العلوم الإنسانية والإجتماعية

القاعدتان التي يخضع لها الإثبات في القانون الأنجلو – أمريكي

1995 الحاسوب والقانون

الدكتور محمد المرسي زهرة

KFAS

القانون الأنجلو – أمريكي الحاسب الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

تعتبر الكتابة هي وسيلة الإثبات المفضلة في الدول التي تاخذ بالنظام اللاتيني ، التي تأثرت بالقانون الروماني . 

مثال ذلك القانون الفرنسي، القانون الكويتي ، والقانون المصري ، أما القانون الأنجلو – سكسوني فقد رفض، لأسباب تاريخية وسياسية، اللجوء إلى الكتابة كوسيلة إثبات رئيسة ، وفضل عليها الشهادة الحضورية Témoignage Contradictoire، أي الأقوال الشفوية بعد أداء اليمين .

وتعتبر الشهادة الحضورية – حقيقة – مفتاح "القبة" أو "حجر" الزاوية لنظام الإثبات في القانون "العام" Common law

فشهادة شخص ، بعد أداء اليمين ، يعرف معرفة شخصية الوقائع ، واستجوابه استجواباً حضورياً تعتبر العنصر الوحيد الذي يسمح للقاضي بأن يُقدر بصفة موضوعية ليس فقط شهادة الشاهد ، وإنما أيضاً مصداقيته .

 

ويمنع مبدأ الشهادة الحضورية – اللجوء أمام المحاكم للكتابة ، إلا إذا شهد الشخص الذي قام بصياغة الدليل الكتابي حضورياً أمام القاضي بصدق العناصر التي يحتويها المستند المقدم في الإثبات .

ويأخذ القانون الأمريكي أيضاً بمبدأ الشهادة الحضورية .  بل هو أكثر قوة ، حيث أن له ، – بطريقة ما – قيمة دستورية . 

فالمتهم له الحق – حسب التعديل السادس للدستور – في أن يطلب مواجهته بالشهود الذين يتهموه . 

وقد "مد" القضاء الأمريكي هذا الحق في المواجهة على كافة الدعاوى التي ترفع حسب القانون الفيدرالي أو قانون الولاية .

 

وبذلك يسمح مبدأ المواجهة Confrontation للقاضي بملاحظة موقف الشاهد ، ومن ثم تقدير مدى مصداقيته . 

ويترتب على مبدأ الشهادة الحضورية ، أن القاعدة في القانون الأنجلو – أمريكي هي عدم جواز الشاهدة بالتسامح وهو ما يسمى بقاعدة الــ oui – dire .

ومن ناحية أخرى ، تتطلب المحاكم ، في إنجلترا وأمريكا ، طبقاً لقاعدة الدليل الأفضل La meilleure preuve، أن يكون المستند المقدم للإثبات "أصلاً" .

 

ولذلك يمكن القول بأن الإثبات يخضع في القانون الأنجلو – سكسوني بوجه عام لقاعدتين : عدم جواز الشهادة بالتسامع ، وقاعدة الدليل الأفضل ، أي الأصل .

ونعرض فيما يلي لهاتين القاعدتين لنرى مدى إمكانية الإثبات بواسطة مخرجات الحاسب الإلكتروني في ظل كل منهما .

 

عدم جواز الشهادة بالتسامع قاعدة الــ oui – dire

راينا أن شهادة الشاهد – طبقاً لمبدأ الشهادة الحضورية – لا تقبل إلا إذا كانت صادرة عن ذلك الذي يعلم بصفة شخصية بالوقائع والمعلومات المراد إثباتها .  فهو – في الواقع – الشخص الوحيد الذي يخضع إخضاعه لاختبار حضوري.

وبتطبيق القاعدة السابقة على الدليل الكتابي ، فإنها تؤدي إلى عدم قبول المستند المقدم كدليل إثبات إلا إذا كان من صدر عنه المستند حاضراً ليشهد أمام المحكمة على محتوى السند .

ويترتب على ذلك أن اية شهادة ليست مباشرة وحضورية تعتبر في القانون الأنجلو – سكسوني شهادة بالتسامع Hearsay، ومن ثم لا تقبل أمام المحاكم كدليل إثبات .

 

فإذا ما قُدم أحد مخرجات الحاسب كدليل إثبات أمام المحاكم ، فإن قبوله يتوقف – حسب قاعدة عدم جواز الشهادة السماعية – على شهادة من صدر عنه "المستند" حضورياً أمام  القاضي على صحة المعلومات التي يتضمنها "الوسيط" الإكتروني الصادر عن الحاسب تمر على أكثر من "يد". 

أي أنها على عكس المستندات اليدوية – لها أكثر من "أب" – فهناك من أعد البيانات الخام Data، وهناك من أدخلها في الحاسب طبقاً لرموز أو شفرات معينة ، وهناك أيضاً من قام بمعالجة المعلومات معالجة إلكترونية.

وهناك أيضاً من قام بمعالجة المعلومات وحفظها ؛ ثم يوجد – أخيراً – الحاسب الذي من خلاله تمت معالجة المعلومات وحفظها ؛ فاي من هؤلاء يجب حضوره أمام المحكمة ليشهد على صحة الباينات التي يتضمنها السند باعتباره هو مصدره .

لكن هذه القاعدة يرد عليها استثناءات في كل من القانون الإنجليزي ، والقانون الأمريكي .

 

أولاً: القانون الأمريكي  

إذا كانت القاعدة في القانون الأمريكي هي عدم جواز الشهادة بالتسامع ، إلا أن هذه القاعدة يرد عليها استثناء ذو أصل قضائي يعرف باسم Bussiness records exception

وطبقاً لهذا الاستثناء ، فإن الدفاتر التجارية والسجلات المنتظمة تكون مقبولة أمام المحاكم كدليل إثبات دون اشتراط حضور من أصدرها أمام المحكمة ليشهد بصحة المعلومات الواردة بها . 

فقط يشترط لقبولها كدليل إثبات أن تكون المعاملات محل النزاع قد تم تسجيلها بانتظام وحسب المجرى العادي للأمور ، ولحظة إبرامها تقريباً .  وقد تبنى القانون الفيدرالي هذا الاستثناء.

وقد استند القضاء على هذا الاستثناء لقبول مخرجات الحاسب الإلكتروني في الإثبات. فالشروط الواجب توافرها لأعمال حكم هذا الاستثناء تقوم – أصلاً – على الكروف التي أحاطت بعملية تسجيل المعاملات المراد إثباتها ، وليس على شكل المستند الذي يتضمنها . 

 

فإذا توافرت هذه الشروط ، فإن المستند الذي يتضمن المعاملات يكون مقبولاً في الإثبات ، أياً كان شكله ، أو طبيعة المادة المستخدمة في دعامته، أو طريقة التسجيل ذاتها .

وقد يعترض على ذلك بأن الشروط السابقة ، التي يجب توافرها لأعمال الاستثناء ، لا تتوافر في حالة التعامل بواسطة الحاسب الإلكتروني . 

فالمعلومات التي يتم معالجتها بواسطة الحاسب غالباً ما يتم الاحتفاظ بها على "مخرجات" ممغنطة كالأشرطة والأسطوانات الممغنطة .  ولا تطبع على مستند ورقي مقروء ومرئي للشخص العادي إلا في حالة الضرورة ، كالنزاع مثلاً . 

 

وغالباً ما يكون ذلك بعد فترة طويلة من حفظها بوساطة الحاسب .  وإذا صح مثل هذا الاعتراض ، فإن شروط إعمال حكم الاستثناء السابق تكون غير متوافرة : فالتسجيل لم يتم بالطرق العادية والمألوفة بحسب المجرى العادي للأمور ، كما أنه لم يتم إلا بعد مدة طويلة من إتمام المعاملة .

لكن المحكمة العليا لولاية نيبراسا الأمريكية رفضت هذه الحجج بشكل قاطع . وأكدت أن الاستثناء السابق يجب تفسيره تفسيراً واسعاً لأنه قد وجد – على حد تعبيرها – " للعمل على إدخال الواقع المهني وحقيقة دنيا الأعمال إلى قاعات المحاكم". 

ومن ناحية أخرى ، فإن تقدير توافر ، أو عدم توافر ، شروط الاستثناء يجب أن يكون وقت معالجة المعلومات وإدخالها في الحاسب ، وليس وقت طبعها على مستند ورقي صادر عن الحاسب .

 

وهكذا يمكن قبول "مخرجات" الحاسب الإلكتروني في الإثبات أمام المحاكم طبقاً لاستثناء Business Records.  دون أن يكون من الضروري حضور من أصدرها لكي يشهد بصدق البيانات الواردة فيها كما تقضي قاعدة oui – dire .

وقد توج القانون الفيدرالي هذا التطور ، وتبنى صياغة جديدة للاستثناء السابق . وأصبحت  الدفاتر والسجلات التجارية مقبولة في الإثبات أمام المحاكم أياً كان طريقة الاحتفاظ بها .  أي سواء كانت مكتوبة باليد أو بالآلة الكاتبة او اية طريقة أخرى . 

وهي صياغة مرنة يمكن تطبيقها على المعلومات التي يتم الاحتفاظ بها بوساطة الحاسب الإلكتروني .  وتُعامل "بمخرجات" الحاسب الإلكتروني ، في القانون الامريكي ، كأصل مثلها في ذلك مثل المستندات المكتوبة باليد.

 

ثانياً: القانون الإنجليزي

على عكس القانون الأمريكي ، فإن قاعدة الــ oui – dire لا يرد عليها في القانون الإنجليزي أي استثناء يسمح بقبول المستندات الصادرة عن الحاسب الإلكتروني أمام المحاكم لإثبات المعلومات التي تتضمنها.

 ونظراً لاستحالة "خلق" استثناءات قضائية جديدة على هذه القاعدة ، فإن المشرع الإنجليزي لم يجد مفراً سوى التدخل سنة 1968 بتعديل النصوص العامة المتعلقة بالإثبات لقاعدة الـــ oui – dire، وبإضافة بعض النصوص الخاصة بالمستندات الصادرة عن الحاسب الإلكتروني .

بالنسبة للأحكام العامة المتعلقة بقاعدة الــ  oui-dire، فقد نص المشرع على قبول الإثبات السمعي إذا كان صادراً عن المستمع الأول de première main

 

وبتطبيق هذه القاعدة على المستندات الصادرة عن الحاسب الإلكتروني ، فإن هذه المستندات يمكن قبولها في الإثبات إذا كان من قام بإدخال المعلومات إلى الحاسب الإلكتروني على علم شخصي بها أو قام ، خلال ممارسته لوظيفته ، بتسليمها لشخص آخر له ذات المعرفة. 

ويترتب على ذلك أن الحكم السابق لا يُطبق إذا كانت المستندات الصادرة عن الحاسب الآلي ليس لها "أصل" يعلمه شخص ما ويكون على معرفة شخصية بالعمليات التي يتم إنجازها بوساطة الشباك الآلي للبنك Guichet automatique de bangque أو التسجيل بالقراءة البصرية Lecture optique.

 

أما بالنسبة للقواعد الخاصة المتعلقة بقبول المستندات الصادرة عن الحاسب الإلكتروني في الإثبات ، فقد نص المشرع على قبولها كدليل إثبات إذا توافرت الشروط الآتية :

أ- إذا صدرت عن حاسب آلي استُعمل بدقة وإحكام وفي أنشطة عادية .

ب- إذا تم "تغذية" الحاسب الآلي بدقة بمعلومات تتفق مع تلك التي يحتويها المستند المقدم في الإثبات .

ج- إذا كان الحاسب الآلي يعمل بدقة ، واستخدم بكفاءة لحظة تسجيل المعلومات .

د- إذا كانت البيانات التي يتضمنها المستند مستمدة أو مشتقة من المعلومات التي تتم "تغذية" الحاسب الآلي بها .

 

فإذا ما توافرت هذه الشروط ، كان المستند الصادر عن الحاسب الآلي مقبولاً أمام المحكمة لإثبات البيانات التي يتضمنها . 

ويرجع للمحكمة تقدير مدى قوته في الإثبات حسب ظروف الواقع وملابساته خصوصاً التعاصر بين لحظة حدوث الواقعة ولحظة تسجيلها على الحاسب الآلي ، وكذلك مصلحة بعض الأشخاص المعنيين في تغيير المعلومات التي تم تغذية الحاسب الآلي بها.

 

قاعدة الدليل الافضل

والمقصود بالدليل الافضل – هنا – المستند الاصلي .  فالقاعدة هي وجوب تقديم الاصل في الإثبات .  ونعرض للاستثناءات . ونعرض للاستثناءات التي ترد على هذه القادة في كلا القانونين الأمريكي والإنجليزي .

 

أولاً : القانون الأمريكي

القاعدة في القانون الأمريكي هي ضرورة الإثبات بالاصل .  لكن هذه القاعدة يرد عليها استثناءان : أحدهما قبول الاحتجاج بالصورة إذا لم يتمكن من يريد الاحتجاج بها من الحصول على الأصل سواء لأن الأصل قد "أعدم" او لأنه لم يوجد أساساً. 

الآخر أن "الملخص" Résumé يمكن قبوله في الإثبات بدلاً من الأصل إذا كان هذا الأخير على درجة كبيرة من التعقيد ، أو ضخم الحجم لدرجة يُصبح معها تقديمه إلى القاضي عديم الفائدة بشرط أن يكون الخصم قد تمكن من فحصه الأمر الذي يفترض أن الاصل لم "يُعدم" وما زال موجوداً .

وتنص قواعد القانون الفيدرالي على أن النسخة المطابقة للأصل لها ذات حجية الأصل ، اياً كانت الطريقة أو الوسيلة المستخدمة في النسخ . 

كالطباعة والتصوير ، أو التسجيل الإلكتروني والميكانيكي .  مما يسمح بقبول "مخرجات" الحاسب في الإثبات.

 

ثانياً: القانون الانجليزي

القاعدة في القانون الإنجليزي أنه لا يجوز تقديم "الصورة" لإثبات محتوى الأصل إلا إذا كان الطرف الذي يحتج بالصورة لم يستطع تقديم "الأصل". فالقعدة إذاً أنه لا يجوز الإثبات إلا بالأصل.

لكن هذه القاعدة ليست مطلقة ، بل يرد عليها استثناء يجوز بمقتضاه قبول الصورة في الإثبات بشرط أن يثبت الخصم أنه قد استحال عليه الحصول على "الأصل". 

وقد استطاع الفقه بفضل عومية عبارات الاستثناء السابق تذليل الصعوبات التي يمكن أن تثور أمام قبول المستندات الصادرة عن الحاسب الآلي في الإثبات . 

 

إذ يكفي لقبول مثل هذه المستندات أن يثبت من يريد الاحتجاج بها أن الأصل قد "أعدم" أو أنه لم يوجد أساساً كما هو الحال في التسجيل المباشر .

ومن ناحية أخرى ، لم يشترط القضاء ، ابتداء من سنة 1982 ، تقديم الأصل بالنسبة للأفلام السينمائية وأشرطة التسجيل ، واكتفى بقبول "الصورة" واعتبرها موثوقاً فيها بطبيعتها . 

 

وقد رأى بعض الفقه إمكانية تطبيق مثل هذا القضاء على المستندات الصادرة عن الحاسب الآلي بوجه خاص والمستندات "الآلية" بوجه عام .  فيما يرى البعض الآخر أن الرأي السابق ينطوي على كثير من التعميم يحتاج إلى تدقيق . 

فالبيانات والمعلومات التي يتضمنها المستند الصادر عن الحاسب الآلي تمر بمراحل متعددة يُخشى معها أن تتعرض المعلومات الاصلية التي تمت تغذية الحاسب الآلي بها للتعديل، ومن ثم يصعب، حينئذ، الوثوق فيها .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى