شخصيّات

نبذة عن حياة الكاتب “مصطفى صادق الرافعي”

1999 موسوعة الكويت العلمية الجزء العاشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الكاتب مصطفى صادق الرافعي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

شهد مطلعُ القرن العشرينَ نهضةً أدبيةً كبيرة، فتطوّرَتْ أساليبُ الإنشاءِ والكتابةِ وظهرَ عددٌ من الكتّابِ الذين استطاعوا أن يُقدِّموا مساهمةً واضحةً في تَطْويرِ هذه الأساليب الإنشائية، وأدخلوا موضوعاتٍ جديدةً لم تكُنْ مَطْروقة من قبلُ في الأدب العربيّ.

ومن هؤلاء الكُتّابِ الكبار الكاتبُ مصطفى صادق الرافعي الذي وُلِدَ في يناير عام 1880 في قرية «بَهْتيم»، وهي قريةٌ من القُرى المِصريةِ.

ينتمي الرافعيُّ إلى أسرةٍ علْمية أصلُها من بلادِ الشام رحلتْ إلى مصرَ واستقرَّتْ فيها. اشتغلَ والدُهُ قاضياً يحكم بيْنَ الناسِ في القضاءِ الشَّرْعيّ، فأقامَ صِلَةً وثيقةً مع عُلماءِ عصْرِه. وتركتْ هذه البيئةُ العلميةُ أثراً طَيِّباً في تربيتِه.

 

واهتمَّ والدُهُ بتعليمِهِ القراءةَ والكتابَةَ، كما أنه شَهِد مع والدهِ مجالسَ العُلماءِ، فاكتسبَ من هذه المُلازَمَةِ ثقافةً دينيّةً وثقافةً عربيّةً تُراثية، كما غرسَتْ فيه حُبَّ المعرفةِ والانكِبابَ على قراءَةِ الكتب.

أُصيبَ في أولِ حياتهِ بمرضٍ أفقدهُ سَمْعَهُ، ولكنّهُ استطاعَ بعزمِهِ وهمَّتِهِ، أن يتغلَّبَ على هذه العاهة، فكانَ يتّصِلُ بالآخرينَ من خلالِ الكتابَةِ، فكان مَنْ يُريدُ مُخاطبتَه يكتبُ ما يريدُ في ورقة، ويردُّ الرافعيُّ عليه.

ومع أنّ مصطفى صادق الرافعي لم يَحصُلْ من الدراسَةِ النظاميةِ إلا على شَهادةِ إتمامِ الدراسةِ الابتدائية إلا أنه استطاعَ، باعتمادِهِ على نفسهِ في التحصيلِ، أن يحقِّقَ لنفسِهِ مكانةً عاليةً بين أُدباءِ جيلِهِ حتى أصبحَ واحداً من أهَمِّ الكُتّابِ المثقفين العربِ في أوائلِ هذا القرن.

 

بدأَ حياتَهُ بِنَظْمِ الشِّعْرِ وحقّقَ شهرةً فيه، وأصدرَ الجزءَ الأوّلَ من ديوانهِ في عام 1903، وكان سِنُّهُ آنذاك اثنين وعشرينَ عاماً.

وقد أثنى على هذا الديوان كبارُ شُعراء ذلك العصر وكتّابِه، مثل الشاعر محمود سامي البارودي والشاعر حاظ إبراهيم والمنفلوطي. وتوالَتْ بعدَ ذلك أجزاءُ الديوان، فصدرَ الجزءُ الثاني عام 1904 والثالث 1906.

انصرَفَ الرافعيُّ بعدَ ذلكَ إلى كتابَةِ الدراساتِ والكتبِ التي تتناوَلُ التراثَ العربيَّ وتُدافِع عن الثقافةِ الإسلامية، وقد كتب كتاباً مُهِمّا عنوانُه «تاريخ آدابِ العربِ»، خصّصهُ لدراسةِ تاريخِ الأدبِ العربيِّ القديم واللغةِ العربيةِ وروايةِ الشعر ومراكزِ الثقافةِ ودوْرِ المؤدِّبين المُعلمينَ في العصورِ الإسلامية الأولى.

 

واهتمَّ فيه بالحديثِ عن تاريخِ القرآن الكريم والقراءاتِ القرآنيّةِ والإعجازِ القرآنيّ والبلاغةِ النبوية.

ولمْ يكُن الرافعيُّ منعزلاً عن النشاط الفِكريِّ الأدبي في عصره فاشترك في معاركَ ومناقشاتٍ أثمرتْ عدداً من المؤلفاتِ منها كتابُه: «المعركةُ تحتَ رايةِ القرآن»، وفيهِ يناقشُ كتابَ طه حسين «في الشعر الجاهلي»، كما جمع في كتابه «على السَّفُّود»، مقالاته التي كتبها في معركته الفكرية مع عباس محمود العقاد.

وسعَى الرافعيُّ إلى تقديم صورةٍ جديدةٍ من الأشكالِ الأدبية إلى الأدبِ العربيِّ فجمع بينَ أُسلوبَيْ القصةِ والخاطرةِ في كتابَيْه: «حديث القمر» و«المساكين».

 

وفي كتبه الثلاثة: «رسائلُ الأحزان»،   و«أوراقُ الورد»، و«السحابُ الأحمر»، طوَّر أسلوبَه المعتمدَ على الرّسائل، وفيها يتحدثُ عن فلسفة الحبِّ بين الناس.

وللرافعيِّ مشاركاتٌ واسعةٌ في الكتابَةِ في المجلات الأدبية وقد جمع مقالاتِه في كتابِ «وحي القلم» الذي صدر في ثلاثةِ أجزاء.

يعتبرُ الرافعيُّ من كُتَّابِ المقالات الذين يختارون موضوعاتِهم من مشاهداتِهم اليومية، والتي كانَ يُحسِنُ تصويرَها بأسلوبه الخاصّ، فهو واحدٌ من أصحاب الأساليب الرفيعةِ والمتميّزة في الأدب العربيّ.

 

وكانَ يعتمدُ على الإيقاع الموسيقيِّ في عبارتهِ ولهُ معرفةٌ دقيقةٌ باللغةِ العربيةِ، ويُعبِّرُ عن أفكارِهِ بدقّه.

ومن أقواله عن الكمال الإنساني: «إنما هي ثلاثة: المبدأُ الشريفُ للنَّفْس، والفكْرُ السامي لِلْعَقْلِ، والحبُّ الطّاهِرُ للقلب».

ويحددُ غايتهُ من الكتابةِ قائلا: «أنا لا أَعْبَأُ بالمظاهرِ والأغْراضِ التي يأتي بها يومٌ وينسخُها يومٌ آخر.

 

والقِبلةُ التي أتَّجِهُ إليها في الأدبِ إنَّما هيَ النَّفسُ الشَّرْقيةُ في دِينها وفَضائلها، فلا أكتبُ إلا ما يبعثُها حيةً ويزيدُ في حياتِها وسُمُوِّ غايتها، ويُمكِّنُ لفضائِلها وخصائصِها في الحياة.

ولذا لا أمسُّ من الآداب كلِّها إلا نواحيَها العُلْيا. ثم إنه يُخَيَّلُ لي دائماً أنّي رسولٌ لغوي للدّفاعِ عن القرآن ولغته وبيانه». انتقل إلى رحمة الله في مايو 1937.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى