علوم الأرض والجيولوجيا

عملية نقل مياه المجاري في البحر بواسطة النظام الهيدرولوجي

1996 المصبات البحرية لمياه الصرف الصحي

أ.د عادل رفقي عوض

KFAS

عملية نقل مياه المجاري في البحر النظام الهيدرولوجي علوم الأرض والجيولوجيا

إن مصبات مياه مجاري الصرف الصحي في البحر أشبه ما تكون بالمداخن العالية التي تبدد ملوثات المصانع في الجو، ذلك أن الطريقتين تهدفان إلى الغرض نفسه، وهو سوق المواد الملوثة إلى المحيط أو البيئة الطبيعية (جو – بحر) بحيث يتحقق انتشارها وتناقص تركيزها بحيث تنفي ضررها على الصحة.

إن تصميم المداخن يهدف إلى تخفيض تركيز الملوثات في المناطق الأرضية القريبة إلى درجة مقبولة، في حين تسعى مصبات مياه المجاري البحرية قدر الإمكان إلى حماية الطبقات المائية القليلة الأعماق والقريبة من السطح وقبل كل شيء الطبقات المائية القريبة من الشواطئ الساحلية من خطر الملوثات.

ويكمن الخلاف الجوهري بين الطريقتين في أن الجو الذي تبدد به المداخن ملوثات المصانع يسمح بانتشار كبير جدا للملوثات ويحقق عملية الاختلاط الرأسي الكبير للملوثات مع الهواء، بينما تصب مياه المجاري المساقة إلى البحر في مياه ساحلية منبسطة ومحدودة الأعماق.

إن تأثير صب مياه المجاري أو ملوثات المداخن ينعكس على تناقص تركيز المواد الملوثة في مكان الصب فقط سواء في الجو أو البحر، فطبيعة المكان تحدد عملية تناقص هذا التركيز ولا تبدو الكيفية أو الطريقة التي نصب فيها مياه الصرف في البحر مهمة طالما حققنا أبعاد صبّ هذه المياه إلى أكبر مسافة ممكنة مدروسة عن الشاطئ.

 

ويتعلق العامل الحاسم هنا بكيفية تدوير أو تغيير المواد الملوثة المساقة وتفاعلها بسرعة من خلال العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي تتعرض لها في مكان الصب.

وعمليا فإن الصب المستمر لمواد ملوثة غير قابلة للتفاعل سيؤدي إلى إغناء مستمر للوسط الطبيعي (جو – بحر) بالملوثات الضارة، ولن ينفعنا هنا تحسين أو تعقيد الوضع الإنشائي لمنشآت الصب (مصبات بحرية – مداخن) حتى ولا إبعاد مسافتها في البحر.

وبصفة عامة فإن مصبات مياه المجاري البحرية تكون مجدية للتخلص من مياه الصرف الصحي المدينية، بينما لا تكون مقبولة في حالة التخلص من مياه الصرف الصحي المحملة بنسبة كبيرة من الملوثات غير القابلة للتفاعل.

 

نقل مياه المجاري في البحر بوساطة النظام الهيدرولوجي

ليس هناك من خلاف على ضرورة حماية كافة الكائنات الحية البحرية من جميع أنواع الملوثات والتأثيرات الضارة المتسببة عن الفعاليات البشرية أو غيرها.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سنتعامل مع نفايات ومخلفات المجتمع البشري؟

الجواب يكون أنه ومن خلال الضرورات والتخطيط الدقيق والمدروس يمكن لنا أن نسمح بصب سلسلة من مواد النفايات في البحر شريطة إبعاد التأثيرات الايكولوجية، بحيث نضمن عدم التأثر السلبي للاستعمالات البشرية للبحر ومتعلقاته.

إن عملية تمدد الملوثات وتخفيف تركيزها في الوسط المحيط يمكن أن يتم فقط بالنسبة للملوثات أو المواد القابلة للتفاعل نسبياً بسرعة من خلال العلميات الفيزيائية والكيميائية – البيولوجية.

 

وهنا يجب أن نميز سلسلة من المواد غير القابلة للتفاعل أو التي يحتاج هضمها إلى مدة طويلة والتي لا تتواجد عادة في الوسط الطبيعي. مثل مركبات المبيدات الزراعية (د. د. ت) ومركبات الكلور العضوية أو نفايات المواد المشعة.

فهذه المواد يمكن أن تشكل تأثيرات سلبية ضارة على النظام الأيكولوجي ككل، ولذلك يجب إما ان نتخلص منها اعتبارا من منبعها وإما أن ندفنها بطريقة علمية مدروسة، وفي كل الأحوال يجب إبعادها عن الوسط الطبيعي.

وبالعكس فإنه من المنطقي والمفيد أن نسوق المواد الملوثة الأخرى إلى المصادر المائية، بوساطة إجراءات مناسبة نسعى من خلالها إلى تحقيق انتشار هذه المواد وتخفيف تركيزها بشكل يتلاءم مع المعطيات الطبيعية أو لا يشكل لها ضرراً يذكر.

 

إن نقل المواد الملوثة في الوسط الطبيعي يتم غالبا على أسس طبيعية، فمن جهة وبحسب الدورة الهيدرولوجية تساق دوما المواد الموجودة في الماء بشكل طبيعي كالأملاح والمرسبات، ومن جهة أخرى تساق إلى البحر نواتج النفايات البشرية بشكل أو بآخر (الشكل رقم 3-1).

إن الدورة المائية مع التبخر والمطر والجريان تشكل نظام نقل طبيعي وفعال للملوثات من اليابسة إلى البحر، وهو نظام استفاد منه الإنسان منذ الأزل. وبشكل عام يمكن النظر إلى البحر على أنه خزان طبيعي ومحطة نهائية لكل المحتويات الموجودة في الدورة المائية.

ويبدو ذلك واضحا بشكل خاص عندما نعتبر بالمقاييس الكبيرة فترات الإقامة أي المدة التي تتجدد  فيها مجمل محتويات المياه لمختلف أنواع المصادر المائية تساوي نظرياً أو حسابياً (مخزون المصدر بالمتر المكعب مقسوما على الغزارة الوسطية التي تصب في هذا المصدر بالمتر المكعب في اليوم أو بالاسبوع أو بالأشهر).

 

فبينما نجد أن تجدد كامل محتويات المياه لنهر يتم بشكل كامل بعد أيام أو أسابيع فإن هذه المدة تكون في البحر – تبعا للمقاييس الأمنية الجيولوجية – كبيرة إلى حد لا نهائي "إن حساب الاحتمال يبين تجدد مياه البحر الأبيض المتوسط مرة كل 75-85 سنة".

ونظريا فإن عملية التجدد هذه لمياه البحر لا تتأثير كثيرا بوجود المواد الملوثة غير القابلة للتفاعل في البحر، إلا أن ذلك لا يعني أن نصرف النظر عن خطورة تراكم هذه المواد في مياه البحر، ذلك أن تراكمها مع الزمن سيؤثر حتما بشكل سلبي في البيئة البحرية ككل.

وهذا ما ظهر في بحار دول وسط أوروبا حيث نجد أن نوعية الجودة فيها قد تدنت، علما أن معظم ملوثات هذه البار هي من المدن الواقعة عليها، وأن مياه الصرف الصحي فيها تحوي نسبة 20-40% من المواد العضوية غير القابلة بيولوجيا للتفاعل، والتي يمكن أن تؤدي إلى ضرر أكبر وثابت على النظام الأيكولوجي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى