن تأخذ حكم دفتري الجرد واليومية تنسيقاً وتوحيداً لأحكام الالتزام بالحفظ .

فإذا ما أراد التاجر ، فرداً كان أم شركة ، مدفوعاً بالرغبة في ضغط حجم الارشيف ، وإدخال وسائل ونظم المحاسبة الحديثة من كمبيوتر وميكروفيلم وغيره ، فإنه يجب – بداهة – أن يراعي القواعد والشروط التي وضعها القانون لانتظام الدفاتر التجارية وإلا تعرض للجزاءات التي وضعها المشرع وأهمها – في نظرنا – أن تفقد الدفاتر التجارية حجيتها في الإثبات وقتها في إقناع القضاء بما يدعيه التاجر قبل الغير .

 

بعبارة أخرى ، إذا كان التاجر له مصلحة "اقتصادية" واضحة في إدخال نظم ووسائل المحاسبة الحديثة ، فإنه له أيضاً – وبنفس الدرجة – مصلحة "قانونية" – إذا جاز التعبير – في الوفاء بالالتزام بمسك الدفاتر التجارية والاحتفاظ بها مدة معينة . 

وهو لن يستطيع ذلك – في الواقع – إلا إذا كان إدخال الكمبيوتر في المحاسبة لا يُضحي بالشروط التي وضعها القانون لانتظام الدفاتر التجارية ، خصوصاً الشروط الشكلية .

وإذا كان القانون لم يحدد صراحة ، شكلاً محدداً للدفاتر التجارية التي يلتزم التاجر بمسكها وحفظها ، إلا أن هذا الشكل يمكن – مع ذلك – تحديده على ضوء الشروط الشكلية التي وضعها القانون لانتظام الدفاتر التجارية . 

 

فالنص على ضرورة أن تكون هذه الدفاتر مرقمة وموقعة وأن تستعمل يوماً بيوم وبتسلسل تاريخي يعني – ضمناً – أن هذه الدفاتر يجب أن تكون في شكل "دفتر مجلد" وليس في صورة أوراق منفصلة ، هذا بالإضافة أن كلمة "دفتر" التي استخدمها المشرع تعني – لغة – الدفتر المجلد وليس مجرد أوراق منفصلة . 

ويترتب على ذلك – حتماً – أن البيانات يجب أن تُقيد في الدفتر باليد حيث لا يتصور كتابتها في الدفتر بوسيلة أخرى .

وهكذا يمكن القول أن الدفاتر التجارية يجب – حتى تكون منتظمة – أن تكون في شكل دفتر "مجلد" مكتوب باليد ، وإذا كان المشرع لم يتطلب ذلك صراحة ، إلا أن التفسير الصحيح للشروط الشكلية التي وضعها لانتظام الدفاتر التجارية تقتضي ذلك، فالتصور العام لدى المشرع ، في مصر والكويت وفرنسا ، هو أن الدفاتر التجارية يجب أن تكون في شكل "دفتر مجلد" ومن ثم لا يكفي مسك أوراق متفرقة حتى ولو كانت مرقمة وموقعة أو موثقة، ويترتب على ذلك، بالضرورة ، كتابة بيانات هذه الدفاتر باليد حيث يستحيل استخدام وسيلة أخرى . 

 

وهذه النتيجة الأخيرة ، وإن كان المشرع لم يتطلبها صراحة أو ضمناً ، إلا أنها نتيجة حتمية للقول بوجوب أن تكون الدفاتر التجارية في شكل "دفتر مجلد".

وأمام هذا الشكل المفترض – ضمناً – من الدفاتر التجارية ، فإن الأخذ بوسائل المحاسبة الحديثة من كمبيوتر وغيره يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً إذا ما أراد التاجر – حقيقة – أن تكون دفاتره منتظمة.

وإذا كان يهم التاجر الأخذ بوسائل المحاسبة الحديثة ، فإنه يهمه ايضا ً، وربما بدرجة أكبر ، أن تكون دفاتره في "الشكل" الذي يتطلبه القانون حتى لا يتعرض للجزاءات السابقة بنوعيها المدني والجنائي .  وقد لا يُفيد التاجر كثيراً أن يُحقق مصلحته "الاقتصادية" على حساب مصلحته "القانونية" .

لكن التمسك بالشكل "القانوني" للدفاتر التجارية يستحيل معه إدخال الكمبيوتر في عمليات المحاسبة ، والميكروفيلم في حفظ المستندات ، فكشوف الكمبيوتر لا يتصور إلا أن تكون أوراقاً منفصلة ، بل إن المؤسسات التجارية الكبرى ، كالبنوك والشركات ، اصبحت تتبع أساليب حديثة في تنظيم حساباتها عن طريق تخزين البيانات الخاصة بعملياتها في أجهزة الكمبيوتر (على أشرطة واسطوانات معينة).

 

ولا  ريب في أن تنظيم الحسابات بهذه الطريقة لا يتفق إطلاقاً مع الشكل التقليدي للدفاتر التجارية ، الأمر الذي يهدد التاجر بعدم انتظام دفاتره التجارية ، ومن ثم يعرضه ذلك للجزاءات التي حددها المشرع.

وهكذا يجد التاجر نفسه بين "فكي" الرحى : إما لأخذ بوسائل المحاسبة الحديثة في تنظيم حساباته وإهدار "شكل" الدفاتر التجارية ، أو التمسك بهذا "الشكل" التقليدي وعدم مسايرة التطورات الهائلة التي طرأت على المحاسبة الحديثة .

اي أن التاجر عليه ، في ضوء النصوص الحالية للمجموعة التجارية في مصر والكويت وفرنسا ، أن يختار إما تحقيق مصلحته "الاقتصادية" المتمثلة بضرورة الاخذ بسبل المحاسبة الحديثة، أو التمسك بمصلحته "القانونية" المتمثلة في الحفاظ على الشكل القانوني لدفاتر التجارية المنتظمة ، فالتاجر يتعذر عليه، حسب نصوص القانون القائمة ، الجمع بين المصلحتين (الاقتصادية والقانونية) ، ومن ثم فليس أمامه سوى أن يُفاضل بينهما ليختار – في النهاية – إحداهما .

والحقيقة أن الأمر لم يعد ، بالنسبة للتاجر ، اختياراً بين وسيلتين بقدر ما هو"ضرورة" تفرضها ظروف الواقع في العقدين الأخيرين . 

 

فظهور المؤسسات التجارية الكبرى من بنوك وشركات تأمين عملاقة وغيرها ، وازدياد حجم المعاملات بصورة واضحة ، وتشعب طرق المحاسبة قد فرض ، في الواقع ، على المسئولين بهذه المؤسسات ضرورة الأخذ بسبل المحاسبة الحديثة سواء في مسك الدفاتر التجارية ، أو الاحتفاظ بها. 

ومن هنا لم تتأخر هذه المؤسسات كثيراً في إدخال الكمبيوتر لتنظيم حساباتها ، والميكروفيلم – بصورة أقل – لحفظ المستندات .

وإذا كانت نصوص القانون في مصر والكويت لا تستوعب – حتى الآن – بعض هذه التغيرات ، فإن جهات معينة قد أجازت قبول كشوف الكمبيوتر . 

وهكذا أقرت الجهات المختصة بالرقابة على الشركات بوزارة التجارة والصناعة بالكويت كشوف الكمبيوتر التي تقدم إلى هذه المؤسسات بدلاً من الدفاتر التجارية 

 

كما أن الإدارة العامة للضرائب في فرنسا قد أرسلت خطاباً إلى المركز الوطني للمحاسبة تعبر فيه عن امانيها في السماح بأن يكون دفتر اليومية في صورة " أوراق منفصلة" طالما أنها مرقمة وموقعة ، وأن العمليات قد تم قيدها يوماً بيوم وبتسلسل تاريخي.

لكن تسامح بعض الجهات ، وقبولها كشوف الكمبيوتر بدلاً من الدفاتر التجارية لا يعني أن التاجر قد نفذ – قانوناً – التزامه بمسك الدفاتر التجارية ، ومن ثم ، فإن الدفاتر تعتبر – في هذا الفرص – غير منتظمة لعدم توافر الشروط التي حددها القانون لانتظامها، وأهمها أن تكون مرقمة وموقعة من المختص .

 ويترتب على ذلك ، أن مثل هذه الدفاتر تفقد تاثيرها في إقناع القاضي كدليل إثبات ، فلا تكون حجة أمام المحاكم .

 

وإن كان يُخفف من عُلواء الشكل الذي فرضه القانون بالنسبة للدفاتر التجارية أمران :

الأول : يجوز للتاجر ، فرداً كان أم شركة ، أن يستخدم دفاتر يومية مساعدة وذلك لقيد تفاصيل مختلف العمليات التجارية التي يقوم بها ، ويمكن تخصيص دفتر مساعد لقيد البيانات الخاصة بالعمليات المتشابهة . 

وبالتالي قد تتعدد الدفاتر المساعدة بقدر تعدد العمليات التي يقوم بها التاجر : كدفتر للمشتريات ، وآخر للمبيعات ، وثالث للأوراق التجارية …. وهكذا .  وفي هذا الفرض يُكتفى بقيد إجمالي هذه العمليات فقط في دفتر اليومية الأصلي . 

 

وهكذا يستطيع التاجر مسك دفتر يومية أصلي مرقم وموقع لقيد إجمالي ما يقوم به من عمليات ، وقيد تفاصل هذه العمليات في الدفاتر المساعدة التي لا يُشترط فيها شكلاً معيناً . 

وبالتالي يمكن – دون الإخلال بالالتزام بمسك الدفاتر التجارية – اعتماد كشوف الكمبيوتر كدفتر يومية مساعد ، ويُعتبر – حينئذ – جزءاً مُتمماً لدفتر اليومية الأصلي ، لكن يشترط – في هذه الحالة – أن يقوم التاجر بالفعل بقيد إجمالي لهذه العمليات في الدفتر الأصلي.

أما  إذا لم يقم بهذا الإجراء ، فإنه يجب اعتبار الدفاتر المساعدة دفاتر يومية أصلية ، ويجب – ومن ثم – أن تتوافر كافة الشروط التي يتطلبها المشرع لانتظام الدفاتر التجارية من حيث الترقيم والتوقيع.

 

الأمر الثاني : أن القانون – في مصر والكويت قد أجاز صراحة الاكتفاء ببيان إجمالي عن البضاعة الموجودة لدى التاجر في دفتر الجرد إذا كانت تفاصيلها واردة بدفاتر وقوائم مستقلة. 

وهذه الأخيرة لا يشترط فيها أن تكون مرقمة وموقعة، كما لا يشترط أن تكون في شكل "دفتر مجلد"، بل قد تكون اوراقاً منفصلة" مثل كشوف الكمبيوتر مثلاً .  في هذه الحالة ، تعتبر هذه الدفاتر أو القوائم جزءاً متمماً لدفتر الجرد .

وبذلك يستطيع التاجر – من خلال الجمع بين الدفاتر التجارية والدفاتر المساعدة والقوائم – إدخال سبل المحاسبة الحديثة وتحقيق مصلحة " الاقتصادية" من ناحية ومراعاة "شكل" الدفاتر التجارية وتحقيق مصلحة "القانونية" من ناحية أخرى .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى