البيولوجيا وعلوم الحياة

المحاولات العلمية لإبطاء مرحلة الشيخوخة عند الإنسان

2013 آلات الحياة

د.ديفيد س. جودسل

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مرحلة الشيخوخة المحاولات العلمية لإبطاء مرحلة الشيخوخة البيولوجيا وعلوم الحياة

عندما نولد، فإن خلايانا تكون جديدة وتعمل تبعاً لخطة جينية. ولكن ومع تقدمنا في العمر، فإن جزيئاتنا وخلايانا وأجسامنا تشيخ تدريجياً، وتصبح أقل كفاءة بما يؤدي في النهاية إلى فشلها في القيام بوظائفها وبالتالي موت الإنسان.

وكما يمكنك أن تتخيل، فإن "الشيخوخة" هي موضوع لبحث علمي طبي مكثف، حيث أن العلماء يبحثون عن طرق لإبطاء الشيخوخة.

وعلى الرغم من ذلك العمل البحثي، فإن الشيخوخة تظل كموضوع غامض يحتوي على العديد من الجوانب غير المعلومة، إلا أن هناك بعضاً من الاكتشافات المحورية التي أظهرت بعضاً من العوامل الأساسية في هذه العملية.

 

فبالنظر إلى مختلف الحيوانات، نجد أن الحد الأقصى لطول العمر يكون مرتبطاً بحجم الجسم، ومعدل التمثيل الغذائي به. فالحيوانات الصغيرة تقوم بالتمثيل الغذائي بمعدل سريع جداً. 

ولقد أظهرت الأبحاث العلمية أن هناك سبباً رئيسياً يكمن وراء الشيخوخة وهو حدوث تراكم بطىء ولكنه منتظم في تلف الخلايا والجزيئات بواسطة الصور عالية التفاعل (Reactive Forms) من الأكسجين.

تعتمد خلايانا على الأكسجين كمستقبل نهائي للإلكترونيات في عملية التنفس، وهذا يسمح لنا باستخلاص قدر أكبر بكثير من الطاقة من الغذاء عن إذا ما تم ذلك الاستخلاص في غياب الأكسجين.

 

إلا أنه من الممكن أن تتكون خلال هذه التفاعلات صور عالية التفاعل وخطيرة من الأكسجين مثل شقوق الأُكسيد الفائق (Superoxide) والهيدروكسيل (Hydroxyl).

وفي بعض الأحيان فإن هذه الجزيئات السامة تتسـرب بعيداً عن إنزيمات التنفس التي تحولها كليةً إلى ماء (شكل 7.7)، ثم تقوم بمهاجمة البروتينات والدنا، وتلحق بهما التلف أو تسبب الطفرات.

 

كل 7.7 الإنزيم المؤكسد للسيتوكروم «سي» (Cytochrome c Oxidase): هذا الإنزيم هو المتهم الرئيسـي في تكوين جزيئات الأكسجين عالية النشاط.

فهو يقوم بالخطو الأخيرة في عملية التنفس، ناقلاً الإلكترونات التي يتم استخلاصها من جزيئات الغذاء إلى الأكسجين. وهو معقد بروتيني ضخم يوجد في أغشية الميتوكوندريا.

ويوجد الموقع النشط في هذا الإنزيم مدفوناً في أعماق الجزئ البروتيني، مع وجود العديد من جزيئات الهيم وذرات النحاس التي تساعد في إتمام التفاعل. ويظهر جزئ الأكسجين باللون الأزرق الناصع في الشكل (الشكل العلوي مكبر 20 مليون مرة، والشكل السفلي مكبر 5 ملايين مرة).

 

وهي تهاجم الدهون أيضاً في أغشية الخلايا، منتجةً لجزيئابت عالية التفاعل يمكنها الاستمرار في العملية ومهاجمة الجزيئات الأخرى.

وتعتبر البقع الكبدية التي تتكون عند الشيخوخة وتظهر على الجلد علامة واضحة على حدوث ذلك. حيث تتكون هذه البقع من الليبوفيوسن (Lipofuscin)، وهو صورة مؤكسدة داكنة من الدهون الطبيعية بأجسامنا.

عملية الأكسدة ليست بالمشكلة قليلة الأهمية. فجهازنا التنفسي هو أحد اكثر الأجهزة الجزيئية نشاطاً في الجسم وهذا يجعل الصور عالية التفاعل من الأكسجين تتدفق باستمرار كناتج ثانوي خلال الخلية.

 

ولحسن الحظ، فإن لدينا آلية فعالية يمكنها حمايتنا ضد هذا الخطر المستديم. خط دفاعنا الأول في هذه الآلية هو سلسلة من الإنزيمات الباحثة عن الصور عالية التفاعل من الأكسجين لكي تزيل سميتها.

وتتضمن هذه الإنزيمات إنزيم أكسدة واختزال الأُكسيد الفائق (Superoxide Dismutase)، والذي يقوم بتدمير الأُكسيد الفائق (والذي يتكون من أكسجين به إلكترون إضافي)،بالإضافة إلى إنزيمين آخرين يعملان على تدمير المركبات فوق الأُكسيدية ((Peroxides (شكل 8.7).

 

شكل 8.7 الإنزيمات المضادة للأكسدة: تحتوي خلايانا على العديد من الإنزيمات التي تقوم بإزالة سمية الصور عالية التفاعل من الأكسجين.

فيقوم إنزيم «أكسدة واختزال الأكسيد الفائق» (Superoxide Dismutase) بإزالة سمية جزيئات الأكسيد الفائق، كما أن إنزيم الكتاليز (Catalase) وإنزيم «أكسدة واختزال فوق الأكسيد» (Peroxiredoxin) يعملان على تكسير فوق أكسيد الهيدروجين.

ويقوم كل إنزيم باستخدام أداة كيميائية خاصة للقيام بهذه التفاعلات. حيث يستخدم إنزيم أكسدة واختزال الأكسيد الفائق ذرات النحاس والزنك (يمكن ملاحظة إحدى هاتين الذرتين باللون الأزرق الناصع في الموقع النشط الموضح بالشكل)، بينما يقوم الكتاليز باستخدام أيونات الحديد المحتجزة في جزيئات الهيم، أما إنزيم أكسدة واختزال فوق الأكسيد فيستخدم ذرة كبريت ذات نشاط خاص توجد في الحمض الأميني سيستين (Cysteine) (ملونة بلون أصفر ناصع في الشكل) (قوة التكبير: 5 ملايين مرة).

 

ويقوم العديد من الجزيئات الصغيرة المضادة للأكسدة بالمساعدة في هذه المهمة أيضاً.

وفي الحُجيرات المليئة بالماء في الخلية، يعمل مركب الجلوتاثيون (Glutathione) وفيتامين «سي» (C) على محاربة الأنواع عالية التفاعل من الأكسجين بطريقة "جزيء في مواجهة جزيء» ، وذلك يؤدي إلى إزالة السمية منها (شكل 9.7).

 

شكل 9.7 فيتامين «سي» (Vitamin C): يعمل فيتامين «سي» على محاربة جزيئات الشقوق الحرة (Free Radicals) بطريقة «جزئ في مواجهة جزئ» (الشقوق الحرة هي جزيئات لديها إلكترونات مفردة ذات قدرة عالية على التفاعل). وكما يُرى في أعلى الشكل، فإن فيتامين «سي» (يُسمى أيضاً «أسكوربيت» Ascorbate) يقوم بمنح ذرة هيدروجين لشق حر من الهيدروكسيل.

وهذا يحول فيتامين «سي» إلى شق حر، ولكنه يكون أكثر ثباتاً إلى حد كبير مقارنةً بشق الهيدروكسيل كما أنه لا يقدم على مهاجمة الجزئيات البيولوجية الأخرى بسهولة.

بعد ذلك تتم إزالة سمية فيتامين «سي» وهو في صورة شق حر بواسطة إنزيمات أكسدة واختزال (Reductases) مثل إنزيم «أكسدة واختزال السيتوكوم  ب5» (Cytochrome b5 Reductase) (في أسفل الشكل) ، حيث يتم إضافة ذرة هيدروجين مرة أخرى إلى فيتامين «سي» وهذا يجعله مستعداً لمهاجمة شق هيدروكسيل آخر.

يظهر هذا البروتين باللون الأزرق، مع وجود جزئيين آخرين يعملان على مساعدته في التفاعل ويظهران باللونين البرتقالي والوردي (الصورة بأعلى مكبرة 40 مليون مرة، وبأسفل مكبرة 5 ملايين مرة).

 

ولكن الأنواع عالية التفاعل من الأكسجين تتميز بأنها أكثر ثباتاً في الأغشية الخلوية، وذلك فإن لدينا فيتامين «أ» (A)، و«إي» (E) واللذين يرتبطان بأغشية الخلية ويعملان على إزالة السمية من هذا الأنواع.

وتعد هذه الوظيفة أساسية بالنسبة لخلايانا لدرجة أنه يوجد بكل خلية جزيء من فيتنامين «إي» لكل 100 جزيء دهن بالأغشية!

وربما تعتقد الآن أنه من السهل إبطاء الشيخوخة وذلك ببساطة عن طريق إشباع الجسم بكميات أكبر من مضادات الأكسدة مثل فيتامينات « أ»، و «سي»، و«إي». وقد تم بالفعل إجراء العديد من الدراسات لاختبار صحة هذه الفكرة، ولكن النتائج كانت لسوء الحظ سلبية.

 

ففي الحالات التي يكون فيها للشخص جهاز حيوي مصاب طبيعاً بتلف ما يؤدي إلى وجود مستويات دون المثالية من مضادات الأكسدة، فإن تزويده بمكملات (Supplements) محتوية على مضادات أكسدة سوف يكون له تاثير قوي، حيث يساعد ذلك على تقليل التلف الذي يحدث بالجسم بواسطة صور الأكسجين عالية التفاعل ويبطىء من حدوث الشيخوخة.

ولكن أغلبنا لديه كميات طبيعية من مضادات الأكسدة تم ضبطها من خلال عملية التطور لتمدنا بأقصى قدر ممكن من الحماية، ولذا فإن تناول مكملات محتوية على  كميات إضافية من مضادات أكسدة لا يبدو أنه سوف يساعدنا أكثر من ذلك.

 

هناك طريقة أخرى أظهرت قدرة مدهشة على إبطاء الشيخوخة. فالعديد من الحيوانات يطول عمرها، بل ويتضاعف أحياناً، وذلك عند إعطائها كميات محدودة جداً من الوجبات الغذائية.

وفي هذه الحالة فإن الوجبة الغذائية تظل محتوية على كل المواد المغذية اللازمة للنمو الطبيعي وصيانة الجسم، ولكن يتم خفض محتواها من السعرات الحرارية بدرجة كبيرة بحيث تكفي بالكاد لبقاء الحيوان حياً.

 

ويظل السبب وراء فاعلية مثل هذه الوجبة الغذائية موضوعاً للجدل، ولكن هناك نظرية تربط بين ذلك وبين التلف الذي يحدث بواسطة الأكسجين عالي التفاعل.

حيث أن محتوى الوجبة المنخفض من السعرات الحرارية يؤدي إلى إبطاء معدل التمثيل الغذائي، وبالتالي فإنه يتم استخدام كمية أقل من الأكسجين ويصاحب ذلك أن عدداً أقل من جزيئات الأكسجين عالية التفاعل يمكنه التسرب والهروب من تأثير إنزيمات التنفس.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى