علوم الأرض والجيولوجيا

المعطيات العلمية والعملية لتصميم وتنفيذ المصبات البحرية لمياه الصرف الصحي

1996 المصبات البحرية لمياه الصرف الصحي

أ.د عادل رفقي عوض

KFAS

تصميم وتنفيذ المصبات البحرية لمياه الصرف الصحي علوم الأرض والجيولوجيا

ما يعرضه هذا الجزء من الكتاب حول مدينة اللاذقية كحالة دراسة، وشرح عمليات التصريف الصحي فيها والتخلص من الفضلات بإلقائها مباشرة في البحر، وتحديد ملوثاتها العضوية والجرثومية، ونتائج تحاليل العينات فيها، وحركة واتجاه تياراتها البحرية الساحلية، يدل على جدية السلطات المعنية في اللاذقية في إجراء القياسات والتحاليل والاهتمام بالموضوع.

ومن جهة أخرى فإنه يفتح المجال لتطبيق منهجية الكتاب في مدن عربية ساحلية أخرى ايا كان موقعها طالما كانت تتخلص من فضلات الصرف الصحي أو حتى فضلات الصرف الصناعي عن طريق رميها في البحر.

ويبقى أن نشير إلى أن تطبيق مفردات الكتاب في مدينة الكويت أو غيرها من مدن الخليج العربي وبقية المدن العربية الساحلية الأخرى يبقى متعلقا بتقديم المعلومات المحلية أو الإقليمية لفضلات الصرف الصحي والتخلص منها وواقع شروط وظروف البيئة البحرية المتلقية.

ذلك أن استخدام المصبات البحرية للتخلص من مياه المجاري في أية مدينة ساحلية يقتضي كما فصلنا سابقاً إجراء التحاليل والدراسات الأوقيانوغرافية (علم مياه المحيطات والبحار) الخاصة بساحل البحر الأبيض المتوسط على سبيل المثال من النواحي الفيزيائية والكيميائية. وتتركز المعطيات المطلوبة معرفتها بسرعة واتجاه التيارات البحرية ودرجة الحرارة ونسبة المواد المغذية.

 

وفي النواحي الجيولوجية فإن علينا معرفة كيمياء وحجم الحبيبات القاعية وطبيعة القاع البحري وكل ما يتعلق بطبوغرافية وخواص الطبقات الأرضية لقاع البحر.

أما من النواحي البيولوجية فإن علينا أن نعرف المعلومات اللازمة حول البلانكتونات النباتية والحيوانية والبنتوس النباتي والحيواني وأصناف السمك والكائنات الحية الدقيقة.

وكنا قد أثبتنا سابقا أن فعالية وجوده التخلص من مياه المجاري بواسطة المصب البحري تتم من خلال العمليات الديناميكية الخاصة للتيارات البحرية (ميكانيك التيارات البحرية المعالجة لعمليات الخلط وتخفيف التركيز) ومن خلال عمليات الهضم البيوكيميائي المكملة.

 

وأثبتنا أن درجة المعالجة في المرحلة الأولى بنماذج هيدروديناميكية إحصائية (Hydro – dynamic numeric – model) أوضحناها  في الشكل رقم (3-3). يمكن أن تخفض نسبة الملوثات البكتريولوجية لمياه المجاري في مدينة اللاذقية حتى درجة 10 3.

ولما كان خلط مياه المجاري بمياه البحر وتخفيض تركيزها متعلقا بشكل اساسي بحركة التيارات البحرية وسرعتها، فقد أوضحنا ذلك سابقا منطلقين من توضيح العلميات الإجرائية لهذا الخلط من الأسفل (بداية نفوذ مياه الصرف من فتحات الرذاذ في المصب البحري) وإلى الأعلى (تشكل حقل مياه الصرف).

وبعد ذلك خلطها وتخفيف تركيزها بفعل سرعة التيارات البحرية وعمق المياه. إلا أن هناك دراسات إضافية أخرى تبحث في تأثير الرياح على حركة التيارات البحرية (من الأعلى إلى الأسفل).

 

وهذه الدراسات تستند إلى نموذج ذي بعدين يتعلق بتحديد الاتجاه العمودي فقط للرياح التي تؤثر على حركة واتجاه وسوق التيارات البحرية، ولما كان هذا التأثير لتعلقه بالاتجاه العمودي فقط ضعيفا، ذلك أن تأثر التيارات البحرية بالرياح ينخفض بسرعة كلما تزايد عمق المياه، فإننا نكمل الإيضاح الدقيق لتأثير الرياح على التيارات البحرية من خلال نموذج ذي ثلاثة ابعاد يتعلق بالاتجاهات العمودية والأفقية معا.

أما فيما يتعلق بعمليات الهضم البيوكيميائي لمياه المجاري من مياه البحر، فإنه لم تدرس بشكل كاف حتى اليوم وخصوصا بالنسبة للتأثيرات الكمية للمواد المغذية والبلانكتونات ودرجة الملوحة والحرارة والإشعاع الشمسي وغيرها على حياة الملوثات الجرثومية لمياه المجاري.

 

وتحدد معظم الأبحاث التي تناولت بقاء الجراثيم حية في مياه البحار عمليات الاختفاء أو التلاشي لهذه الجراثيم نتيجة مجموعة من العوامل المتداخلة أو المجتمعة وهي مذكورة في الجزء السادس من الكتاب.

ويجب أن نؤكد على أهمية إجراء القياسات الأوقيانوغرافية (فيزيائية، كيميائية، بيولوجية) ويمكن بعدها إجراء محاولة وضع نموذج رياضي لا يراغي فقط عمليات الخلط الديناميكية لمياه البحر ومياه المجاري بعضها ببعض، وإنما أيضا موت بكتيريا مياه المجاري (من خلال عمليات الهضم البيوكيميائي).

وبمعرفة العوامل الفيزيائية والبيوكيميائية المؤثرة يمكن لنا وضع مثل هذا النموذج الرياضي الذي يسمح بإجراء استقراءات إحصائية وبالتالي وضع ضوابط دقيقة تتعلق بالمصبات البحرية لمياه المجاري في المدن الساحلية.

وفي جزء لاحق (الجزء الرابع من الكتاب) حددنا هذه النماذج الخاص بإقامة مصب بجري للتخلص من مياه المجاري في أية مدينة ساحلية، وقد أخذنا مدينة اللاذقية كحالة دراسة نموذجة تطبيقية.

 

إن التخطيط وضع النماذج الرياضية بشكلها النهائي لتصميم وتنفيذ المصبات البحرية لمياه الصرف الصحي يتطلب باختصار إجراء العلميات العلمية والعملية التالية:

– المسح البحري (تخطيطا وتنفيذا).

– تقويم المعلومات أو المعطيات المتجمعة.

– اتخاذ القرار بشأن الحلول المختلفة لتحديد الموقع للمصب بالشكل الأمثل.

 

ويقوم المسح البحري اساسا على استخدام تقنيات عديدة من أهمها تجارب تتبع الأثر لتحديد تشتيت (dispersion) مياه الصرف الصحي في البحر بشكل رئيسي وتغطية الشروط الأوقيانوغرافية السائدة بشكل عام.

أما الإحصاءات الأخرى فيمكن الحصول عليها من خلال قياسات الرياح والتيارات التي تجري بشكل مستقل عن تجارب تتبع الأثر.

إن دراسة تتبع الأثر تعتبر مكملة لقياسات العوامل الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، وهي تقدم معلومات إضافية هامة بخصوص التحكم بتلوث الشاطئ مستقبلا وبالتالي تسمح بالمزيد من القرارات الدقيقة التي يجب على المهندس الصحي اتخاذها حول تصاميم المصبات البحرية لمياه المجاري.

وقد شرحنا شيئا عن أهم متعلقات هندسة الرسم الاستشفافي (تتبع الأثر) وتقنيات الاستشعار عن بعد في جزء لاحق (الجزء الخامس من الكتاب).

وفيما يتعلق ببرنامج المراقبة الخاص بالمسح البحري من حيث مواقع محطات الرصد والمراقبة والتحاليل الضرورية وتكرارها فقد جاء بالتفصيل في (الجزء السادس من الكتاب).

 

وباختصار يمكننا وضع تصورين في مرحلة الدراسات السابقة للتنفيذ وذلك في مجال توظيف رؤوس الأموال يمكن التوصل إليهما عن طريق ما يلي:

أ- الدراسة الشاملة

بمعنى محاولة مواجهة وحل كل المشاكل المفترضة قبل توظيف رؤوس الأموال والبدء بأول خطوة من خطوات التنفيذ الفعلي.

 

ب- الدراسة الجزئية

بمعنى تحضير توظيف رؤوس الأموال مرحليا على مدى طويل ومراقبة خطوات التنفيذ المتعاقبة بغرض التحسين المتدرج للتغلب على أية مؤثرات. وعلى سبيل المثال في مجال تشغيل وحدات معالجة مياه الصرف أو جودة مياه المصادر المائية.

إن الدراسات الحية والحقيقية سواء منها الشاملة أو الجزئية، تستند إلى أساليب علمية يعرفها المتخصصون ولا بد لهم من مراعاتها لتكون الدراسات أكثر قربا من الواقع.

إن نموذج الدراسة الشاملة أقل واقعية من نموذج الدراسة الجزئية بسبب احتياجه إلى مصادر تمويل ضخمة توظف في مدة قصيرة نسبيا، وكذلك فإن كثيرة من الظواهر أو العقبات تحتاج إلى دراسة تتطلب المراقبة ومشاهدات طويلة الأمد وهذا لا يمكن أن يتم بنظام التمويل الجزئي المحدد.

 

لذلك فإن مخطط الدراسة يجب أن يميز بين مواصفات ومميزات المراقبة القصيرة الأمد وطويلة الأمد لاختيار الأنسب منهما.

ويجب أن يتم التركيز على نقطة مفادها أن جمع المعطيات والمعلومات يتطلب متابعة تحليل المشكلة من خلال نظام مراقبة وجمع العينات وغير ذلك.

وقد تدوم هذه العملية إلى ما لا نهاية بسبب ضرورة فرض المراقبة البيئة تحت كل الظروف، إلا أن نطاق برنامج المراقبة يجب أن بعكس دائما الحالة المنهجية المكتسبة سابقا من فعاليات المراقبة السابقة.

 

الخلاصة والنتائج

إن مصبات مياه الصرف بالبحر شريطة اعتماد التخطيط الدقيق وبغض النظر عن الأبعاد أو المقاييس الهائلة التي يحتاجها، توفر لنا الإمكانات الاقتصادية والآمنة للتخلص من المواد الملوثة التي يتم هضمها عموما خلال أيام، أما بالنسبة للمواد الملوثة السامة وشديدة المقاومة للهضم فيجب علينا وتحت كل الظروف إبعادها عن البحر.

وكما قلنا فإن لديناميكية مياه البحر دورا في تخفيف تركيز المياه الملوثة إلا أنها لا تكفي وحدها للقيام بهذه العملية، مع العلم أنه في المجال المباشر للمصب يتحقق التخفيف لتركيز مياه الصرف بسرعة وحتى بضع مئات من التركيز الأصلي.

وحتى اليوم لا يوجد نموذج كلي لميكانيك التيارات البحرية يمكننا من استقراء عمليات الخلط والنقل التي تتعرض لها مياه الصرف المساقة إلى البحر، والوصول إلى هكذا نموذج يتطلب ابحاثا عديدة وعميقة في هذا المجال، وبانتظار تحقيق ذلك فإن علينا الاكتفاء بالنماذج الجزئية (طرق التكامل للحقل القريب ونماذج ببعدين أفقيين للحقل البعيد لخروج مياه الصرف من المصب) والتي يمكن لها أن تعطينا صورة كاملة من خلال التصورات الهندسية.

 

إن تنظيم وبناء منشآت المصب البحري يعتبر أمراً حاسما سواء كمقياس لعمليات الخلط الفعال، ولتخفيف التركيز في المجال القريب من المصب، وأيضا لتحقيق إمكانية الحفاظ على حقل مياه الصرف تحت سطح البحر وذلك في حل كون البحر يضم طبقات مختلفة الكثافة، وفي هذا المجال الحرج فإن الطرق الحسابية لميكانيك الجريان البحري قد طورت بشكل يحقق ذلك.

إن التعاون الوثيق والعمل المشترك بين الجهات العلمية المختصة بمنشآت معالجة مياه الصرف الصحي واختصاصيي ميكانيك التيارات البحرية الذي يجب الانطلاق من ثوابته وقوانيه ومراعاته لتحقيق منشآت مثلى في مجال المصبات البحرية، يمكننا على المدى الطويل أن نضمن الحفاظ على جودة مقبولة لجميع المصادر المائية بما فيها البحر.

 

ملخص

تلعب البحار دوراً هاماً في تصريف مياه المجاري كحل أمثل للتخلص من ملوثاتها خلال أيام، وقد بيّنا في هذا الجزء من الكتاب طرق المفاضلة بين معالجة مياه الصرف بالطرق التقليدية وبين معالجتها عن طريق المصبات البحرية بحيث تضمن الأخيرة عدم التأثر السلبي للاستعمالات البشرية للبحر ومتعلقاته.

وذلك بمراعاة الأسس التخطيطية للمصبات البحرية والشروط الاقتصادية والحفاظ على جودة البحر، وجودة المصادر المائية عموما، مع تحليل لخصائص مكان التصريف، وخصائص تركيب ومكونات النفايات ودراسة ميكانيك التيارات البحرية الخاصة بعمليات الخلط ونقل مياه المجاري الملوثة، وحساباً لظواهر تخفيف التركيز الأولي.

وقد طبقنا نموذجا هندسيا على مدينة اللاذقية الساحلية استناداً إلى نتائج تحاليل العينات والقياسات العضوية والجرثومية لمياهها وحركة واتجاه التيارات البحرية فيها، وتحديداً للموقع الأمثل لاختيار مكان المصب البحري للتخلص من مياه صرف المدينة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى