العلوم الإنسانية والإجتماعية

الاقتراحات التي أبداها المشرع لتعديل بعض مواد قانون الإثبات في ظل تطوّر المجتمع

1995 الحاسوب والقانون

الدكتور محمد المرسي زهرة

KFAS

قانون الإثبات في ظل تطوّر المجتمع العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

اقتراحات تشريعية

يجب ، في اعتقادنا ، أن يتدخل المشرع لتعديل بعض مواد قانون الإثبات على النحو الآتي :

 

1- مبدأ عدم جواز إثبات التصرفات القانونية – كقاعدة – إلا بالكتابة

رأينا أن المادة 39 إثبات كويتي ، وتقابلها المادة 60 إثبات مصري ، قد وضعت مبدأين رئيسيين في الإثبات : مبدا الإثبات : مبدأ الإثبات الحر في المواد التجارية ، ومبدأ الإثبات المقيد في المواد المدنية . 

ويعني هذا المبدأ الأخير عدم جواز إثبات التصرفات القانونية ، إذا تجاوزت قيمتها حداً معيناً أو كانت غير محددة ، إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها.

وقد رأينا أن هذا المبدأ يقف عقبة أمام الاعتراف لمخرجات الحاسب الإلكتروني بحجية في الإثبات حيث إن شروط الدليل الكتابي لا تتوافر – غالباً – بالنسبة لهذه المخرجات على اختلاف أنواعها .

 

وبالرغم مما قيل في مزايا الكتابة كدليل إثبات ، إلا أن هذا المبدأ يعيبه أنه قد يؤدي – أحياناً – إلى ضياع الحق على صاحبه لمجرد عدم توافر بعض لاشكليات التي لا تمنع من كونه صاحباً للحق محل النزاع . 

ولعل هذا هو ما جعل البعض يصف قواعد الإثبات بأنها أحد  أجزاء القانون المدني المخيبة للآمال. ونعتقد أن الحل يكمن في أحد أمرين :

 

الأمر الأول : إلغاء هذا المبدأ كلية والأخذ بمبدأ الإثبات الحر كما هو الحال في الإثبات في المواد التجارية والجنائية .  ويصبح المبدأ العام المعمول به هو حرية الإثبات في المواد المدنية والتجارية إلا بالنسبة لبعض العقود التي يشترط القانون الكتابة لإثباتها .

ويترتب على ذلك جواز الإثبات بكافة طرق الإثبات : الكتابة أو غيرها من أدلة الإثبات الأخرى .  وهكذا ، بعد أن كان لا يقبل في إثبات التصرفات القانونية سوى الأدلة الكتابية ، أصبح من الممكن – في ظل الاقتراح الجديد – قبول أدلة أخرى كالبينة والقرائن مثلاً .

 

لكن يبقى للدليل الكتابي أفضليته من حيث قوته أوحجيته في الإثبات .  فهو دليل ملزم للقاضي إذا توافرت شروطه القانونية ، بينما يترك للقاضي تقدير حجية غيره من الأدلة .  فالاقتراح الجديد ينصب – فقط – على قبول دليل الإثبات وليس على حجيته وقوته في الإثبات .

ويترتب على هذا التعديل إلغاء الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز إثبات التصرفات القانونية ، كقاعدة ، إلا بالكتابة ، وذلك لانتفاء الحاجة إليها .

 

الأمر الثاني : الإبقاء على مبدأ عدم جواز إثبات التصرفات القانونية ، كقاعدة إلا بالكتابة مع إدخال بعض التعديلات عليه وهي :

– رفع الحد الذي يجوز في حدوده الإثبات بكافة طرق الإثبات .  فالمشرع ، في مصر والكويت ، لم يوجب إثبات التصرف المدني بالكتابة إلا إذا كانت قيمة محل التصرف قد تجاوزت حداً معيناً : مائة جنيهاً مصرياً ، 500 ديناراً كويتياً ، أو كانت قيمته غير محددة . 

ونعتقد أنه يجب – مرحلياً – رفع هذا الحد إلى خمسة آلاف دينار (وكذلك خمسة آلاف جنيه) تمشياً مع السرعة في المعاملات التي يتميز بها هذا العصر .  وبذلك نبقى على مدأ الإثبات المقيد بالنسبة للتصرفات ذات القيمة المرتفعة فقط .

 

– تعديل الاستثناء الخاص بوجود "بداية" ثبوت بالكتابة بطريقة تجعله أكثر مرونة واتفاقاً مع الواقع فقد رأينا أن القانون ، في مصر والكويت ، يجيز الإثبات بكافة طرق الإثبات فيما كان يجب إثباته بالكتابة في حالة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة . 

وقد اشترط القانون لوجود "بداية" الثبوت بالكتابة توافر، حسب نص المادة 41 إثبات كويتي، ثلاثة شروط : وجود ورقة مكتوبة، صادرة عن الخصم ، من شأنها أن تجعل الأمر المراد إثباته قريب الاحتمال .

 

ونعتقد أنه يجب إلغاء الشرط الأول وتعديل المادة 41 أولاً على الوجه الآتي : "….. ويعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة كل ما يصدر من الخصم ويكون من شأنه أن يجعل وجود التصرف المدّعى به قريب الاحتمال".

وقد يكون ما يصدر عنا لخصم "كتابة" كما قد يكون تسجيلاً صوتياً، أو شريطاً ممغنطاً… الخ .  وليس هناك ما يبرر استبعاد هذه الأمور طالما أنها تجعل الأمر محل النزاع قريب التصديق . 

وبالتالي تقتصر شروط مبدأ الثبوت بالكتابة على اثنين فقط : مصدره وأثره وهكذا يمكن – في ضوء هذا التعديل – اعتبار مخرجات الحاسب الإلكتروني "بداية" ثبوت بالكتابة سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة كالأشرطة والأسطوانات الممغنطة ، والتسجيلات الصوتية وغير ذلك .

 

2- فكرة التوقيع

رأينا أن الدليل الكتابي الكامل له عنصران ولا وجود له – قانوناً – بدونهما أو بدون أحدهما : الكتابة والتوقيع . 

والتوقيع قد يكون بالإمضاء أو البصمة أوالختم .  ويجمع الفقه والقضاء على أن التوقيع بالإمضاء  يجب أن يكون مكتوباً بخط اليد .

لكن التوقيع بالإمضاء بهذا المعنى التقليدي اختفى أو كاد في الواقع العملي .  ويرجع ذلك – أصلاً – إلى إدخال الحاسب الإلكتروني في مجال المحاسبة والإدارة . 

فالتوقيع "التقليدي" يقف عقبة أمام إدخال "الآلية" في مجال المعاملات .  ولذلك كان طبيعياً أن يتجاوزه الواقع العملي . 

 

وهكذا اتجه الواقع إلى البحث عن "بديل" للتوقيع التقليد يستطيع أن يقوم بذات الدور ، ويمكنه التكيف مع وسائل الإدارة الحديثة وقد وجد هذا البديل" في صورة رقم سري أو كلمة سر .

ويتميز الرقم السري من حيث إنه أكثر سرعة من التوقيع التقليدي ، إذ يمكن التعاقد عن بعد a distance بواسطة الرقم،  بينما يتطلب التوقيع التقليدي الانتقال لمكان التعاقد . 

كما أنه – من ناحية أخرى – يتلاءم تماماً مع إدخال الحاسب الإلكتروني في معظم مجالات الحياة العملية .

وأخيراً فإنه يقوم بذات الدور الذي يؤديه التوقيع التقليدي، وربما بدرجة أفضل ، من حيث كونه وسيلة لتحديد "هوية" الموقع ، ودليلاً على إرادته الالتزام بمضمون السند .

 

وبالرغم من ذلك ، فإنه يصعب – في ظل قواعد الإثبات الحالية – قبول الرقم كبديل للتوقيع التقليدي في بعض الحالات خصوصاً بالنسبة لمخرجات الحاسب الإلكتروني فالقانون يشترط أن يكون التوقيع بالإمضاء أو الختم أو البصمة ، والإمضاء لا يكون إلا بخط يد الموقع.

ومن ثم فالرقم – مهما كانت مزاياه – لا يعتبر من قبيل الإمضاء ، كما أنه ليس – بداهة – ختماً أو بصمة – ولعل عدم قبول الرقم السري كبديل للتوقيع التقليدي بالنسبة لمخرجات لاحاسب الإلكتروني هو السبب الرئيسي في عدم قبول هذه المخرجات في الإثبات بوجه عام .

ونعتقد أنه يجب تعديل نصوص قانون الإثبات بطريقة تسمح بقبول اي إجراء،  خلاف الإمضاء أو الختم أو البصمة ، طالما أنه يقوم بذات الدور الذي يقوم به التقويع بوجه عام .

 

ونعتقد أنه يجب تعديل نصوص قانون الإثبات بطريقة تسمح بقبول أي إجراء ، خلاف الإمضاء أو الختم أو البصمة ، طالما أن يقوم بذات الدور الذي يقوم به التوقيع بوجه عام .  فليس المهم شكل التوقيع ، وإنما المهم هو جوهره والدور الذي يلعبه ، والحكمة منه . 

ويجب لذلك تعديل المادة 13 إثبات كويتي على الوجه التالي : "تعتبر الورقة العرفية صادرة ممن وقّعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو توقيع… وتبدو فائدة هذا التعديل أنه لم يحدد شكلاً معيناً للتوقيع :  إمضاء ، أو ختماً أو بصمة ، وإنما جاء لفظ "التوقيع" عاماً بحيث يستوعب أي إجراء يؤدي الغرض من التوقيع .  وقد يكون هذا الإجراء رقماً أو أي شكل آخر .

 

3- حجية الصورة

فرق القانون في الكويت ومصر – كما رأينا – بين "صورة" الأوراق الرسمية ، وصورة الأوراق العرفية : فصور الأوراق الرسمية لها – إذا لم يوجد أصل الورقة – حجية الاصل في حدود وبشروط معينة ، بينما "صور" الأوراق العرفية ليس لها في ذاتها أية قيمة في الإثبات . 

وقد أدى ذلك إلى عدم قبول بعض مخرجات الحاسب الإلكتروني في الإثبات باعتبارها "صوراً" وليست أصولاً .

ونرى أن من الملائم – فعلاً – تعديل نص المادة 11 إثبات كويتي (وتقابلها المادة 13 إثبات مصري) بطريقة تؤدي إلى تطبيقها على صور المحررات عموماً سواء كانت رسمية أو عرفية . 

ولا نرى مبرراً مقنعاً لقصر نطاق تطبيق المادة 11 على صور الأوراق الرسمية وحدها ، وإنكار كل قيمة لصور الأوراق العرفية ، وإذا كانت الثقة في الموظف العام هي التي تبرر التفرقة – من بعض الوجوه – بين حجية الورقة الرسمية وحجية الورقة العرفية  ، فليس هناك – في نظرنا – ما يبرر التفرقة بين حجية صور كلاً منها . 

 

وإمكانية التلاعب في استخراج الصورة قائمة بنسبة متساوية سواء كان الأصل ورقة رسمية أو ورقة عرفية .  ولذلك يجب في اعتقادنا توحيد حكم "الصور" بوجه عام دون تفرقة بين صور الأوراق العرفية وصور الأوراق الرسمية .

وبذلك نرى تعديل نص المادة 11 إثبات كويتي (وكذلك نص المادة 13 إثبات مصري) على الوجه الآتي : "إذا لم يوجد أصل الورقة كانت الصورة حجة في الحدود التالية …". 

وهكذا تكون للصورة حجية الأصل – في حالة عدم وجوده – بصرف النظر عما إذا كان الأصل ورقة رسمية  أو عرفية . 

لكنه يجب وضع بعض الضمانات للتأكد من عدم وجود غش أو تلاعب ، ومن مطابقة الصورة للأصل.  فإذا لم تتوافر هذه الضمانات أو الشروط فإنه يمكن  – حينئذ – إعطاء الصورة حكم "بداية" الثبوت بالكتابة .

 

ومن هذه الضمانات أن تكون الصورة مقروءة وثابتة ودائمة ومطابقة .  يستوي بعد ذلك أن تكون ورقية أو بلاستيكية أو ممغنطة… الخ .  ويجب أن تقبل "الصورة" القراءة دون حاجة إلى استخدام أجهزة خاصة لذلك . 

ولا نحبذ إدخال مصطلحات فنية في نصوص القانون ، أو الارتباط بأسلوب تقني معين في عمل الصورة. فالوسائل التقنية سريعة التغير ، بينما الأصل في نصوص القانون الثبات .

 

وتبدو فائدة هذا التعديل واضحة من ناحيتين :

إمكانية قبول بعض مخرجات الحاسب الإلكتروني في الإثبات بالرغم من كونها صوراً وليست أصلاً إذا توافرت لها بطبيعة الحال الشروط والضمانات التي يقررها القانون . 

كما يمكن – من ناحية أخرى – حل مشكلة الأرشيف حلاً جذرياً .  فالقانون ، كما رأينا – يلزم التاجر – فرداً كان أم شركة – بحفظ دفاتره التجارية والمستندات والمراسلات والبرقيات التي يتسلمها وكذلك "صور" المستندات التي يرسلها . 

 

وقد رأينا أن هذا الالتزام يشكل عبئاً ثقيلاً على البنوك والشركات والإدارات من حيث مكان الحفظ والوقت والجهد الذي سيستغرقه استرجاع هذه المستندات . 

وقد اتجه كثير من البنوك والشركات إلى التفكير في ضغط هذا الكم الهائل من الأرشيف وذلك باستخدام الحاسب أو الميكروفيلم "العادي" والميكروفيلم Com

ولكن المشكلة الحقيقية التي تقف أمام هذا الحل العملي هي أن القانون يلزم التاجر بحفظ "أصل" المستندات ، بينما الميكروفيلم أو مخرجات الحاسب "صور"، الأمر الذي يجعل التاجر مخلاً بالتزامه بالحفظ .      

 

ولا ريب في أن إعطاء "الصورة" بوجه عام حجية الأصل في الإثبات سيفتح المجال أمام البنوك والشركات في تحويل مستنداتها ودفاترها إلى ميكروفيلم دون أن تخشى إخلالها بالالتزام بمسك الدفاتر وحفظها ، طالما أن "الصورة" (الميكروفيلم أو مخرجات الحاسب) ستكون لها ذات حجية الأصل في الإثبات . 

فليس من المقبول أن تسمح بحلول "مخرجات" الحاسب محل الدفاتر والمستندات التجارية دون أن نضفي على "الصورة" بوجه عام حجية وقيمة في الإثبات خصوصاً بعد التخلص من الاصل . إذ لا معنى لاحتفاظ التاجر بالأصل بعد تحويله إلى ميكروفيلم مثلاً …

 

4-مسك الدفاتر التجارية التجارية وحفظها

يُلزم القانون التاجر – كما رأينا – بمسك محاسبة يومية وسنوية . 

وتتمثل المحاسبة اليومية في دفتر اليومية والمحاسبة السنوية في دفتر الجرد .  ولا يلتزم التاجر فقط بمسك هذه الدفاتر وإنما أيضاً بحفظها وحفظ المستندات التجارية الأخرى لمدة زمنية معينة .

وبالرغم من أن القاعدة هي حرية الإثبات في المسائل التجارية ، إلا أن الالتزام السابق بشقيه يجب تعديله.  فوضع شروط "عفى عليها الزمان" لمسك الدفاتر التجارية تقف عقبة أمام الأخذ بالوسائل الحديثة في المحاسبة . 

 

ومن هنا يبدو دفتر اليومية غير ملائم إطلاقاً لإدخال الحاسب الإلكتروني فيمجحال المحاسبة .  ومن ثم أصبح اختفاؤه أمراً ضرورياً خصوصاً أنه لا يُضيف أي ضمانة ضرورية ، ولم يحقق الغرض المنشود.

ونقترح أن يحل محله ، أو يُضاف إليه ، سجل زمني مسلسل للمستندات والمعاملات المحاسبية – ويجب ان يتم التسجيل يومياً . 

لكن وسيلة التسجيل يجيب أن تترك لاختيار التاجر نفسه مع وضع بعض الضمانات ضد احتمالات الغش والتلاعب .  وهكذا يمكن أن يكون هذا السجل يدوياً ، أو إلكترونياً ، كما قد يكون في صورة ميكروفيلم . 

 

ومن ثم يجب إلغاء شرط الترقيم والتوثيق الذي تنص عليه المادة 30/2 من قانون التجارة الكويتي بقولها : "ويجب قبل استعمال دفتري اليومية والجرد أن ترقم كل صفحة من صفحاتهما " وأن يُختم على كل ورقة فيهما كاتب العدل". 

ولا ريب من أنه يستحيل في ضوء مثل هذا الشرط الأخذ بالاساليب الحديثة في تنظيم المحاسبة .  ولهذا جرى العمل على أن يدون التاجر عملياته وحساباته في كشوف مستقلة دون أن يلتزم بمسك دفتر اليومية الأصلي .

 

ولا شك في أن كل تاجر سيحرص على الدقة في مسك حساباته ، وإلا كان معرضاً لاعتبارها غير منتظمة ، ومن ثم عدم الأخذ بها في الإثبات ، فضلاً عن توقيع الجزاء الذي وضعه القانون لذلك .

أما بالنسبة لحفظ المستندات المحاسبية ، فقد رأينا أن إضفاء حجية الأصل على "الصورة" كفيل بحل هذه المشكلة .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى