العلوم الإنسانية والإجتماعية

المناهج التي تضمنتها الدراسات والبحوث السابقة

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

المناهج التي تضمنتها الدراسات والبحوث السابقة العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

تمثلت مشكلة هذا البحث – كما سبق أن عرضناها – في محاولة الكشف عما يحققه الطفل الكويتي في المرحلة العمرية من ثلاث إلى ست سنوات من مستويات النمو العقلي المعرفي.

سواء التحق هذا الطفل برياض الأطفال أم لم يلتحق بها ، وسواء كان التحاقه بروضة ذات برنامج خبرات تقليدي أم روضة ذات برنامج خبرات متكاملة ، ومعا إذا كان هناك فروق فيما يحققه هؤلاء الأطفال من مستويات النمو العقلي المعرفي بسبب اختلاف العمر أو نوع البرنامج أو الالتحاق بالروضة من عدمه ، وذلك كله في إطار ما حدده جان بياجيه من مستويات النمو العقلي المعرفي ومن عمليات عقلية يمكن ملاحظتها وقياسها .

 

وطالما أن هذا البحث ، قد اتخذ نظرية جان بياجيه في النمو العقلي المعرفي ، إطاراً مرجعياً لكافة خطواته شكلا ومضمونا ، فلقد كان من الطبيعي بل وربما من الضروري والمنطقي أن يتوجه الباحث إلى استخدام المنهج الإكلينيكي الذي اتبعه بياجيه في دراساته وبحوثه .

لكن ذلك المنهج ، وعلى الرغم من جميع الإيجابيات التي تفرد بها على غيره من المناهج الأخرى قد تعرض لكثير من الإنتقادات بسبب بعض أوجه النقص والقصور به .

(Evans, 1973, P. 11).  (Tuddenham, 1971, P. 740, (Sigel, & Hooper, 1968,. P. 524), (Humphreys & Rich & Davey, 1985), (Elixind, 1975, P. 3), (Modgil, 1974,. 7), (Bybee & Sund, 1982, P. 590, (Brown & Desforges, 1979, P.P. 48-92).

 

ونظراً لأن بعض هذا النقد على الأقل كان صادقاً وبناء ، وخاصة ما دار حول عدم تقنين المنهج . 

فقد ظهرت عدة محاولات لتقنية (كرم الدين ، 1982: 65) ليس فقط على يد مؤيدي بياجيه وبعض معاونيه ولكن ايضاً على يد العديد من الباحثين في مختلف أرجاء المعمورة .

من المحاولات التي ظهرت في مجال تقنين إختبارات بياجيه ، جاءت محاولة (Russell & dennis, 1939 – 1942) حيث حاولا عبر سلسلة من الدراسات إعداد اختبار مقنن لدراسة ظاهرة الإحيائية ، وتطبيقه على عينات كبيرة من الأطفال ، وقد كشفت نتائج الاختبار عن اتفاق كبير مع نتائج بياجيه التي استخدم فيها المنهج الإلكينيكي .

 

محاولة أخرى تمت تحت إشراف Inhelder وفي معهد جان جاك روسو ، ومن خلال تطبيق أكثر من 30 اختبار من اختبارات بياجيه وعلى عينة بلغت حوالي 1500 من الاطفال في أعمار من الرابعة وحتى الثانية عشر ، ثم التحقق من صدق الكثير من فروض بياجيه ، كما تم التوصل إلى ان اختبارات بياجيه يمكن أن تكون بنوداً في اختبار متدرج لقياس مستويات النمو العقلي المعرفي .    (Flavell, 1963, P. 361).

محاولة ثالثة قام بها (Learurendeau & Pinard, 1968) لإعداد اختبارات مقننة في إطار نظرية بياجيه ، حيث تمكنا من إعداد خمسة اختبارات لقياس الاستدلال ، محافظين على أهم مزايا المنهج الإكلينيكي من التشخيص والمرونة إلى جانب ضمان الموضوعية عن طريق ثبات الأسئلة وطريقة إجرائها.

ولقد أوجز فلافل أهم ما حققته تلك الدراسات حيث قال : " لقد تمكنت هذه الدراسات من التوصل إلى أسلوب جديد للاختبار يتميز بالثبات والموضوعية وفي نفس الوقت بالمرونة الكافية " (Flavell, 1963, P. 364).

 

الأمر الذي اثر على بياجيه نفسه ، حيث أصبح لا يرى ضرراً من تكملة المنهج الإكلينيكي باستخدام الأساليب المقننة في مرحلة لاحقة من الدراسة والبحث واعتبار ان المنهج الإكلينيكي يكون في الدراسات الاستكشافية الاستطلاعية ، التي تخدم في التوصل إلى الفروض وصياغتها ، على أن تعرض الفروض للاختبار التجريبي في دراسة تالية باستخدام أساليب أكثر دقة وضبطاً .  (كرم الدين، 1987: 610) .

وعلى أثر النجاحات التي حققتها محاولات التقنين المبكرة المشار إليها ، وعقب تغيير بياجيه لموقفه اعترافه بإمكانية استخدام الاختبارات المقننة ، توالت محاولات التقنين لتشتمل كافة مجالات النمو العقلي المعرفي وفي كل المراحل العمرية ، بهدف تصميم اختبارات مقننة تقدم على أساس نظرية واختبارات بياجيه ويمكن تطبيقها وتصحيحها بطرق موضوعية ثابتة.

من بين أولى تلك المحاولات ، جاءت دراسة (Warburton, 1969) بناء على تكليف جمعية علم النفس البريطانية والتي انتهت إلى ما نطلق إليه (The New British Intelligence Scale) والذي تضمن عدداً من اختبارات بياجيه التي تسعى لتحديد المرحلة التي بلغها الطفل أو المراهق من النمو العقلي المعرفي . 

 

ولعل هذا الاختبار بالذات يعد أول اختبار ذكاء يتمكن من تحديد مرحلة النمو العقلي المعرفي ويطبق جماعياً وخلال خمسة وأربعين دقيقة (Lovell, 1971, P.P. 91-93)

ثم جاءت دراسة (Titcher, 1972) التي أسفرت عن إعداد اختبار يضم 24 فقرة تغطي أربعة عمليات عقلية من بينها 14 فقرة للعمليات العيانية والباقي في العمليات الشكلية عند بياجيه.

والجدير بالذكر أن نتائج تطبيق هذ الاختبار جاءت متفقة إلى حد كبير مع نتائج إجراء نفس الاختبارات بالطريقة الإكلينيكية التقليدية ، الأمر الذي أوصل تنتشر إلى استنتاج أنه بالإمكان استخدام اختبارات الورقة والقلم لتحديد مرحلة النمو العقلي المعرفي طبقاً لنظرية بياجيه .

 

كما نشر (Shayer & Kuchemenn & Wiliam, 1976) مقالاً تضمن نتائج تطبيق اختباراتهم الثلاثة لمرحلة ما قبل العمليات ، العمليات المحسوسة ، ثم العمليات الشكلية والتي عدلت بحيث تكون صالحة للتطبيق الجمعي على فصل دراسي وبطريقة مقننة وثابتة ، والتي أطلقوا عليها اسم اختبارات الفصل (Task Class).

ليؤكدوا على أن اختباراتهم وإن كانت تحمل بعضاً من ملامح الاختبار السيكومتري وبعضاً من ملامح المقابلة الإكلينيكية ، إلا أنها تختلف عن كل منهما كما نفد وسيلة اقتصادية صالحة لاختبار أعداد كبيرة من الأطفال في الدراسات التي استهدفت تحديد مرحلة النمو العقلي المعرفي التي بلغها هؤلاء الأطفال .

أخيراً أجرى (Humphreys & Rich & Dravey, 1985) دراسة لإعداد اختبار للذكاء العام يعتمد على نظرية بياجيه في النمو العقلي المعرفي وذلك من خلال ملاحظاتهم للإرتباط المرتفع بين نتائج تطبيق اختبار وكسلر اللفظي والإختبار الأدائي والاختبارين اللفظي والادائي معاً .

 

وأيضا الارتباط بين أحد اختبارات التحصيل (Wide range Achievement Test. WRAT) وعدد من مهام بياجيه التي بلغت 27 اختبارا ،  وقد تركزت محاولتهم على دمج فقرات الاختبارات البياجيه من خلال تحليل محتواها ، للحصول على أعلى ارتباط ممكن مع كل من اختبار الذكاء وكسلر واختبار Wrat.

وقد أسفرت هذه المحاولات عن نتيجتين هامتين أولاهما أن أعداد اختبار بياجي للذكاء العام ينتمي لمجال القياس السيكومتري أصبح أمراً لا مفر منه ، وثانيهما أنه ليس من الممكن – على أساس سيكو متري بحث – اعتبار أي من مقياس وكسلر اللفظي، أو مقياس وكسلر العملي، أو اختبار التحصيل ، أو الاختبار البياجي ، هو الاختبار الأحسن أو هو الاختيار الأسوأ في مجال الذكاء ، كما أنه يمكن معاملة اختبار معد في ضوء نظرية بياجيه على أنه اختبار للذكاء العام (Humphreys, et al, 1985, P. 876).

 

ولقد شجع نجاح محاولات تقنين المنهج الأكلينيكي، على استخدام نوع من التقنين أصبح يطلق عليه اسم المنهج شبه المقنن (Semi-sandardized).

وهو منهج يقع في منتصف الطريق بني النهج الأكلينيكي عند بياجيه والمناهج المقننة المتبعة في الاختبارات السيكومترية التقليدية.

وقد انتشر هذا المنهج بدرجة جعلته سمة أساسية تميز غالبية الدراسات الحديثة الحديثة التي أجريت حول أعمال بياجيه (كرم الدين، 1982: 71).

 

إن اختيار الباحث استخدام هذا المنهج شبه المقنن لا يرجع فقط إلى نجاح محاولات تقنين المنهج الأكلينيجي وما أسفرت عنه من نتائج ترتبط ارتباطاً عالياً مع نتائج بياجيه ، ولا بسبب تغير موقف بياجيه وموافقته على استخدام المناهج المقننة واستعمال كافة أنواع الضوابط التجريبية في مرحلة التحقق من صحة الفروض.

ولا بسبب استقرار المناهج المقننة ورسوخها نتيجة استخدامها في عدد كبير من الدراسات إنما يرجع في الأساس إلى مجموعة من الخصائص والسمات التي تميز هذا المنهج ، لعل في مقدمتها توحيد الأسئلة أو الاختبارات التي يتعرض لها الأطفال أفراد عينة البحث وكذلك طريقة وإجراءات تطبيقها.

مع الحفاظ على درجة من المرونة وعدم الجمود ، ومع الالتزام بتضمني جوهر الطريقة الإكلينيكية المميزة لبياجيه في الطريقة التي تصاغ بها الأسئلة  (Lovell, 1961, PP. 144-147).

 

غير أن السؤال الذي يفرض نفسه – من وجهة نظر الباحث – هو: إلى أي مناهج البحث ينتمي هذا المنهج شبه المقنن ، القائم على تراث عريض من الدراسات البياجيه والمستخدم في بحوث عديدة ومتنوعة داخل جنيف وخارجها ؟ وللإجابة من هذا السؤال يود الباحث إيضاح نقطتين أساسيتين :

أولاهما ، تتمثل في تأكيد فلافل على أن الدراسات القائمة على المنهج شبه المقنن ، تدخل ضمن الدراسات التجريبية ، وتحمل الطابع العلمي للدراسات الدقيقة ، نظرا لأن السلوك موضوع الدراسة فيها يستثار منذ البداية بمثيرات معينة ، يدخلها الممتحن . 

وهو يؤكد في هذا الصدد على الدراسات التي استخدم فيها بياجيه ومؤيدوه الاختبارات الأدائية وتابعوا بالرصد والتحليل سلوك الأطفال حيالها (Flavell, 1963, P. 25).

 

وثانيهما ، هي أنه بالنظر إلى ما استقرت عليه آراء الباحثين في مناهج البحث ، وما اتفق عليه من شروط يلزم توافرها في دراسة ما قبل انتمائها لمنهج من مناهج البحث العلمي ، وبالرجوع إلى التصميم الشامل لهذا البحث وما طبق بالفعل في كافة مراحله.

وبالإضافة إلى ما يسعى البحث الحالي لتحقيقه من أهداف وما يحاول الإجابة عليه من تساؤلات ، نجد أنها تشير جميعها وتؤيد انتماء هذا البحث إلى منهج البحث التجريبي ، وذلك استناداً إلى ما يلي :

 

أ- طبقاً للتصنيف الذي قدمه كل من (Kerlinger, 1964; fox, 1969; Dunham, 1988)، (أبو حطب وصادق ، 91، عسكر وآخرون، 1992) ، لمناهج البحوث ، فإن البحث التجريبي هو ذلك البحث الذي يسعى إلى اختبار وفرض يدور حول علاقة سببية بين المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة.

مع التحكم في المتغيرات المستقلة وتثبيت المتغيرات الدخيلة حتى لا تتدخل في تفسير النتائج ، وبحيث يمكن البرهنة بشكل مباشر على ما تتركه المتغيرات المستقلة من آثار على المتغيرات التابعة من خلال نتائج البحث التجريبين وبالرجوع إلى مشكلة البحث الحالي.

نجد أن هذا البحث يستهدف تحديد الآثار التي تترتب على كل من مستوى النمو العقلي (كما يشير إليه العمر الزمني) وبرامج الخبرات التي تقدمها لرياض الأطفال ، وما قد يكون بينهما من تفاعل كمتغيرين مستقلين علىما يكتسبه الطفل من عمليات عقلية معرفية كمتغيرات تابعة .

 

والعمر الزمني ، وإن كان متغيراً لا يتم التحكم فيه تجريبياً بالمعنى الدقيق لمفهوم التحكم في البحوث التجريبية ، إلا أن اختيار المجموعات العمرية المختلفة وتعريضها لأنماط مختلف من برامج الخبرات.

مع تثبيت كافة المتغيرات التي يحتمل أن يكون لها أثر على اكتساب الطفل للعمليات العقلية المعرفية ، مثل الجنس وتعليم الأب والأم ودخل الاسرة وغيرها ، يمكن اعتباره نوعاً من التحكم التجريبي في المتغيرات المستقلة في هذا البحث .

 

ب- منذ أن درس جون ستيوارت ميل مشكلة السببية التي يتناولها البحث التجريبي ، وما توصل إليه من قواعد يمكن أن تكون مرشداً في تصميم البحوث التجريبية ، ودونما جمود ودون إلزام بصلاحية كل هذه القواعد لكل الحالات التجريبية.

وهناك اتفاق بين من تناقلوا هذه القواعد (زكي وياسين، 62:114 – 120، بدر ، 84: 281-287، جابر وكاظم ، 1978: 173-177) على أنها تتمثل في طريقة الإتقان ، وطريقة الإختلاف.

والطريقة المشتركة، وطريقة العوامل المتبقية أو استبعاد العوامل الأخرى التي يحتمل أن تؤثر في النتيجة ثم طريقة التلازم في التغيرات.

 

ودون الدخول في تفاصيل هذه  الطرق الخمسة فإن الباحث قد عمل ومنذ تصميم البحث وخلال كافة مراحله وخطواته على أن يجعل بالإمكان الحصول على أهم الأدلة المتاحة التي تؤيد وجود العلاقة السببية بني المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة ، وحتى يحقق البحث الهدف منه كبحث تجريبي.

وسوف يتم التعرض لتفاصيل إعداد اختيار أفراد العينة ، وبحيث يتضح من خلال عرض هاتين العمليتين مدى التزام الباحث بقواعد المنهج التجريبي في هذا البحث .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى