علوم الأرض والجيولوجيا

نهجا تحديد معدل سعر الخصم

2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري

تشارلزس . بيرسون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

نهج تحديد معدل سعر الخصم علوم الأرض والجيولوجيا

للتحدث بصورة عامة، يمكن القول إن هناك نهجين لتحديد معدل سعر الخصم. الأول منهما ينظر في المعدل الهامشي للعوائد من الاستثمار، وكثيراً ما يطلق عليه بالمنهج الوصفي.

والثاني معدل اجتماعي للأفضلية الزمنية (Social Rate of Time Preference: SRTP) ويدعى بالمنهج الإرشادي.

والفرق الأساسي بينهما هو أن الخصم في المنهج الوصفي مؤسسٌ على مراقبة معدلات السوق، في حين أن معدل الخصم الاجتماعي لأفضلية الزمن يُبنى على المعايير الأخلاقية، فضلاً عن الأدلة السلوكية.

 

التمييز بين النهجين يعكس تقريباً التوتر القائمة في أدبيات [سياسة تغير المناخ]، فوفقاً لأي كيفية ينبغي أن يعبر معدل سعر الخصم بشكل وثيق على الأفضليات الفعلية والسلوكية؟، وكم يجب أن يؤثر على ما يجب علينا فعله؟

فأولئك الذين يعتمدون على أدلة الأسواق المالية يؤكدون الدور الهامشي لعائد الاستثمار، وفقاً للمنهج الوصفي.

ولكن حتى أولئك الذين يشعرون بالارتياح لعملهم المباشر باستخدام النهج الإرشادي، والمعدل الاجتماعي للأفضلية الزمنية، هم كثيراً ما يحاولون بناء معدلات أسعار خصم على أدلة مستندة على السُلميات المُلاحظة والأفضليات المُلاحظة.

 

فعل سبيل المثال، يقول بيرس وآخرون (Pearce et al. 2003)، من ضمن أشياء عديدة أخرى تطرق إليها، إن المعدل الاجتماعية للأفضلية الزمنية هو بناءٌ معياريٌ (Normative Construct)  يُخبرنا بما يجب علينا القيام به.

إلا أن بيرس هو أيضاً مؤيد قوي لمبدأ احترام أفضليات الأفراد كما تم ملاحظتها من قبل بواسطة ما فعلوه حقاً، وإنه يبحث عن أدلة لتسليط الضوء على معدل الثقل الاجتماعي للأفضليات الزمنية. فإذا كانت الأفضليات واقعاً يمكن عدُها، فإن الأفضليات قد تساعد في الكشف عما يجب أن يكون.

إن عملية الاختيار ما بين الاستعانة أو عدم الاستعانة بالمعلومات التي يوفرها السوق هي ليست دقيقة كما تبدو لنا عند أول وهلة.

 

فمن الممكن استخدام المعدل الاجتماعي للأفضليات الزمنية، ولكن يمكننا أيضاً استخدام كلفة الفرصة البديلة للاستثمارات الخاصة، التي قد تم تشتيتها بواسطة تدابير التخفيف لمؤثرات ظاهرة الاحتباس الحراري. وهو ما يتضمن حساب "اسعار الظل (السعر غير المعلن)" (Shadow Price) لرأس المال، من حيث تكافؤ استهلاكها.

لنتأمل على سبيل المثال، "الاقتصاد المشوه ضريبياً" (Tax-Distorted Economy)، الذي يكون فيه العائد الحدي للاستثمار قبل الاستقطاع الضريبي، أعلى من العائد الاستثماري الذي يجنيه المدخرون بعد استقطاع الضرائب.

وعليه فإن الحالة الأولى [قبل الاستقطاع الضريبي] هي مقياس لإنتاجية رأس المال، في حين أن الحالة الثانية [بعد الاستقطاع الضريبي] مقياس مستمد من أفضليات المجتمع الراهنة في مقابل الاستهلاك في المستقبل، والعلاوت المتوقعة من جراء تأجيل الاستهلاك الحالي (أي الإدخار).

 

إن معدل كلا العائدين متساويان تحت ظروف مثالية، ولكن وجود الضرائب والاختلالات الأخرى يقود إلى الاختلاف بينهما بقوة "التفريق بينهما بقوة" (Wedge Between Them)، والأمر يكون مع عائد الاستثمار أكثر بكثير من عائد الإدخار.

ويمكن التوفيق ما بين معدل السعريين من خلال استخدام مفهوم سعر الظل لرأس مال السعر، الذي يحول التدفقات الاستثمارية إلى ما يعادلها من قيم استهلاكية، ومن ثم خصم كل التدفقات الاستهلاكية، ويعادل استهلاك التدفقات الاستثمارية في المعدل الاجتماعي للأفضلية الزمنية(3).

وفي الواقع، إن هذا يُعطي وزناً أكبر لوحدة الاستثمار بالمقارنة مع وحدة الاستهلاك.

 

فمن السهل أن يكون اقتصاد الضرائب مشوهاً عند هذه النقطة، لأن بعض الأدلة القديمة للدول النامية كانت تحديد قيمة دخل الحكومة مغطىً بتدفق سعر الاستهلاك غير المعلن، ومن ثم تم خصم كل التدفقات بمعدل حساب سعر الفائدة، وهو معدل انخفاض قيمة وحدة دخل الحكومة مع مرور الوقت.

وتوضح هذه العملية (من ثم) ما هو سائد، إلا أنها تمثل وجهة نظر تاريخية عفا عنها الزمن، لأن وحدة من الموارد بأيدي الحكومة ينبغي إيلاؤها أهمية في التنمية.

إن أياً من النهجين الوصفي والإرشادي (الإلزامي) ليسا ورقة رابحة (Trump) بوضوح وفقاً للمعيار الأخلاقي.

فالمنهج المعدل الاجتماعي للأفضلية الزمنية يقود إلى خفض معدلات أسعار الخصم، وهو ما يسوغ النفقات الكبيرة لحماية الأجيال القادمة من أضرار ظاهرة الاحتباس الحراري.

 

ومع ذلك، وكما سنرى لاحقاً، فإنها تعتمد على افتراضات محاطة بالشكوك، حول قيمة معاملين هما ما يسميان بـ "المعدل المحض للأفضلية الزمنية" (Pure Rate of Time Preference)، و"الاستجابة للمنفعة" (Responsiveness of Utility) (الرفاهية) للتغيرات في الاستهلاك.

كما يجادل أنصار استخدام معدلات أعلى على أساس العائد الحدي  للاستثمار، بأن من واجبنا تجاه أجيال المستقبل أن يتمثل ذلك عبر الاستثمار في تلك المشاريع وتلك السياسات التي تحقق عوائد كبيرة .

فإذا كان الاستثمار في التخفيف من الاحترار العالمي، فإنه لا يمكن التنافس مع الاستثمار في مجالات الصحة، أو التعليم، أو البنية التحية، أو البحوث العامة والتنمية، وسنغير المستقبل القصير إذا ما استخدمنا سعر خصم منخفض بشكل مصطنع لقياسات المناخ.

 

وإذا ما كان همنا منصباً على فقراء الحاضر والمستقبل، فستكون المساعدات الخارجية اليوم تحقيق عوائد أعلى من الاستثمارات طويل الأجل جداً للوقاية من تغير المناخ.

تلك حجة قوية، ومع ذلك، فإن هذه النقطة تشير إلى وجود ضعف كبير في المنهج الوصفي. وهذا الضعف يكمن في عدم القدرة على المساهمة الموثوقة لتحويل الموارد عبر الأجيال كما كان موضحاً في الفصل الثاني(4).

ولا توجد وسيلة لضمان أن الموارد لا تنفق على التخفيف، وأنه سيتم استثمارها اليوم في "صندوق الإغراق" (Sinking Fund) الذي يستثمر ويُعيد الاستثمار عبر أجيال عديدة لغرض تعويض أولئك الذين سوف يتضررون. فاختبار فرضية التعويض لكالدور-هيكس هو اختبار توافقي.

 

هناك أسبابٌ أخرى للتساؤل حول مدى ملائمة استخدام أسعار السوق. هذه المعدلات قد تكون مشوهة بصورة خطرة للحد من العوامل البيئية، التي من ضمنها ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي ذاتها.

خصوصاً أن معدل سعر السوق لعائد رأس المال يميل لأن يكون مبالغاً فيه، لكونه لا يقيس "نضوب رأس المال الطبيعي" (Depletion of Natural Capital)، الذي من ضمنه الغلاف الجوي. كما أنه من غير الواضح أي معدل عائد رأس المال سيستخدم، لوجود العديد من الأسعار في السوق.

لقد أصبح النقاش الوصفي-الإرشادي حول الخصم، لا معنى له نوعاً ما على مر السنين(5).

 

ولعل الأهم من ذلك هو التطورات الحديثة في البحوث المعنية بمعدل الخصم، بما في ذلك قضية خفض أسعار الخصم، والتفاعل ما بين حالة عدم اليقين ومعدلات الخصم، التي غيرت شروط الجدل حولها.

وحتى مع ذلك، لا يزال الخصم يؤدي دوراً مركزياً في الاقتصاد المناخي. لكن النقاش حول هذا الموضوع مازال خامداً، الأمر الذي يستحق أن نبذل بعض الجهود لفهمه.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى