الرياضيات والهندسة

العلميين مقابل المهندسين

2014 أبجدية مهندس

هنري بيتروسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الرياضيات والهندسة الهندسة

العلميين مقابل المهندسين (Scientists VS. Engineers). ليس من السهل أو الواضح التمييز بين العلميين والمهندسين. والتمييزات القائمة تكون في بعض الأحيان ملبدة بواقع أن العلميين يمكن أن يقوموا بالهندسة، كما فعل العديد من الفيزيائيين أثناء مشروع مانهاتن [لصنع القنبلة الذرية الأولى]، وأن المهندسين يمارسون العلم عندما يقومون بإجراء التجارب وجمع البيانات الضرورية لبدء تصاميمهم أو البحث عن فهم المفاهيم التي تقف خلف اختراعاتهم التي تعمل بشكل بديهي ولكن لأسباب غير بيّنة تماماً.

كانت هناك محاولات عدة لتوضيح التمييز بين العلميين والمهندسين، وربما كان أكثرها اقتباساً (وتنويعاً) تلك المنسوبة إلى مهندس الفضاء والعلمي تيودور فون كارمان (Theodore von Kármán)  (181-1963): "يحاول العلميون فهم ما هو كائن؛ أما المهندسون فيبحثون عن خلق ما لم يكن بعد". آراء مشابهة عبر عنها على شكل أقوال مأثورة من نمط "العلميون يفهمون العالم، ولكن المهندسين يجعلونه يعمل"؛ و"العلميون يتقصّون في ما هو كائن، والمهندسون يخلقون ما لم يكن"؛ و"العلميون يبحثون عن المعرفة؛ والمهندسون يقومون بالفعل"؛ والعلميون يجعلونها معروفة؛ أما المهندسون فيجعلونها مفيدة. وهناك تنويعات أخرى حول الموضوع نفسه اعتمدها مجلس المهندسين المشترك، تقول: "يقوم المهندسون بالتخطيط والتصميم والإنتاج والصيانة والتشغيل. العلميون يجعلونها معروفة أما المهندسون فيجعلونها مفيدة". وباستخدام مصطلحات العلم/ الهندسة يمكن التعبير عن قول فون كارمان المأثور على النحو الآتي: "العلم يجعل الأشياء معروفة؛ والهندسة تجعل الأشياء تعمل". أما غوردون براون (Gordon S. Brown) (1907-1996)، الذي شغل منصب عميد معهد ماسّاتشوستس للتكنولوجيا، فكان يقول عن المهندسين العاملين في البحث "يمكن أن يعملوا كعلميين، ولكن ملكتهم في رؤية المفيد بدلاً من البحث في غير المعروف تميّزهم باعتبارهم مهندسين".

مقاربة أخرى في التمييز بين العلميين والمهندسين (وبين العلم والهندسة) هي التأكيد لا على ما يفعلاه ولكن على سبب فعلهما. وبحسب أحد المراقبين "المهندس هو الشخص الذي سيتعلم قانوناً فيزيائياً غامضاً لكي يبني قطعة معقدة من جهاز تكنولوجي. والعلمي هو الشخص الذي سيتعلم كيف يبني قطعة معقدة لجهاز تكنولوجي لكي يتعلم قانوناً فيزيائياً غامضاً".

الوجع المشترك لدى المهندسين هو أن كل وسائل الإعلام الإخبارية غالباً ما تعزو الإنجازات والمساعي التكنولوجية الناجحة إلى العلم والعلميين، في حين أن المهندسين يلامون على المشاكل التكنولوجية والفشل. وهكذا فإن نزول روّاد الفضاء على سطح القمر ذُكر وثُمّن على أنه إنجاز علمي، أما انفجار صاروخ اختبار على منصة الإطلاق فوصف بأنه فشل هندسي. وهذا التقسيم المزيف كان واضحاً في مهمة باثفايندر [المُستطلع] (Pathfinder) إلى المريخ عام 1997 مثلاً، عندما حطّ هذا "المستطلع" على سطح المريخ وصدح الاحتفال بذلك في قاعة السيطرة، حيث وصف المشاركون من قبل المعلقين بأنهم علماء فضاء، في الوقت الذي كانوا فيه فعلياً مهندسين. وعندما ظهرت بعض مشاكل الاتصالات لاحقاً، قيل لمشاهدي التلفاز إن المهندسين يعملون على إصلاحها. انظر مقال: "Making Headlines," American Scientist, May-June 2000, pp. 206-209; see also The Essential Engineer: Why Science Alone Will Not Solve Our Global Problems (New York: Knopf, 2010).

بعد انفجار التجهيزات النفطية لشركة ديب – ووتر هورايزن وما نجم عنه من تسرّب النفط من بئر في خليج المكسيك عام 2010 على مدى أشهر، كانت هناك أمثلة عديدة عن الفعل وإعداد التقارير كانت أدوار المهندسين والعلميين فيها ملتبسة، وهذا ما عزّز الصور الكاريكاتورية لدى الناس العاديين عن الاثنين. وفي وقت ما، طلب من وزير الطاقة، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، الذهاب إلى مركز قيادة تدفق النفط في هيوستن بأوامر من البيت الأبيض لإدارة ما يجب أن يكون بشكل واضح جهداً هندسياً تحت إدارة مهندس لإغلاق البئر المتسرب. وفي النهاية لم تكن المعرفة والإنجازات العلمية هي التي أوقفت التدفق ولكنها التجربة الهندسية والحذاقة التكنولوجية. وكتبت إحدى مجلات الأخبار واصفة القرار السياسي مباشرة بعد الحادث بفرض وقف عمليات الحفر في المياه العميقة كلها، حيث ورد وصف المهندسين الاستشاريين مراراً على أنهم علميون في ثلثي الرواية الطويلة من التقرير الذي وضعوه، والذي لم يكن يدعم قرار الوقف. ولم يصحّح هذا الخطأ إلا بعد أن عُرف أن المهندسين الاستشاريين كانوا نتيجة توصية الأكاديمية الوطنية للهندسة وتم نعتهم بالمهندسين – ولم يكن ذلك إلا في بعض فقرات قبل أن يعود الصحافي إلى تسميتهم بالعلميين. انظر مقال:Kara Rowland, "Anger Overflows on Drilling Halt Report," Washington Times, November 10, 2010.

لوم المهندس ليس بظاهرة حدثية. ففي القرن الأول الميلادي في أطروحة عن نظام روما لتغذية المياه، وصف مأمور المياه فرونتينوس (Frontinus) حادثاً اختبره في موقع حفر نفق مياه إلى ميناء سالدي البحري الجزائري (Algerian seaport of Saldae): "وجدت الجميع هناك حزيناً ومكتئباً؛ فقد تخلّوا عن كل الآمال بأن يتقابل مقطعا النفق، لأن كل مقطع تجاوز الحفر فيه منتصف الجبل ولم يحدث التلاقي. وكما يحدث دائماً في هذه الحالات، فقد وقع اللوم على المهندس، لأنه لم يأخذ كل الاحتياطات لضمان نجاح العمل".

بحسب فرونتينوس، ففي غياب المهندس "فإن مقاول البناء ومساعده ارتكبا أخطاءً فاضحة الواحد تلو الآخر، وفي كل مقطع من النفق ابتعدا عن الخط المستقيم، كلٌّ باتجاه يمينه، ولو تأخرت قليلاً في المجيء، لكان لسالدي نفقان بدلاً من واحد. وقد تم تصحيح الوضع بالقيام بمسح إضافي وحفر نفق عرضاني وصل بين النفقين المتباعدين. انظر:Frontinus, The Water Supply of the City of Rome, trans­lated by Clemens Herschel (Boston: New England Water Works Association, 1973), pp. 151-152.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى