الطب

دور الأصباغ المستخدمة في مجال الطب

2002 في رحاب الكيمياء

الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي

KFAS

مجال الطب الطب

في السابعة من عمره غافل بول إيرليش (P. Ehrlich) والدته وأمسك بحمامتين من حمائمها وغمسهما في إناء به صبغ أزرق فتلونت الحمامتان باللون الأزرق ، مما أثار غضب والدته وقامت بعقاب الفتى الصغير . 

وكانت هذه بداية ولع إيرليش بالاصباغ التي تطورت مع الزمن ، وساعده على ذلك ابن عمه الذي كان يعمل طبيباً في احد مستشفيات وارسو وكان مغرماً بعلم البكتيريا ، ويقضي الساعات الطويلة يدرس الخلايا تحت المجهر . 

وفي أحد الأمسيات شهد إيرليش تجربة قام بها قريبه الطبيب حيث جهز مقاطع رقيقة من انسجة نباتية ووضعها تحت المجهر وبدأ في تلوينها.

 

وحينما نظر غيرليش عبر عدسة المجهر لاحظ منظراً خلاباً تمثل في جسيمات صغيرة تسبح في بحر من الزرقة .

ولاحظ كذلك أن بعض الخلايا امتصت كمّاً من الاصباغ اكثر من البعض الآخر ، فتلونت بعض الخلايا بلون أزرق عميق وبعضها الآخر كان اقل زرقة في حين بقيت بعض الخلايا دون لون .

ومرت الاعوام والتحق إيرليش بجامعة ستراسبورغ لدراسة الطب ، لكن منظر الخلايا الخلاب لم يفارق ذاكرته أبداً .  وبدأ في إجراء تجاربه على الاصباغ واستغرق هذا الأمر كل وقته . 

 

وساعده على ذلك تطور صناعة الاصباغ في ذلك الوقت وظهور العديد منها في الأسواق .  وكان من أول اكتشافاته تعرفه نوعاً من الخلايا لم يكن معروفاً بعد وهو خلايا الثدي التي تلعب دوراً مهماً في عملية المناعة . 

وبعد فترة وجيزة من حصوله على الدكتوراة ، وموضوعها العلاقة بين الخلايا والأصباغ ، عمل في أحد مستشفيات برلين .  وبدأ إيرليش في استخدام الأصباغ لدراسة خواص خلايا الدم الحمر والبيض ودورها ، فارسى بذلك أسس علم الدم .

لقد اكتشف إيرليش أن هناك أنواعاً متعددة من الجسميات في خلايا الدم البيض تسلك سلوكاً مختلفاً تجاه الاصباغ . 

 

فبعد هذه الجسيمات تتلون بسهولة بالاصباغ القاعدية وبعضها الآخر يسهل صباغتها بالاصباغ الحمضية ، وهناك نوع ثالث ليس له قابلية للتفاعل مع أي من هذه الأصباغ ، وهذا النوع الأخير أطلق عليه إيرليش اسم  خلايا "المتعادلة" وعلى هذا الأساس قام إيرليش بتصنيف أنواع خلايا الدم البيضاء وكشف تكوينها في نقي العظام . 

ولقد ميز بين خمسة أنواع من الجسيمات وقدم وصفاً دقيق لكل نوع منها فساعد ذلك في تشخيص العديد من أمراض الدم .

وقد وجد إيرليش أن صبغ أزرق الميثلين الطبي له ألفة خاصة للخلايا العصبية وتساءل إن كانت هذه الألفة يمكن أن تؤدي كذلك إلى تأثير علاجي لهذا الصبغ على خلايا الأعصاب . 

 

وهكذا بدأ في إجراء بعض التجارب على مرضى النرالجيا (الالم العصبي) .  وتوصل إلى أن الصبغ له بالفعل تأثير علاجي على هذه الحالات ، واستخلص أن بعض حالات الألم الموضعي الناجمة عن أسباب عصبية أو رثوية في العضلات والمفاصل والأغماد الوترية يمكن تسكينها باستخدام صبغ أزرق الميثيلين.

واستمرت أبحاث أيرليش في مجال استخدام الاصباغ لدراسة بعض الأمراض القاتلة مثل السل والكوليرا والدفتيريا .

لقد كانت هذه الدراسات التي أجراها والنتائج التي توصل إليها فتحاً جديداً في العديد من مجالات الطب ، وبعد مرور نيف ومائة عام وما زالت بعض الاصباغ تستخدم لعلاج بعض الأمراض.

 

وما زالت ألفة الخلايا للاصباغ اساساً لاختيار الصبغ المناسب في دراسات علم النسج .  وهكذا فإن المجموعات سالبة الشحنة للأحماض الأمينية أو الزلال ترتبط مع الزمر الموجبة في الزلال .

وهكذا تمخض فضول الطفل بول إيرليش وولعه بالأصباغ عن فتوح علمية قدمت خدمات جليلة في مجال الطب فاستحق إيرليش عن جدارة جائزة نوبل التي منحت له عام 1908 .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى