الطب

تقييم الاستئصال في العالم

2013 استئصال الأمراض في القرن الواحد والعشرين

والتر ر.دودل ستيفن ل.كوشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الطب

من الملاحظ نسبياً قلة وجود المعلومات المتعلقة للتقييمات الاقتصادية عالمياً حول نجاحات استئصال الأمراض. ويقدم باريت (Barrett) (2006) وميلر (Miller) (2006) ورفقاه اقتصاديات مقبولة جداً عن برنامج مكثف لاستئصال الجدري عام 1967م، مستند إلى معلومات تاريخية (Fenner et al. 1988) والمنافع الاقتصادية التي ساهم العالم فيها بأكمله مقارنة مع الأكلاف التي دفعتها الدول المتقدمة التي أمنت التمويل العالمي.

ويدخل من ضمنها الأكلاف التي دفعتها الدول التي استوطن فيها الجدري (أي 31 دولة، قرابة بليون شخص، التي كانت لا تزال تعلن عن حالات جدري فيها في 1967) تقل نسبة المنفعة / الكلفة بما يقارب قاسم 3 (Miller et al. 2006). وحتى مع هذه الأكلاف، فإن البرنامج المكثف لاستئصال الجدري يبقى استثماراً عالمياً جيداً استناداً إلى نسبة المنفعة / الكلفة، مع تلقي بلدان استيطان المرض نسبة عالية من منافعه.

ولم نعثر على أية تحليلات اقتصادية منشورة تتعلق باستئصال الجدري التي تتبع الخطوط الإرشادية المعاصرة للتحليل الاقتصادي أو تأخذ بالاعتبار نواحي أخرى (أو جميع النواحي) للأفق الزمني بين تصور جينر لاستئصال الجدري وتحقيقه فعلاً بعد ما يقارب 180 عاماً. كما لم نستطيع أن نشاهد أية تحليلات توصف الاقتصاديات العالمية لانقطاع انتشار المرض وما تم بخصوص مرض سارس SARS. لم نجد أيضاً تحليلاً للاستئصال العالمي لفيروس نوع C لمرض شلل الأطفال البري الذي جرى كجزء من جهود GPEI لاستئصال كافة الأنواع الثلاثة من فيروسات شلل الأطفال البري.

لقد أتممنا مؤخراً تحليلاً اقتصادياً لأكلاف ومنافع استئصال شلل الأطفال عالمياً (Duintjer Tebbens et al. 2011) استناداً إلى الحالة الراهنة من البرنامج مع دراسة خطط إدارة الأخطار بعد الاستئصال (Thompson et al. 2008؛ Duintjer Tebbens et al. 2008).

ومع أن استئصال شلل الأطفال الذي يعرف بأنه الوقف الكامل لانتشار كافة الأنواع الثلاثة من فيروس شلل الأطفال البري، يبقى مجهوداً مستمراً، فإن التحليل يوحي بفوائد جمة تتعلق باستئصال شلل الأطفال عالمياً. وتبرز عدة تحديات ووجهات نظر من ذلك التحليل.

 

أولاً، إن تقييم اقتصاديات الاستئصال العالمي يتوقف على تقدير عدد الدول التي تم توطن المرض فيها عندما تبدأ مبادرة الاستئصال العالمي، وإسناد الأكلاف والفوائد القائمة على الحالة العالمية عند انطلاق المبادرة.

فعلى سبيل المثل، بدأ استئصال كل من الجدري وشلل الأطفال في العالم بعد تخفيض كبير في وقوع مرضي الجدري وشلل الأطفال على مستوى العالم، رغم أن كمية الانخفاض اختلفت كثيراً: 31 دولة ذوات سكان يقلون عن بليون شخص ويعيشون في هذه الدول التي استوطن فيها نوع واحد من مصل الجدري عند إطلاق برنامج الاستئصال المكثف للجدري، مقارنة مع أكثر من 125 دولة يعيش فيها أكثر من 4.5 بليون شخص في هذه الدول التي استوطن فيها أنواع المصل الثلاثة لفيروسات شلل الأطفال البري عند إطلاق استئصال شلل الأطفال عالمياً.

ونلاحظ أن المناقشات الحالية حول استئصال الحصبة يركز على النجاح البارز في عمليتي الإزالة والاستئصال من قبل العديد من الدول وأقاليم منظمة الصحة العالمية القائمتين على الأهداف المعاصرة . وقد يعني هذا أن القسم الصغير نسبياً من الدول ستستفيد في النهاية مباشرة من مبادرة الاستئصال العالمية، رغم أن التأكد من التنسيق الفعال لإحراز الاستئصال قد يتطلب إحياءها.

ومع ذلك فإن المنافع غير المباشرة قد تشمل جميع الدول عندما يؤدي الاستئصال العالمي إلى خفض بارز في تفشي الأمراض القادمة من الخارج أو يمكّن من توقف التلقيح في النهاية. وتعني نقاط البدء المختلفة نسبياً أننا لا نستطيع مقارنة اقتصاديات جهود الاستئصال المختلفة مباشرة، رغم أن تقديرات صافي المنافع من تحليل الفائدة- مقابل الكلفة لأي جهد للاستئصال يجب أن يكفي لبيان قيمة المبادرة.

 

واستناداً إلى صياغتنا فإن أداء لمبادرات الاستئصال العالمية لا معنى له إذا علمنا بوجود فروق واسعة في تقييم الأكلاف بالنسبة للبلدان ذات مستويات الدخل المختلفة. ويحدث ذلك لأن المحللين يستطيعون فقط أن يقدموا التقييمات الصحيحة لـنسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية بالنسبة لبلدان بعينها أو البلدان ذات مستوى الدخل المتماثل.

فتأمين نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية "متوسط" لجهود الاستئصال العالمي المتجمعة على المستوى العالمي سيؤدي إلى نتيجة مفادها أن قادة البلدان سيجدون صعوبة في التقييم، لأنهم على الأغلب يرغبون في مقارنته مع نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية في التدخلات التي يقومون بها في بلدانهم.

وفي تحليلاتنا للسياسات الدولية التي قد يتوقع بعض القراء أن يروا نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية (Thompson et al. 2008; Duintjer Tebbens et al. 2011)، فقد أعلمنا عن نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية مصنفة حسب مستوى الدخل لنقدم إشارة إلى التنوع الواسع في التقديرات، ولم نشر عمداً إلى نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية العالمية لأنها قد تضلل بعض صانعي القرار لجعلهم يرون إما نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية أكبر أو أصغر مما يمثل بلدانهم في الواقع.

ونؤكد على أن نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية المعدل على مستوى الدخل قد يكفي لإعطاء إشارة عن تنوع التحليلات الدولية، ولكن المحللين سيحتاجون إلى بيان نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية الوطنية ليدعموا مناقشات السياسة الوطنية وربما الاقليمية.

فإذا علمنا بالقيم المتغيرة جداً والتفضيلات التي تحصل حول مستويات الدخل فإن قادة الدول يجب أن يقارنوا نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية في $/DALY مع الدخل الوطني الإجمالي أو الناتج الوطني الإجمالي للفرد الواحد (WHO 2008a).

وعلى كل حال فهذا يعني أنهم يحتاجون إلى نسبة تزايد الكلفة مقابل الفعالية التي تعكس الأكلاف الصحيحة بالنسبة لبلدهم. ولا يدخل تحليل الفائدة- مقابل الكلفة في هذه المواضيع لأن التقييم يجب أن يجري بوضوح وكجزء من العملية.

وبالنتيجة فإننا نعتقد أن التحليلات الاقتصادية لمبادرات الاستئصال يجب أن تركز على إعطاء نتائج تحليل الفائدة- مقابل الكلفة. ويحتاج أي تحليل للاستئصال العالمي إلى التصدي إلى موضوع الصياغة في تحديد مستوى التصنيف اللازم للاتصال الفعال مع صناع القرار ومشاركي الاستثمار الأساسيين.

 

ثانياً، يجب على التحليلات الاقتصادية أن تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الديناميكية لعملية الاستئصال، لأن الدول قد تزعزع الانتشار في أوقات مختلفة وعلى أولئك الذين أوقفوا الانتشار أن يحافظوا على زعزعته حتى تزعزع جميع الدول ذلك الانتشار في الوقت نفسه.

وتوحي الصياغات التي تدرس ديناميكية استئصال الأمراض أن الطريق الأفضل اقتصادياً نحو الاستئصال ينطوي على التنسيق الجيد والانجاز السريع لهذا الهدف (Barrett and Hoel 2007؛ Duintjer Tebbens and Thompson 2009).

على كل حال فإن اقتصاديات إيقاف الانتشار قد تبدو جذابة في البدء فقط عند بعض البلدان (مثل، تلك الدول التي تنفق كثيراً على العناية الصحية وأحوالها والتي لا تسمح بانتشار عامل العدوى). وعلى سبيل المثل فإن أكلاف التداخل قد تتدنى مع الوقت نظراً لاقتصاديات المقياس المرتبط بزيادة اعتماد السعي نحو الكمال في طرق الإنتاج.

وبالإضافة إلى ذلك فإن استئصال الأمراض عالمياً قد يصبح مفضلاً اقتصادياً على مجرد السيطرة على الأمراض في البلدان التي تعاني من انتشارها بعد أن استطاع عدد مهم من الدول السيطرة أو وقف انتشارها.

وهذا يحصل بسبب مخاطر دخول الأمراض من الخارج والوقت المتوقع ريثما يتدنى الاستئصال العالمي، مما يؤدي إلى بذل الجهود الحيثية في سنوات أقل من المدة اللازمة لتحقيق هدف الأنشطة الوطنية (Barrett and Hoel 2007).

وقد يؤدي الفشل في تقدير ديناميكية الطريقة وأكلاف التأخير إلى التقليل في تقدير أكلاف الاستئصال العالمي.

 

ويمكن أن يحصل هذا بسهولة لأن تقدير أكلاف الاستئصال العالمي يتوقف على وضع الافتراضات حول الأنشطة الوطنية والعالمية. كما نلاحظ بأن تطوير نماذج الصياغات المشتركة اللازمة لدعم الاعتبارات السياسية (مثل Thompson et al. 2008؛ Duintjer Tebbens et al. 2008 ) قد يتطلب النظر في عدة عوامل وتوثيق الخيارات (مثل Sangrujee et al. 2003)، والأخطار (مثل، Duintjer Tebbens et al. 2006a)، والأكلاف (مثل، Duintjer Tebbens et al. 2006b)، والديناميكيات (مثل، Duintjer Tebbens et al. 2005).

وتظهر الممارسة أن مثل هذه الأنشطة الاستطلاعية قد لا تجري دائماً حسبما خطط لها. فمثلاً، بالرغم من الالتزام الدولي باستئصال فيروسات شلل الأطفال البري 1988 فإن بعض البلدان والأقاليم الواسعة لم تبدأ التلقيح الضروري وجهود المراقبة حتى وقت قريب جداً وقبل سنة 2000 (Aylward et al. 2003).

وبتوصيف الأكلاف كعامل زمني يتطلب أيضاً مواجهة الحقيقة لأن كل الدول سوف تحتاج إلى دفع الأكلاف التي تحقق الاستئصال العالمي حتى حصوله، مما يعني عموماً دفع أكلاف باهظة في " الميل الأخير " أو في المراحل النهائية ونؤكد هنا أنه قد يحصل تناقض كبير خلال المراحل النهائية من الاستئصال العالمي لأن الأكلاف تصبح مرتفعة نسبياً، في الوقت الذي يكون عدد الحالات المرئية زهيداً  نسبياً. وخلال هذا الوقت فإن على جهود الاتصال أن تؤكد أن استثمار الأكلاف الباهظة يعني منع عدد كبير من حالات المرض.

 

ثالثاً، قد تشكل أكلاف أنشطة ما بعد الاتصال أمراً بارزاً. فعلى سبيل المثل وفي سياق استئصال شلل الأطفال قد تختار بعض البلدان أن تستمر في استخدام أو تمويل استخدام لقاح شلل الأطفال الثمين وغير المفعل أو الانتقال إلى التلقيح الروتيني من أجل تقليل مخاطر اندلاع انتشاره الناتج عن احتمال الفشل في احتواءه بسبب نشر لقاحات فيروس شلل الأطفال الحية. (Thompson et al. 2008).

وبالرغم من أن توقف التلقيح و / أو جهود سيطرة أخرى على المرض قد تمثل مساهمة اقتصادية كبيرة في مبادرات الاتصال، فإننا نؤكد أن على الاقتصاديين أن يقدروا بدقة أنشطة ما بعد الاستئصال ويدرسوا السيناريوهات المختلفة في مواجهة السياسات المحتملة في المستقبل (Thompson et al. 2008؛ Barrett 2010).

 

رابعاً، بالنسبة لأي تحليل اقتصادي إضافي لاستئصال الأمراض يجب أن يقارن المحللون مع سيناريو افتراضي آخر واحد على الأقل. على سبيل المثل، في سياق تقييم منافع استئصال شلل الأطفال، قارنا GPEI الفعلي مع سيناريو يمثل العالم البديل وفيه تلقيح روتيني فقط، (Duintjer Tebbens et al. 2011).

كما يؤثر اختيار المعيار الأساسي الملاءم للمقارنات بشكل كبير في النتائج والمعرفة المعمقة المتعلقة في التحليل. وإحدى نواحي استطلاعات المعيار الأساسي للمقارنات التي تشكل تحدياً تتعلق بالافتراضات التي توضع حول التدخلات عبر الزمن. فعلى سبيل المثل، ما هي الافتراضات التي تفيد في معدلات إكساب المناعة الروتينية: فهل سترتفع، أم تهبط، أو تبقى ثابتة مع الزمن؟

 

خامساً، كثير من الخيارات التي تتعلق بالأفق الزمني، والأفضلية الزمنية، والصياغة يمكن أن تؤثر بوضوح على التحليل والنتائج (مثل اختيار t0، t  و في المعادلتين 1.9 و 2.9 مع تعديل t0 = وقت البدء لتطبيق جهود الاستئصال العالمي).

كما يثير اعتبار معدلات الحسم في مبادرات الاستئصال مواضيع هامة. فبدون حسم يمتد منع حالات المستقبل إلى كل الأجيال المقبلة مما يتضمن نظرياً منافع لا حصر لها وحاجة إلى أفق زمني لا حدود له (أو أفق زمني يستمر نظرياً إلى وقت غير محدد عندما يموت آخر كائن إنساني على الأرض).

وبالحسم، فإن المنافع لأجيال المستقبل تختفي عند نقطة ما من التحليل. والأمر الرئيسي الذي تثيره يتعلق بالاعتبارات بين الأجيال، لأن بعض الناس الذين ينتفعون من مبادرات الإزالة أو الاستئصال الجارية الآن لن يتحمل أكلاف المبادرات رغم انتفاعهم وقد يكونون راغبين بدفع مثل هذه الأكلاف.

وقد يفضل أجيال المستقبل كثيراً أن تواجه الأجيال المعاصرة الاستئصال عوضاً عن أن يمددوا أعباء المرض إلى المستقبل، ولكنهم لا يستطيعون أن يعبروا عن هذه الرغبات. ونتوقع أن يستمر الاقتصاديون في القيام بتحليلاتهم على خط القاعدة باستعمالهم معدلات حسم منخفضة نسبياً ويقدمون نتائجهم لسلسلة من معدلات الحسم في التحليلات الحساسة، ولكن المناقشات حول هذا الأمر ستستمر.

 

وأخيراً فستستمر طرق تقدير المنافع غير المباشرة في احتياجاتها للتطور والتطبيق الأكثر لمبادرات إزالة واستئصال الأمراض. ويمثل توصيف منافع السكان الذين ينعمون بالصحة بالنسبة لإنتاجياتهم ورأس مالهم كبشر تحديات بارزة، وقد تتوقف إلى حد كبير القيمة التي تضعها المجتمعات على الصحة على ما إذا كان الناس يدركون حالات المرض والعجز التي يمكن تجنبها كمعيار (أقصد أن يقبل عدم وجودها) أم لا يدركون.

وتستطيع مبادرات إزالة واستئصال الأمراض أن تغير ما نتأمله من الصحة بشكل كبير، لأنه عندما يعلم الناس بإمكانية السيطرة على أو منع المرض فإن هذا سيقودهم إلى المطالبة بمبادرات الصحة العامة لمنع الأمراض عموماً.

وقيمة منع الأمراض والعجز عند الأفراد هي في وقعها على المجتمع، لأن المصادر المالية المجتمعية المستخدمة في العلاج تصبح متوفرة لاستخدامات أخرى. فعلى سبيل المثل عند بذل الجهود في التلقيح ضد الحصبة فإن الرقعة المطلوبة لأجنحة مرضى الحصبة في المشافي تصبح جاهزة لعلاج مرضى يعانون من أمراض أخرى.

 

وقد أدى انتشار التلقيح ضد شلل الأطفال سريعاً إلى نهاية يتواجد فيها غرف واسعة ملئ برئات حديدية في المشافي. وهكذا فإن التلقيح ضد شلل الأطفال لم يكن الغرض منه التوفير في أكلاف العلاج بالنسبة لأفراد المرضى، ولكن أيضاً توفيرات كبيرة لدى النظام الصحي العام).

فمعنى الأطفال الأصحاء هو عائلات أكثر إنتاجاً، لأن العناية بأفراد العائلة العجز يخرج هؤلاء الذين يعتنون بهم من القوة العاملة ويستنفذ مصادرها. ومع أن الاقتصاديين يحاولون أن يجدوا منافع غير مباشرة باستخدامهم تقديرات الرغبة بالدفع فإن البحوث الحالية والمستقبلية سوف تحتاج إلى المزيد من تطوير هذه الطرق وضمان استحواذهم على كل المنافع بما فيها تلك التي تمتد عبر الأجيال.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى